البطل جاكي شان: الفرار من الشام

2022.07.30 | 06:27 دمشق

البطل جاكي شان: الفرار من الشام
+A
حجم الخط
-A

ظهر سينمائي سوري في أحد تلفزيونات النظام وجعل يباهي بالأنقاض السورية والخرائب الحربية، التي جذبت المنتجين السينمائيين من الصين البعيدة، فهو مثل طلائع البعث يعرف واجبه السياسي في الثناء على النظام وأعمال النظام. وكاد أن يقول: هذه من إنجازات الحركة التصحيحية، أو قالها رمزًا، فلله دره.

ورأيت مخرجًا سوريًا معروفًا قبل عقدين يدعو إلى تطوير السياحة السورية، وجعل يذكر فضائل سوريا التي حباها الله بها من طبيعة خلابة تجمع الغابة والبادية، واليابس والماء، وإن ثروة سوريا الاقتصادية هي في السياحة، وتضم آثار حضارة عريقة، ويستطيع الآن أن يضيف: وفيها أجمل الأنقاض وأروع صور الدمار، وكأن رسامًا رسمها بريشة البرميل وألوان البارود. لقد تفوقت سوريا قبل فترة في الدراما، وحظيت بفضل الرئيس بأفضل أمكنة تصوير دمارًا لن يجدها الباحث عن الأنقاض والأوابد في فيتنام ولا أفغانستان ولا اليابان.

مذيعو النظام معروفون بقدراتهم اللفظية وحيلهم في رش السكّر على الموت. وللتلفزيون السوري سوابق فاضحة مثل لقاء مذيعة الكيماوي الشهيرة التي عملت لقاء تلفزيونيًا مع سيدة تحتضر

جذب دمار سوريا أحد نجوم السينما العالمية، ليس ليرثيها وينجد أهلها، وإنما لتصوير فيلم صيني، جاكي شان، وهو نجم معروف في هوليود، وله نحو مئتي فيلم من أفلام الحركة الكوميدية، وهو نجم يمثل ويغني وينتج، وقد فضّل سوريا على اليمن التي تدور فيها أحداث قصته، وتصوّر إجلاء صينين من اليمن، واليمن ما تزال منكوبة بالصراع الذي لم يحسم بين الأطراف المتصارعة.

يمكن أن يزعم محلل سياسي من طلائع البعث الكبار في السنّ أن التصوير وحّد بين اليمن وسوريا، إشارة ورمزًا، ومذيعو النظام معروفون بقدراتهم اللفظية وحيلهم في رش السكّر على الموت. وللتلفزيون السوري سوابق فاضحة مثل لقاء مذيعة الكيماوي الشهيرة التي عملت لقاء تلفزيونيًا مع سيدة تحتضر، ومذيعة المطر  وغيرهما كثير، ويمكن أن نذكر مديح البطاطا كثيرًا على التلفزيون إبان ارتفاع سعر اللحم قبل الثورة، ثم مدح  الجفت، والجفت هو بقايا عصير ثمر الزيتون، في التدفئة إبان شحّ الوقود وارتفاع سعره، وأثنوا على فضائل طوابير الانتظار على الوقود والخبز، فيمكن بحسب تحليلاتهم السياسية التي يبثونها لتصبير قومهم، قراءة روايات مثل "الفرسان الثلاثة" و"سكارا موش"، و"تحت ظلال الزيزفون"، و"المخاتير" على أبواب الأفران وكازيات الوقود، ويزيد الانتظار من التعارف والتوادّ، ويقضي المنتظر وقته في الاستزادة من المعرفة والمتعة والاستجمام  في انتظار الجرّة السحرية.

اسم فيلم جاكي شان هو "هوم ابرين" وترجمته هي: عملية إجلاء، والصين التي يبلغ سكانها خمس سكان العالم تثور لمواطنيها وتغار عليهم وتحرص على كرامتهم وحيواتهم، وقد فعلت الهند كذلك، ولها فيلم شهير في إجلاء مواطنيها من الكويت إبان الغزو العراقي للكويت، لكن لم يقع في التاريخ أن أجلى النظام السوري أحدًا من مواطنيه من لبنان أو العراق، وقد نُكبتا بالحروب، لكنه والحق يقال أجلى مواطنين سوريين من بيوتهم إلى إدلب بشفاعات من روسيا والأمم المتحدة من حمص والغوطة، بعد مقايضات بالأرواح والأراضي، فنجا من بقي منهم من الإبادة، حتى تخلو للرئيس الأنقاض والخرائب، ويؤجرها كمناطق تصوير سينمائية، فالتاجر الشاطر يتاجر بكل شيء.

