"التطبيع العربي مع النظام" كسر للحاجز النفسي وانسحاب لإيران من الجنوب

2021.11.21 | 05:49 دمشق

alkarykatyr_alkhams_lshhr_tshryn_althany_2021.jpg
+A
حجم الخط
-A

يدخل "نظام الأسد" الذي "يترأسه" بشار الأسد عقده الثالث، ولا يعرف أحد من السوريين ولا من العرب ولا أحد من الدول الإقليمية، ما الطريقة المثلى للتعامل مع هذا النظام، وما الصيغة المناسبة لإخراجه من /أو لإبقائه في معادلة الصراع والتصارع على سوريا، وفي سبيل ذلك تطرح تصورات ومشاريع متوالية، بحلول جذرية أو بربع حلول، بحلول ترقيعية أو حلول مؤقتة أو تكتيكية، يكشف الغطاء عنها بشكل رسمي أو تُسرّب عبر الإعلام..

في هذا السياق يسعى الأردن والإمارات وبعض العرب من ورائهما لإخراج النظام الأسدي من الثقب الأسود الذي وضع نفسه ووضع سوريا فيه، والذي يهدد بابتلاع الإقليم، فيقدمون مشروعا للتطبيع مع النظام على أمل تغيير سلوكه - طالما أن مساعي تغيير النظام بكليته قد فشلت- ويطرحون وثيقة سموها "اللاورقة" (والحقيقة يمكن نعت المشروع بـ "المشروع الأردني الإماراتي" رغم أن وزير خارجية الأردن هو من أعلن عنه، وكانت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية نشرت وثيقته "اللاورقة" مع ملحقها "السري").

والمشروع الأردني للتطبيع مع نظام الأسد على ما يبدو هو النسخة المعدّلة من مبادرة الملك الأردني التي قدمها قبل ثلاثة أشهر والتي حازت على موافقة أميركية، وجوهر تلك المبادرة بقاء نظام الأسد كأمر واقع، إنما مع "الأمل بالعمل" على تغيير سلوكه..

التعديل الجوهري في الوثيقة الجديدة "اللاورقة " التي نشرت بالتزامن مع زيارة وزير خارجية الإمارات إلى دمشق الأسبوع الماضي، مفاده القبول ببقاء النظام كما هو، بدل تغيير سلوكه، إضافة لذلك، ولضمان تغيير سلوك النظام، ستقدم مغريات له، أهمها إعادته إلى الجامعة العربية، والتخفيف التدريجي من العقوبات المفروضة عليه، مقابل هدف جوهري، أن يقبل النظام بالابتعاد عن الحضن الإيراني.. فيرتمي في الحضن العربي الدافئ..

قراءة في مضمون وثيقة "اللاورقة"

قراءة دقيقة للوثيقة الجديدة مع ملحقها "السري" تظهر أنه لا مشكلة أيضا في بقاء إيران في سوريا إنما المشكلة في بقائها في المنطقة الجنوبية، بالقرب من الجولان، وبعد تسوية وضع إيران، سيكون بالإمكان الضغط على تركيا لتنسحب من الأراضي السورية، في حال اتفقت "قسد" مع النظام.

الجديد في المبادرة الأردنية العربية هو تكتيك الخطوة مقابل الخطوة، بحيث يتوجب على النظام الأسدي تقديم بعض التنازلات، يتلوها دعم عربي سياسي واقتصادي، يعود بعدها النظام لتقديم تنازل إضافي، يُقابَل بدعم عربي، وهكذا دوليك، ودائماً بحسب تكتيك "خطوة مقابل خطوة " الذي تقترحه وثيقة "اللاورقة".

