التحول الاستراتيجي.. تركيا وإسرائيل صلة الشرق الأوسط بأوروبا

2022.10.23 | 06:51 دمشق

التحول الإستراتيجي.. تركيا واسرائيل صلة الشرق الأوسط بأوروبا
+A
حجم الخط
-A

عملياً، دخلت منطقة الشرق الأوسط ولا سيما العربية منها في عصر التطبيع. تطبيع لا يبدو أنه علنياً لكن مندرجاته ووقائعه كافية للدلالة عليه. لا يمكن اعتبار أن الصراع الروسي الأوكراني وحده هو الذي فرض مرتكزات هذا التطبيع بنتيجة الحاجة الماسة للطاقة في أوروبا. ما فرض هذه الوقائع الجديدة مسار طويل من التحولات الجيوسياسية بعد معارك وحروب واجتياحات خيضت. وتحت سقفها عناوين كثيرة رفعت أبرزها، التقاء المنظرين لتحالف الأقليات، وأي تنظير من هذا النوع غالباً ما يصب في الصالح الإسرائيلي العام، الذي تقوم رؤيته على التشتيت أو تصغير الكيانات أو عزل المكونات عن بعضها البعض.

لم تكن هذه الوقائع لتفرض لولا الاجتياح الأميركي للعراق، ومرافقته من قبل الإيرانيين أو المعارضين للنظام السابق الذين تقاطعت مصالحهم مع طهران ومع واشنطن. ولم يكن الأمر الواقع الذي أراد الإسرائيليون فرضه من خلال يهودية الدولة لو لم يحصل التهجير الممنهج الذي شهدته سوريا. ولا يمكن لهذا المسار أن يستكمل في تحويل إسرائيل إلى درّة تاج مشروع إنتاج النفط وتصديره من شرق البحر الأبيض المتوسط لو لم يكن لبنان في حالة انهيار وتفريغ وتجويف كامل لكل مقوماته ولكل قطاعاته الأساسية، من القطاع المصرفي إلى الصحي والتعليمي، وصولاً إلى تفجير مرفأ بيروت، ما أنهك هذا البلاد ودفعه إلى الارتماء في حضن شركة توتال الفرنسية للوصول إلى ترسيم الحدود بشروط إسرائيلية، وبتقديم تنازلات من غير المعروف مدى فداحتها حتّى الآن.

الشركة ستدفع ثمن الغاز اللبناني ليصبح ملكاً لها وهي تتولى تمريره في الأنابيب المشتركة مع إسرائيل ما يعني تطبيعاً مقنعاً

اتفاق الترسيم هذا لا يقف عند هذه الحدود، إنما يبقى السؤال الأساسي مرتبطاً بمرحلة مستقبلية تتعلق بالوصول إلى لحظة التصدير فكيف سيتم هذا التصدير، وعبر أي أنابيب أو طرق بحرية. المؤشرات تقول إن شركة توتال الفرنسية تشترط تصدير الغاز وفق برنامج مشروع تحالف دول شرق المتوسط، وهذا يعني أن الشركة ستدفع ثمن الغاز اللبناني ليصبح ملكاً لها وهي تتولى تمريره في الأنابيب المشتركة مع إسرائيل ما يعني تطبيعاً مقنعاً. هذا التطبيع معطوف على تجديد وتمديد اتفاقية الهدنة التي أقرت في العام 1949، ما يعني تكريس الاستقرار الذي ناشدته إسرائيل منذ سنوات وهذا أيضاً يصب في صالحها.

كل هذه التطورات، تبرر الصراع الشرس الذي خاضته فرنسا سابقاً ضد تركيا، والذي كانت انعكاساته المباشرة في البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً من خلال العلاقة الفرنسية اليونانية، والفرنسية القبرصية، إذ حاولت باريس تطويق أنقرة، لكن نجحت تركيا في الانقلاب عليه من خلال توقيع الاتفاق مع ليبيا، وتنجح أكثر من خلال تجديد إطار الدول التركمانية، ومن خلال التركيز على دور أذربيجان في تصدير الغاز إلى أوروبا أيضاً. وفي مرحلة ما بعد الصراع الروسي الأوكراني، نجحت تركيا في تحويل نفسها ملاذاً آمناً لأوكرانيا، وملجأً للغاز الروسي إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام عن تحويل تركيا إلى مركز كبير لتجميع الغاز في العالم، ما سيجعل أي جهة بحاجة إلى الغاز اللجوء إلى تركيا لشرائه منها خاصة أن أنقرة ستحظى حصرياً بالغاز الروسي.

هذه التطورات ستتيح لتل أبيب إلى جانب الحصول على الاستقرار، أن تكون لاعبة دور مؤثر أكبر في المنطقة

أمام هذا المشهد تتبلور صورة أساسية تقسم المشهد إلى قسمين طاقويين، القسم الأول عرابته وتتزعمه إسرائيل وهو تحالف دول شرق المتوسط الذي ستكون مهمته تصدير الغاز إلى أوروبا. والقسم الثاني تتقدمه تركيا أيضاً نظراً لدورها ما بين روسيا وأوكرانيا أو نظراً لحقول الغاز المكتشفة لديها بالإضافة إلى علاقتها مع الدول التركمانية والتي فيها مخزونات كبيرة من الغاز.

على الصعيد الإسرائيلي فإن هذه التطورات ستتيح لتل أبيب إلى جانب الحصول على الاستقرار، أن تكون لاعبة دور مؤثر أكبر في المنطقة، فيما تستقطب الكثير من الجهات إلى تحسين العلاقات معها. أما على الصعيد التركي فإن هذه التطورات أيضاً ستدفع أنقرة إلى توسيع هامش دورها ولعبها في الشرق الأوسط وفي أوروبا أيضاً.