التحوط الإستراتيجي الإماراتي من إيران إلى سوريا

2023.01.16 | 06:44 دمشق

التحوط الاستراتيجي الإماراتي من إيران إلى سوريا
+A
حجم الخط
-A

يواجه العديد من المتابعين صعوبات في تحليل السياسة الخارجية الإماراتية، ويرجع ذلك لكونها معقدة بعض الشيء ولعدم توفر المصادر المتنوعة التي تبحث وتناقش في أدواتها وثوابتها، ومتغيراتها. وقد شهدت السياسة الخارجية الإماراتية حركة نشطة خلال السنوات العشر الأخيرة في العديد من الدول إما عن طريق الدعم المالي أو الدعم العسكري، الأمر الذي خولها للعب دور كبير في بعض مناطق دول الشرق الأوسط. الدور الذي لعبته الإمارات لا يتناسب بتاتاً معها كونها تصنف كدولة صغيرة في النظام الدولي، ومن المحتمل أن ثراء دولة الإمارات وحالة الفوضى والفراغ الذي حدث في المنطقة قد ساعدها على أن يكون لها دور أكبر في المحيط الإقليمي خلال الفترة الحالية. وتصنف السياسة الخارجية الإماراتية تجاه إيران من أكثر الأمور تعقيداً، وفي سطور هذه المقالة أناقش بنظرة أكاديمية تطبيق الإمارات لنظرية التحوط الاستراتيجي تجاه إيران، وانعكاسها على علاقة الإمارات مع النظام السوري. في البداية لابد من شرح نظرية التحوط الإستراتيجي، وكيف طبقتها الإمارات تجاه إيران والذي امتد للنظام السوري كأحد أذرع إيران الرسمية.

التحوط الإستراتيجي

إن نظرية التحوّط الاستراتيجي هي تطبيق لسلوك معتدل وسطي، يقوم على التوازن الناعم والتوازن الصلب، حيث تتعاون الدولة "المتحوِّطة" مع مصدر تهديد أمنها (الدول المهدِّدة)، سعياً منها لتجنّب التهديدات أو الدخول في صراعات غير متكافئة. وفي الوقت نفسه، تعتمد الدولة المتحوِّطة على عناصر من التوازن الصلب في مواجهة الدول المهدِّدة، عن طريق تطوير قدراتها العسكرية والاقتصادية وزيادتها، والانخراط في تحالفات سياسية أو عسكرية مع القوى المنافِسة لدول مصدر التهديد. والعنصر الأساسي لفهم هذه الإستراتيجية المختلطة هو أن الدولة المتحوِّطة تحاول بالدرجة الأولى منع ظهور التهديدات التي تحول دون استقرار الدولة، ويكون ذلك من خلال الابتعاد عن أي مواجهة قد تجر الدولة المتحوطة للدخول في أزمات وحروب مع الدولة المتحوط منها. وفي الوقت نفسه تتبنى الدول المتحوطة سياسات خارجية تقوم على الدخول في تحالفات مع القوى المنافسة للدولة المتحوط منها. وقد تدخل الدولة المتحوطة في تعاون اقتصادي وسياسي واجتماعي مع الدولة المهددة، وهو نوع من المشاركة.