لكن المهم في الوثيقة هو ما غاب عنها بما يخص النظام الذي لن يكون مجبرا على تقديم أي تنازل باستثناء إطلاق سراح المعتقلين، لو أراد هو ذلك.. فالوثيقة لا تنص أو تشير إلى آلية ضغط على النظام تجبره على تقديم تنازلات، يُفترض أن يكون في رأسها إطلاق مئة وخمسين ألف معتقل لأسباب سياسية.. لكن الأطراف التي تقدمت بالوثيقة تأمل بنفع الإغراءات وفي رأسها العودة إلى الجامعة العربية وإعادة اللاجئين، ومد النظام بالكهرباء والوقود ورفع العقوبات في إزاحة النظام عن موقفه المتصلّب الذي دمّر سوريا وهجّر ربع سكانها..

لكن السوريين على الأقل يعلمون أن الإغراء الوحيد للنظام إضافة لحصوله على الطاقة ورفع العقوبات، هو حصوله على طابو عربي إسرائيلي ببقائه في السلطة دون أن يقدم سوى تنازلات شكلية، وبعد مماطلة وتسويف وافتعال مشكلات وعوائق، فهذا النظام المتخشّب لم يعتد أبدا على التنازل أمام شعبه ولم يسبق له أن تنازل عن أبسط الحقوق التي تعتبر بديهيات، وخصوصا بما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين، وهو سوف يلجأ للمماطلة والتفاوض باتجاه تمييع القضايا محل التفاوض ليكسب مزيدا من الزمن، و"يجبر" العرب من جديد على تقديم تنازل إضافي له، عبر مبادرة جديدة ربما يقدمون عليها مستقبلا.

روح الوثيقة الأردنية والدافع لها

تعتبر وثيقة التطبيع العربية مع سوريا أو "وثيقة الخطوة بخطوة" أن انسحاب القوات الأجنبية هو جزء أساسي من أهدافها إضافة لعودة اللاجئين والإفراج عن المعتقلين. لكن الملحق السري يكشف عن الأسباب التي دفعت بالأردن للسعي لدى أميركا أولا، وللتلاقي مع نهج الإمارات ثانيا لأجل إعادة النظام إلى الجامعة العربية أو لأجل التطبيع العربي معه، تلك الأسباب تتعلق حصرا بالأردن وإسرائيل.

بالنسبة للأردن هي أسباب اقتصادية واجتماعية وأمنية، وبالنسبة لإسرائيل فهي أسباب أمنية..

خروج القوات الأجنبية من سوريا مرتبط بالاتفاق الدولي على عالم جديد، فمستقبل روسيا مثلا مرتبط ببقاء قواتها ونفوذها في سوريا وهذا يعني أنها باقية إلى أمد غير معلوم، أما أميركا فبقاؤها في سوريا ربما يرتبط بصراعها مع الصين وما نتج عنه من انسحاب كبير من أفغانستان ومن بعض قواعدها في الخليج العربي، بالتالي فأميركا أوجدت في شرق سوريا قاعدة عسكرية بديلة أو إضافية..

ومصير إيران كذلك الأمر مرتبط ببقاء قواتها ونفوذها في سوريا..    كما في تحقيق تقدم في الملف النووي.

مصلحة الأردن وإسرائيل في التطبيع مع النظام

هناك دولتان فقط لهما مصلحة في إيجاد صيغة جديدة للتعامل مع النظام كما أسلفنا. أولى الدولتين هي الأردن والثانية إسرائيل، فالأردن صرح أكثر من مرة أن الكارثة السورية أضعفت اقتصاده فهي بلا بترول ولا غاز ولا ثروات معدنية، وتوقف تجارة الترانزيت عبر أراضيه أضرّه بشكل واضح، كما أن الجرح السوري المفتوح تسبب بعبور قوافل تجارة غير شرعية قوامها المخدرات والسلاح إضافة لتسرب مقاتلين إسلاميين راديكاليين.. إلخ، أما بالنسبة لإسرائيل فهي تخشى على حدودها الشمالية من الوجود الإيراني وهو ما يبدو واضحا في أكثر من عبارة وردت في الملحق السري لوثيقة التطبيع الأردني العربي مع نظام الأسد.

