البحث عن سعدي يوسف في الوعي السوري

2021.06.15 | 06:18 دمشق

49af6ef7-c39f-4907-84db-c6d28c4071aa.jpg
+A
حجم الخط
-A

اختار عدد من السوريين التركيز على موقف سعدي يوسف من النظام، ووصْفه لاجئين تقطعت بهم السبل في الجزائر بـ"الإرهابيين". والاختيار هذا إذ يغفل تركيبة معقدة للشاعر العراقي الذي توفي قبل يومين، ويكتفي بأحد مستوياتها يغفل كذلك أن يوسف تحديداً في السياسة هو امتداد لعالم الممانعة، حيث للسوريين حصة لا بأس بها.

اليسارية الكلاسيكية والنظر للسياسة من زاوية الإيديولوجية والرفضية اتجاه الغرب، سمات بقدر ما تفسّر موقف يوسف مما حصل في سوريا، تتمدد إلى آليات تفكير  كثير من المعارضين السوريين. اختلاف الشاعر العراقي بالموقف عن هؤلاء أو بعضهم لا يعني أنهم لا يشتركون معه في بنية فكرية واحدة. الموقف رغم أهميته وما يترتب عليه من مسؤوليات أخلاقية، هو أقرب للنتيجة التي تتفاوت بفعل فهم الظروف وتفسيرها، لكن البنية المتمثلة باليسار الكلاسيكي الخالي من السياسة والمعادي للغرب، هي الأساس.

كلام يوسف عن سوريا تحصيل حاصل لموقفه من التدخل الأميركي في بلده

الموقف المركزي ليوسف في السياسة ليس سوريا، وإنما التدخل الأميركي في العراق، معظم كتاباته حول بلده كانت تنطلق من انتقاد هذا التدخل، دون التنبه لعدم وجود عوامل داخلية تستفيد منه، كما حصل في كثير من الدول، لبناء بلد وتصفية إرث الاستبداد. سعدي اختار أن يتعامل مع التدخل الخارجي باعتباره شراً مطلقاً، وبنى على ذلك معظم مواقفه السياسية، في حين كان بالإمكان تركيب موقف متوازن، يستفيد من التدخل لصالح التغيير وبناء بديل يكون للعراقيين الحصة الأكبر في صنعه، مع ضمان الخروج الأميركي ضمن فترة محددة. صحيح أن هذا، يبدو نظريا، تبعاً للتعقيدات الطائفية والإثنية في المجتمع العراقي وأجندات دول الجوار آنذاك، ولكنه أفضل من الموقف الراديكالي والرفضي والعدمي الذي تمسك به يوسف، وبات مفرخة لمواقف أخرى ضد الربيع العربي.

الأرجح أن كلام يوسف عن سوريا تحصيل حاصل لموقفه من التدخل الأميركي في بلده، وهو الموقف الذي شابهه فيه  كثير من المعارضين السوريين، الذي توافدوا لبغداد عام2003 لـ"الوقوف بجانب العراق"، وهو ما جيّره صدام حسين آنذاك لصالح نظامه الدكتاتوري. 

بمعنى آخر، سعدي يوسف السياسي، حاضر في جزء من الوعي المعارض السوري، وانتقاد موقفه من دون مراجعة سيكون وقوعا في فخ الشاعر الراحل، حيث العمل بالآليات نفسها مع استبدال الخصم. فبدل انتقاد "الغزو الأميركي"، بشكل أحادي إيديولوجي عند يوسف وما ترتب عنه من مواقف ملحقة، جعل عدد من المعارضين السوريين معيارهم تأييد الثورة بوصفها حالة طوباوية منزهة عن الشرط التاريخي وتحولاته. ورفع المعيار فوق تعقيدات الواقع بدل إدخاله في معادلة المكاسب والخسائر، يؤدي على الأرجح إلى تناقضات في التعامل مع المواقف. إذ إن شخصيات تحولت إلى "أيقونات" في الوعي المعارض يمكن أن نلحظ في سيرتها خلال الثورة، تأييدا لـ"النصرة" ولتنظيم "الدولة الإسلامية". والتنظيمان فتكا، كما هو معروف، بمجتمعات محلية بقسوة وعنف.

نقد موقف سعدي يوسف ضروري وواجب، لكن من الأفضل أن يتوازى مع نقد للوعي السوري المعارض أو جزء منه على الأقل

وعليه، ما دفع يوسف لرفض تأييد الثورة، قد يكون هو نفسه، ما دفع كثيرا من المعارضين لتأييد الثورة ومركزية نقد التدخل الأميركي في العراق، استبدلت بمركزية تنزيه الثورة عن شرطها التاريخي. في الحالتين ثمة نقص في السياسة، والتعامل مع التغيير بوصفه أمنيات بدل أن يكون ديناميكيات والأهم ثمة تناقض في لوم أصحاب المواقف، تبعاً لانحيازات من هذه المركزية أو تلك، وليس رفضا حاسما للقتل والعنف.

نقد موقف سعدي يوسف ضروري وواجب، لكن من الأفضل أن يتوازى مع نقد للوعي السوري المعارض أو جزء منه على الأقل، حيث الممانعة بنسختها اليسارية الكلاسيكية الرفضية للغرب ما زالت تحفر عميقاً.