التطبيع العربي مع الأسد

2023.04.16 | 06:00 دمشق

التطبيع العربي مع الأسد
+A
حجم الخط
-A

ربما كان متوقعا إلى درجة كبيرة موجة التطبيع العربي مع الأسد، ربما لعدة أسباب أهمها عدم فعالية وفشل الجامعة العربية في معالجة أي ملف داخلي وبالتالي تترك الأمور حتى تتعفن كما يقال وبعدها نختار أسوأ الخيارات، فالتطبيع مع الأسد لا يعني حلا للسيادة السورية ولا يعني حلا لملايين اللاجئين والمهجرين ولا يعني حلا لملايين النازحين داخل الحدود ويرفضون العودة إلى حضن الأسد.

والتطبيع مع الأسد لا يعني حلا للأزمة الاقتصادية والمالية التي أدخل الأسد فيها سوريا والسوريين، التطبيع مع الأسد تعني شيئا واحدا هو استمرار الأسد في الحكم مع دعم عربي لجرائمه وبالمناسبة لا أعتقد أن دولة عربية اليوم ربما باستثناء قطر تمانع عودة الأسد لأن كل الدول العربية تقريبا تتبنى نفس المقاربة في طريقة التعامل مع مجتمعها وشعوبها عبر الحكم بالقوة والقهر من أجل البقاء في الحكم ومضاعفة السنوات على الكرسي.

فربما لم يكن الموقف العربي فريداً، لكن ما يحزن هو متى تردى وضع القيم العربية فيما يتعلق بحقوق الإنسان لدرجة أنها تسمح لمجرم بحجم الأسد البقاء في الحكم بنفس الطريقة التي ارتكب جرائمه على مدى 12 سنة الماضية.

الحجة أن التطبيع مع الأسد يبعده عن إيران مجرد كذبة من الأفضل عدم ترديدها لأنها تخالف معطيات الواقع على الأرض تماماً

التطبيع العربي مع الأسد لا يضع شروطا من أي نوع فيما يتعلق بطريقة حكم الأسد أو حتى رهنه سوريا لإيران، حيث تعيث الميليشيات الإيرانية في كل الأراضي السورية وتسيطر على مناطق واسعة من المدن وتتحكم بها عبر الميليشيات المختلفة، فالحجة أن التطبيع مع الأسد يبعده عن إيران مجرد كذبة من الأفضل عدم ترديدها لأنها تخالف معطيات الواقع على الأرض تماماً.

أما الحجة الأخرى التي يتم ترديدها أنه يجب محاولة مقاربة أخرى للتطبيع مع الأسد من أجل حل القضية السورية، فهي أسوأ من الأولى لأن مشكلة سوريا الرئيسية هي الأسد ذاته واستمراره في الحكم تعميق لمشكلات سوريا ومشكلاتها على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكل يوم يبقى فيه في الحكم يعني مزيدا من الألم للسوريين ومزيدا من المعتقلين والمعذبين في سجونه ومعتقلاته السرية وغير السرية، إنه ببساطة حكم يقوم على الإبادة مع تلوينات طائفية تقوم على الحقد والإهانة لكل مخالف سياسيا أو طائفيا وما آلاف الصور في قيصر وغيرها من مثل مجزرة الكرامة إلا عينة بسيطة مما جرى ويجري يوميا بحق السوريين التي تقوم آلة الأسد في القتل والتعذيب بالتخلص منهم يوميا.

كان مؤلما لنا كسوريين أن نرى السجادة الحمراء تبسط للأسد مجددا في العواصم العربية حيث يتم الترحيب بمجرم وقاتل لمئات الألوف من السوريين المدنيين الأبرياء عبر البراميل المتفجرة أو السلاح الكيماوي أو التجويع عبر الحصار حتى الموت أو التعذيب داخل السجون وغيرها من طرق الموقت المختلفة التي ارتكبها الأسد بفخر ودون أي تردد، حيث لم تتم محاسبة شخص واحد على الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب  السوري الذي دفع وما زال يدفع ثمنا غاليا على ثورته وكرامته.

التطبيع مع الأسد مؤشر آخر على مدى التأخر والتدهور الحقوقي على المستوى العربي حيث يتم الترحيب بقاتل ومجرم من طبيعة الأسد

التطبيع مع الأسد لن يغير شيئا من المعاناة بحق السوريين على أرض الواقع ولن يغير شيئا من سجل الأسد الإجرامي على مدى العقود الماضية، لكنه يعني شيئا واجدا أن العالم العربي فاسد سياسيا وأخلاقيا في قيمه وطريقة حكمه وأن التطبيع مع الأسد مؤشر آخر على مدى التأخر والتدهور الحقوقي على المستوى العربي حيث يتم الترحيب بقاتل ومجرم من طبيعة الأسد.

لذلك يمكن القول اليوم إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتحملان مسؤولية مضاعفة من أجل منع إعادة تأهيل الأسد بل والضغط عربيا من أجل وقف هذه المهزلة، أميركا وأوروبا مشغولتان ربما بأوكرانيا، لكن حليفا رئيسياً لبوتين هو في سوريا ويجب منعه من الظهور بوصفه رئيسا لبلد حطمه ودمره ودمر معه السوريين وشردهم في كل بقاع الأرض.