الترحيل على مقام "تويتر"!

2022.05.02 | 06:06 دمشق

111-780x470.jpg
+A
حجم الخط
-A

ربما من فضائل بعض وسائل التواصل الاجتماعي أنها صارت تعطيك مؤشرات أكثر وضوحا لاتجاهات الرأي العام والأولويات التي تستحوذ على اهتمام جمهورها.

وإذا كان "تويتر" هو المساحة المفضّلة لرواد التواصل الاجتماعي الأتراك، وهو المساحة التي ينفث بعضهم سمومه فيها ضد اللاجئين السوريين ويشيطنهم ويجعل من وجودهم في تركيا سببا لكوارثها البشرية منها  والطبيعية، حتى ليخيّل للمتابع أنه إن وقع زلزال ما، في منطقة ما، في تركيا لا قدّر الله، فسيحيله بعضهم على وجود أربعة ملايين سوري فيها، فلربما يكون لثقل وزنهم دورٌ في تحرّك القشرة الأرضية وبالتالي التسبب في هذا الزلزال!  لكن مع ذلك يبقى لــ (تويتر) فضيلة بالنسبة للسوريين في تركيا يجب أن لا ننكرها وهي أنك ومن خلال ما ينشره إخوتنا (الأنصار) وما يصدر عنهم من (هاشتاغات) ربما تتمكن من بناء توقعات تتعلق بالقرارات والإجراءات التي غالبا ما ستتخذها دائرة الهجرة فيما يتعلق بأوضاع السوريين سواء لجهة وجوب إعادة تحديث البيانات وتثبيت العناوين أو لجهة أذون العمل أو ( زيارة العيد ) وما يترتب على ذلك من إجراءات غالبا ما يكون الترحيل في مقدمتها!!

فإن كانت هجمة التغريدات شرسة وتسلط الضوء على مثالب بعض السوريين أو على حالة الفقر التي وصل إليها قطاع من المجتمع بسبب التضخم وارتفاع الأسعار الذي سببه السوريون وليس الاقتصاد أو الأزمات العالمية! فعليك أن تتوقع قرارات جديدة يترتب على عدم تنفيذها ضمن زمن قياسي نشاطٌ محموم للدوريات الأمنية في الشوارع التي عادة ما يرتادها السوريون، يعقبها حملة ترحيل للمخالفين لتلك القرارات التي لم يسعفهم الوقت لإنفاذ موجباتها وتنفيذها!.. أما إذا حصلت إحدى التغريدات على إعجابات ومشاركات كثيرة وتحولت إلى (تريند) فعلى السوريين أن يقرؤوا ثلث القرآن قبل النزول إلى الشارع، وثلثه في الشارع والثلث الثالث في طريق العودة للبيت عسى أن يحميهم ويعمي الأبصار عنهم لكي لا يجد أحدهم نفسه وقد تسربلت يداه بالحزّامة البلاستيكية ورُمي في حافلة الترحيل الذي يأخذ نمط الرحلات السياحية حيث تتنقل الحافلة الملأى بالمغضوب عليهم بين عدة مراكز احتجاز وتجميع لتحط أخيرا على إحدى بوابات العبور إلى أرض (الوطن).. وهكذا يجد السوري نفسه وقد حطّ به الرحال في حديقة عامّة بإدلب أو اعزاز وقد ترك خلفه عائلة بلا معيل ومتجرا أو عملا اشتغل سنوات على تأسيسه أملا في استقرار أطاحت به بضع تغريدات و(تريند)!.

لنتذكر أيضا أن تلك الحملة لم تأت من فراغ بل سبقتها العديد من التصريحات التي تنضح بالكراهية والعنصرية صدرت عن أفواه معارضين للحكومة من ساسة وقادة أحزاب وفئات شعبوية