سياسة التحوط الإستراتيجي الإماراتية من إيران إلى سوريا

لن أخوض في هذه المقالة في أسباب تطبيق الإمارات لنظرية التحوط الإستراتيجي تجاه إيران، لكن سأناقش مباشرة كيف طبقت الإمارات التحوط الإستراتيجي تجاه إيران من خلال طرح ثلاثة أحداث: أولاً، برزت ملامح تطبيق الإمارات للتحوط بين عامي 1980 - 1990، لاسيما في فترة الحرب العراقية الإيرانية، فبعد أن أعلنت العراق عن هدفها الأساسي للحرب في وقف تصدير الثورة الإيرانية، وحماية الدول العربية وبمقدمتهم دول الخليج من التمدد الإيراني، وعلى إثره دعمت كل من السعودية والكويت وقطر العراق عسكرياً ومالياً في فترة الحرب، وكانت المفاجئة بالموقف الإماراتي الذي كان مغايراً لدول الخليج الأخرى فقد اتخذت أبو ظبي موقف الحياد من الحرب ولم تقدم أي دعم يذكر للعراق، وعبرت عن موقفها من الحرب عبر أمير البلاد السابق الشيخ زايد بن سلطان حين قال: "إن الحرب العراقية الإيرانية ستجر المنطقة إلى حافة الهاوية، وستزيد من النزاع في منطقة الخليج العربي".  كما أن الإمارات لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية حينها مع إيران. ويمكن أن نفسر قرار الإمارات بعدم دعم العراق كباقي دول الخليج العربي من منطق التحوط الإستراتيجي من إيران، ولو اتخذت الإمارات قرار الوقوف إلى جانب العراق لكان سيكلفها انهيار علاقاتها مع إيران وبالتالي سيؤدي إلى خسارة تجارتها مع إيران، وإلى تهديد أمنها الداخلي، وقد كان سيكلفها دعم العراق حينها الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، وهو ما تبتعد عنه الإمارات. ثانياً، في فترة تطبيق العقوبات الدولية على إيران التي بدأت عام 2005، والتي شملت فرض حظر على استيراد وتصدير السلع من وإلى إيران لاسيما موارد النفط والغاز، التزمت العديد من دول العالم بالعقوبات المفروضة على إيران لكن الإمارات لم تلتزم بتلك العقوبات بل استثمرت العقوبات لصالحها لتكون البوابة الوحيدة لإيران مع السوق الدولية. وتصنف إيران كثاني أكبر مستورد من الإمارات بعد الصين، بنسبة وصلت إلى 18٪ من مجموع وارداتها، ووفقًا لبيانات إدارة الجمارك الإيرانية (IRICA)، فقد بلغ إجمالي حجم التجارة غير النفطية السنوية بين إيران والإمارات 16.83 مليار دولار في عام 2021. وتصنف العلاقات الاقتصادية الإماراتية مع إيران من أبرز ملامح سياسات التحوط الإماراتية، فهي لم تلتزم بالعقوبات الدولية على إيران كي تتجنب استفزازها، وكنوع من المشاركة والتوازن الناعم الذي هو أحد أهم فرضيات نظرية التحوط الإستراتيجي. ثالثاً، اتخذت السعودية حليفة الإمارات الاستراتيجية في عام 2016 قراراً بإغلاق السفارة السعودية في طهران وإنهاء كل التعاملات الدبلوماسية مع إيران، لكن أبو ظبي لم تحذو حذو السعودية بل استمرت في علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إيران.

إذا ما ناقشنا علاقات الإمارات مع النظام السوري لوجدنا أن الإمارات أنهت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري في عام 2012 كغالبية دول العالم، وبحسب تقارير، قدمت أبو ظبي إلى جانب السعودية وقطر دعماً للمعارضة السورية، لكن المفارقة أن الإمارات لم تكن ضمن الفاعلين الرئيسيين للملف السوري، واحتضنت شخصيات مقربة جداً من النظام، ولم تتخذ سياسات صلبة تجاهه حتى عام 2018، حين أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام وقدمت له الدعم المالي بحسب العديد من التقارير العربية والأجنبية. وبعد توقف العمليات العسكرية بشكل كبير في سوريا ابتداءً من عام 2018، لم تتهاون الإمارات بالقيام بزيارات رسمية لدمشق، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل استقبلت بشار الأسد في أبو ظبي.

لا أعتقد أن هدف الإمارات من تطبيع علاقاتها مع النظام السوري هو إبعاده عن محور إيران واحتواؤه عربياً كما يشاع، فالكل يعلم مدى تمسك النظام السوري بإيران، بل الهدف التحوط من إيران، فأبو ظبي ترى أن أي استفزاز لمصالح إيران الخارجية سيعود عليها بالتهديدات التي تنال من أمنها القومي، وأقرب مثال على ذلك عندما هاجمت القوات الموالية للإمارات في اليمن جماعة الحوثي وردت إيران على ذلك بضرب بعض ناقلات النفط عند مدينة الفجيرة الإماراتية. بالنتيجة تطبيق الإمارات لنظرية التحوط الإستراتيجي تجاه إيران أبعدها عن أي مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع إيران، وتدرك الإمارات أن أي مواجهة مع إيران قد تهدد أمنها القومي، وتضعه أمام مخاطر قد تنهي حالة النمو التي تعيشها، لكن الإمارات تضمن أنها لن تذهب لممارسة سلوك قد يستفز إيران ومصالحها الداخلية والخارجية لا في سوريا ولا في مكان آخر.