وقد تحدّث رئيس النظام عن التجانس والجراثيم في خطاب مبكر، وهتفت زوجته: وين كنا ووين صرنا. كانت تقصد أنها كانت على وشك الهروب من سوريا لولا تدخل الصين وروسيا وإيران لإغاثتها في هوم أوبرين في مجلس الأمن الدولي.

يستطيع المحلل السياسي السوري أن يزعم أن تصوير الفيلم الصيني تطبيع فنّي مع النظام، ودخول إلى الساحة الدولية من باب السينما، وكان مخرجون سوريون قد سبقوا جاكي شان في الاستفادة من الأنقاض والخرائب، التي لا تزال تحتها بعض جثث سكانها، في التصوير السينمائي، مثل مصور الفانتازيا التاريخية نجدت أنزور وباسل الخطيب وجود سعيد.

نذكر أن إسرائيل عرضت على حافظ الأسد مبالغ كبيرة لإعادة بناء القنيطرة بعد حرب تشرين، وكانت قد هدمتها قبل أن تجلو عنها، لكن الملهم حافظ الأسد بحكمته التاريخية، وحرصه على أمن إسرائيل، قال: ستبقى مدمرة إلى الأبد، (ومحرّمة على الشعب السوري وعلى سكانها أيضًا) كي تظل نصبًا تذكاريًا لوحشية العدو، لكن من غير ثأر وانتقام، فالسلام الشامل والعادل خيار استراتيجي، فلمَ الأنقاض إذًا؟

من أغرب الشعارات السورية التي رأيناها في لبنان بعد القصف الإسرائيلي: "إسرائيل تدمر وسوريا تعمر" وكان الأسد الابن قد أرسل أطنانًا من الإسمنت لتعمير ما دمرته إسرائيل

يخالف الابن الوريث أبيه في نظرية النصب التذكاري لوحشية العدو، ذلك لأن الدمار حصل بيده، وهو كبير، ويمتد من أقصى سوريا إلى أدناها، وهو يصارع من أجل إعادة إعمار سوريا التي دمرها "الإرهابيون"، فلمَ لا يقتدي بوالده ويترك الأنقاض والمخربات شاهدًا على وحشية الإرهابيين.

من أغرب الشعارات السورية التي رأيناها في لبنان بعد القصف الإسرائيلي: "إسرائيل تدمر وسوريا تعمر" وكان الأسد الابن قد أرسل أطنانًا من الإسمنت لتعمير ما دمرته إسرائيل، قد يقول قائل: إن الشعارات تُعنى بالسجع والقافية، لكن الشعار ذلك كان يعارض شعارًا آخر هو المقاومة والممانعة، لكن شعاره في الجنوب كان يجلي ما في النفس أيضًا، وهي أن سوريا لن تحارب إسرائيل، هي ستستر عورتها، والقنيطرة غير الجنوب.

لن يأتي جاكي شان إلى سوريا لتعليم السوريين فن القتال من أجل الحصول على الخبز والغاز، فهو منتج، ولن يزور سوريا لأن أسلوب القتال الذي اشتهر به جاكي في السينما هو "أسلوب السكران" هو أسلوب الأسد، لن يجرؤ على الدخول إلى سوريا لمعاينة مكان التصوير واتخاذ صورة تذكارية، فلن تحميه قوة في الأرض من بطش شبيحة الأسد، فلهم حصانة أممية، وإلا ما بقي الأسد في السلطة، وقد سقطت حكومات باكستان وسيرلانكا، وتوشك حكومات الأرجنتين والبرازيل على السقوط، في شأن أقل من الحرب الأهلية، والأسد في حرزٍ ووقاية، إنه لذو حظ عظيم.