يمكن القول بإنصاف إن معاناة اللاجئين السوريين في تركيا بدأت عمليا أواخر عام 2019 مع إطلاق حملة واسعة النطاق لترحيل كل من هو مقيم في إسطنبول بشكل غير قانوني وكانت تلك الحملة تتم بطريقة اعتباطية وشابتها كثير من التجاوزات والمخالفات القانونية، حيث رحّل أناس خارج البلاد بينما يفرض القانون إعادتهم إلى ولاياتهم فحسب، بل ورحل أناس كانوا مقيمين في إسطنبول بشكل مشروع تماما، ما يؤشر لكمية من الغضب المكتوم لدى بعض عناصر البوليس الذين قاموا بتلك المهمة ورغبتهم الحقيقية في استئصال شأفة اللاجئين السوريين عموما وليس المخالفين فحسب! لكن لنتذكر أيضا أن تلك الحملة لم تأت من فراغ بل سبقتها العديد من التصريحات التي تنضح بالكراهية والعنصرية صدرت عن أفواه معارضين للحكومة من ساسة وقادة أحزاب وفئات شعبوية فجاءت حملة الترحيل مع الأسف كأنها استجابة حكومية ورضوخ لمطالب هؤلاء بهدف إعادة كسب الشارع الذي عبر عن مواقف رافضة لسياسات يعتقد أنها تحابي السوريين، من خلال انتخاب شخصيات معارضة لأهم بلديتين في تركيا هما بلديتا أنقرة وإسطنبول.

نشرت صحيفة (تركيا) المقربة من الحكومة تقريرا حول عزم الحكومة التركية إعادة مليون ونصف مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال مدة زمنية لا تتجاوز عشرين شهرا

ومع الأسف فإنه ومع كل ضائقة يعبّر فيها الناس عن الحنق من الوضع الاقتصادي الذي تأثر بفعل عوامل كثيرة ليس من بينها وجود السوريين - لأن وجود هؤلاء كان أسبق بسنوات من تلك الأزمات وبالتالي لا يصح ربطها بوجودهم – يطلق هؤلاء الحانقون تغريداتهم وهاشتاغاتهم وترنداتهم ضد اللاجئين وسرعان ما نرى قرارات وإجراءات حكومية تضيق أكثر على السوريين وتجعل حياتهم غير قابلة للوصول إلى عتبة الاستقرار، وهذا ما حصل مؤخرا عندما ألغيت بكبسة زر  واحدة عشرات الآلاف من بطاقات الحماية طلب من أصحابها تحديث بياناتهم وتثبيت عناوينهم! لكن ريثما يحصل ذلك لا بأس من ترحيل من كان حظه عاثرا ووجد نفسه مكبلا بأنشوطة بلاستيكية في حافلة الترحيل.. وهذا أيضا ما عبرت عنه القرارات المتسرعة والمتناقضة بشأن ما يسمى (زيارة العيد) والتي جاء إلغاؤها كاستجابة أيضا لخطاب زعيم حزب الحركة القومية الشريك في تحالف الجمهور الحاكم، والمتبرّم من السياسات المتبعة بشأن ملف اللاجئين.

عقب ذلك مباشرة نشرت صحيفة (تركيا) المقربة من الحكومة تقريرا حول عزم الحكومة التركية إعادة مليون ونصف مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال مدة زمنية لا تتجاوز عشرين شهرا، حيث أشار التقرير إلى وجود تفاهمات بين أنقرة وجهات أخرى حول هذا المشروع!

هذا المشروع حقيقة لم يأت فقط كاستجابة لحاجات وضرورات وضغوط الصراعات السياسية الداخلية ومسألة الانتخابات المقبلة التي تراها الحكومة انتخابات فاصلة وتحتاج فيها لتفكيك خطاب المعارضة وانتزاع ملف اللاجئين السوريين منها ولو على حساب اللاجئين أنفسهم، وإنما أيضا يأتي بتقديري ضمن سياق إعادة تموضع السياسة الخارجية التركية بكليتها وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع الدول العربية الفاعلة والتي تنحو باتجاه إعادة إدماج النظام السوري ضمن محيطه العربي والإقليمي تمهيدا لصفقة كبرى على الضفتين الإيرانية والإسرائيلية تأخذان بالاعتبار إعادة تعويم النظام على المستوى الدولي بعد تسوية دولية شكلية سيتم فرضها على السوريين.

مصيبة السوريين ليست فقط في أن مصائرهم واستقرارهم معلّق على إيقاع تغريدات إخوتنا (الأنصار) على "تويتر"..  وليست فقط في إكراه ملايين اللاجئين السوريين - في تركيا وغيرها في العديد من الدول - على عودة (طوعية) لبلدهم المحكوم بعصابات من شتى الألوان والانتماءات فحسب، وإنما أيضا في ما يتم الاشتغال عليه بدأب لطيّ كل الملفات التي تعوق تعويم العصابة الحاكمة ومن بينها بطبيعة الحال ملف اللاجئين.