البناء السياسي الشبابي ما بين الشد والجذب

2020.05.17 | 00:02 دمشق

advance_content_aalamyo_almal_ohry_alshaf_ma_kbl_2011_lys_kma_baadh_200505151640_b_all.jpg
+A
حجم الخط
-A

لماذا تفشل مشاريع البناء السياسي في الداخل السوري؟

قد يبدو سؤالاً غريباً وفضفاضاً بعض الشيء، غير أن طرحه في هذه المرحلة لازم وضروري، خاصة ونحن في مرحلة يتم العمل فيها على التغيير السياسي بشكل أكثر وضوحاً، ونجد المنظمات تتسابق لتقديم دورات الوعي والبناء السياسي لشباب الداخل السوري، وهم يعتقدون أن تلك الدورات هي مفتاح القضية، إضافة للدفع باتجاه تجمعات وتنظيمات سياسية، وأسماء غامضة وأخرى معروفة تبرز على السطح، الأمر الذي يطرح سؤالاً حول جدوى ذلك كله، وهل أثّرت الجهود في هذا المضمار بشكل إيجابي على الواقع السوري أم كان مصيرها الإخفاق؟

في نظرة تبتعد قليلاً عن الداخل السوري، وفي تأمل للمشاريع السياسية التي تشكلت منذ بداية الثورة، نجد انتقادات عديدة وواسعة لمستوى الأداء العام، سواء في الشكل أو بالأحرى "التشكّل" أو في المضمون، ومدى الإنجازات التي قُدمت للثورة من خلالها، وماذا أضافت للواقع السوري، وكيف خففت بعض العناء عن السوريين، وإنه من المخجل طرح سؤال محوري؛ فيما إن كانت تتواصل أساساً مع الداخل السوري، وتنبع مواقفها وقراراتها ومشاريعها من الاحتياجات وهل تراها تصب في أهداف الثورة، أم تحيد عن الهدف؟ وتتحول إلى مقاعد محجوزة إلى أجل غير مسمى، تمتلئ بشعارات وأوهام تُباع بكثرة كلما اشتدت الأزمات، وتراها شبه مختفية في الأحوال العادية، يُستثنى منها جهود شبه فردية، غير واضحة المعالم، كما أنها ضعيفة في الحضور، ضعيفة في التسويق لنفسها، وكذلك في إحراز مكاسب للثورة وأهلها.

وفي نظرة أقرب للواقع في الشمال السوري، نجد للأسف أن المنظمات الأجنبية هي التي تطرح مسألة البناء السياسي للشباب، وتفرض عناوينها الخاصة من واقع تفترضه، أو استبيانات تقوم بالعمل عليها، لتتصدر الدورات السياسية ومشتقاتها، كوجبة غير خفيفة، كما أنها غير مغذية، لكونها تُقدَّم على عجل، وهدفها تسجيل نقاط لصالح المنظمات، بغض النظر عن المخرجات والنتائج.

يغدو الإنسان السوري في الشمال المحرر محاصراً بدائرة مسؤوليات والتزامات لا يستطيع معها أن يستعيد ذاته، ولا أن يستكمل بناءه السياسي، فقد طبَّق معاني المشاركة السياسية ببطولة قلَّ مثيلها، لكنه لم يحصل على العلم السياسي الأكاديمي الذي يوسع إدراكه، ويؤطّر تجربته في أطر تزيدها متانة وصلابة وتنتقل بها إلى مراحل أخرى، لذلك نجد هناك حالة من الركود والتوقف عند نقاط محددة، وكأنها دوائر تتكرر وتحيط بشباب الثورة، لكنها عاجزة عن فتح بوابات ليعبروا من خلالها ويتابعوا ثورتهم بحضورٍ أقوى، والأمر ذاته ينطبق على غالبية الشباب السوري خارج سوريا، فلا يكمل في مجال الوعي السياسي إلا مكافح نذر حياته للقضية.

وعلى الرغم من هشاشة ما يقدم للشباب في الداخل والخارج السوري في هذا المجال، فإنه لا يمكن إغفال وجود نماذج مشرّفة تعمل بجد للخروج من منظومة الركود الثوري، والتحول مجدداً إلى حالة الفاعلية والتغيير، هذه الجهود هي نتاج واقع منهك ومتعطش لإيجاد حلول ومخرج، وهي ثمرة حرص وطني وصادق من شباب الثورة ورجالها ونسائها المخلصين الذين ما زالت الثورة هاجسهم، وتحقيق أهدافها مطلبهم الذي لا يحيدون عنه، فمن اللافت للنظر الإقبال الكبير على فكرة التجمّعات والتنظيمات، والنفور من فكرة الشرذمة والتّفرّق، والرغبة الحقيقية في إعادة روح الثورة الأولى، والمتابعة ولكن مع ترسيخ فكرة البناء العلمي والتنظيمي، وترسيخ جو من الحرية والكرامة، والابتعاد عن أية قيود دكتاتورية مهما كانت مصغّرة، هناك مبادرات فاعلة لإعادة الوعي السياسي وجعله واقعاً ملموساً، في حراك همّه التخلص من شوائب تراجعت بالثورة إلى الخلف.

ويبقى الواقع السوري ميدان معركة تتصارع فيه القوى والأفكار والتوجهات، ولكل أهدافه ومصالحه وتوجهاته، ويبقى معه الإنسان السوري الحر متمسكاً بثوابته، بمبادئ كرامة لا يتنازل عنها، وهو محمّل بهواجس التغيير وآلياته، طاقة حرَّة لا تنضب، تستمر حتى النصر وتحقيق المطالب.