طرف ثالث هو أوروبا -بما فيها تركيا- قد يكون له مصلحة في تطبيق الوثيقة ولو جزئيا، خاصة فيما يتعلق تحديدا ببند عودة اللاجئين السوريين، وهو مطلب حيوي لكل من روسيا والنظام بما يعنيه من تربّح مالي على حساب اللاجئين، بحيث تصبح مسألة اللاجئين منفذا جديدا للنظام لفتح صفحة جديدة مع أوروبا.. وهو مع حليفه الروسي يضغطان بهذا الاتجاه على أوروبا بحشدهما لآلاف اللاجئين على حدود بولونيا.. والحقيقة فإن النظام ماض في تهجير ما تبقى من السوريين عبر فرضه حصار شامل على السوريين في كل المناحي والمستويات، وما قضية عودة اللاجئين إلا أسطوانة يستخدمها النظام كورقة سياسية وإعلامية، وهو يهدف من ورائها إلى إعادة من يشكلون خطرا عليه في الخارج أو تسليمهم له ليعتقلهم أو يقتلهم.

هل تطبق بنود الوثيقة وملحقها "السري"؟

استنادا إلى عبارات وردت في الملحق السري وتقرّ بأن الحل حينما يأتي كرد فعل، لا ينجح، فإن قضية التطبيع برمتها بنيت على إلحاح الأردن المتضرر اقتصاديا من الوضع السوري وعلى خوف إسرائيل من الوجود الإيراني في جنوب سوريا، وفي أحسن الأحوال على الرغبة في انتزاع النظام من الحضن الإيراني، والارتماء في الحضن الإسرائيلي كما فعلت الإمارات، تنفيذا لبروتوكولات "صفقة القرن".. ما يعني أن المبادرة العربية هذه لم تبن على أساس حل مأساة الشعب السوري التي تنحصر أسبابها بوجود هذا النظام وداعميه، بل هي -بالدول الداعمة لها- ربما كانت محاولة لبناء علاقة ما بين النظام وإسرائيل..

فرق كبير بين أن تقدم حلاً جذريا لمأساة إنسانية كمأساة الشعب السوري أو اليمني أو الفلسطيني ينهي هذه المآسي بإنهاء أسبابها، وبين أن تعمل لحل ترقيعي مؤقت ومرحلي يعالج ما يظهر على سطح هذا المآسي.

إنه مثل الفرق بين أن تأخذ حبة دواء تهدئ التهاب الجرح وبين أن تجري عملية تخيط بها الجرح فتمنع بذلك الالتهاب نهائيا.

والحقيقة أن أحداً في هذا العالم ليس مستعداً لعلاج الجرح السوري العميق لأن ليس من أحد له مصلحة في علاج جذري له.

سوريا اليوم هي أرض الحشد والتحشّد لجيوش دول تتصارع فيما بينها سياسيا واقتصاديا على حصص ومناطق نفوذ، والأحداث المتوالية تشي بتغييرات دراماتيكية في استراتيجيات إقليمية ودولية تنذر بتحولها إلى ساحة لمعركة كبرى، ربما يرسم ما بعدها مستقبل العالم.. ولا يبدو التطبيع العربي سوى محاولة لكسر أو تحريك المستنقع، على هامش سيناريو كبير يُعد للمنطقة ليس من ضمنه إيجاد حل عادل لقضية الشعب السوري المظلوم، وهي محاولة تبدو حالمة من جهة ويائسة من جهة ثانية، في وقت سجلت مواقف متضادة تجاهها من جناحين مختلفين في الدولة الأميركية، وبهذا تبدو محاولة التطبيع العربي كما لو أنها فقاعة إعلامية سياسية أقصى غايتها كسر الحاجز النفسي الذي ارتفع طوال عقد كامل ما بين النظام الأسدي والنظام العربي.. مع إمكانية تحقيق جزئي للمطالب الأردنية الإسرائيلية فقط.