الانسحاب الأميركي والإرباك الإيراني الروسي

2021.07.15 | 04:31 دمشق

70eb9888-dcda-49ac-814f-840398f97ce0_16x9_1200x676.jpg
+A
حجم الخط
-A

إذا ما لجأنا إلى استخدام آلية الخطابة الإيرانية في مقاربة عملية انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الشرق الأوسط، نكون أمام خلاصة جملة واحدة ينطق بها الإيرانيون وهي أن المشروع الأميركي في الشرق الأوسط قد فشل، وأصيبت الولايات المتحدة بهزيمة نكراء دفعتها إلى الانسحاب لتجرّ أذيال الخيبة وراءها. لكن هذا المنطق نفسه سينطبق على الإيرانيين أنفسهم بعد سنوات من الآن. ولكن بعيداً عن لسانيات الخطاب الإيراني، فإن الدخول الأميركي العسكري إلى المنطقة كانت له أهداف وغايات تقاطعت استراتيجياً مع مشاريع استراتيجية أو تفصيلية إيرانية أيضاً من الدخول إلى أفغانستان والعراق، وربطاً بكل التداعيات التي شهدتها المنطقة بعد الدخول في حقبة مواجهة الإرهاب. ينسحب الأميركيون للعودة إلى الداخل وفي نظرهم أن مشروعهم قد أدى نتائجه ولا حاجة للمزيد من الاستنزاف والبقاء. في الانسحاب الأميركي لن يكون هناك أي انتصار لإيران إنما مزيد من الإرباك لها ولداخلها كما لروسيا خصوصاً من تداعيات الانسحاب من أفغانستان. 

ينسحب الأميركيون للعودة إلى الداخل وفي نظرهم أن مشروعهم قد أدى نتائجه ولا حاجة لمزيد من الاستنزاف والبقاء

تبقى الفكرة الأساسية أن لا شيء مستعجل بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، بل هي تفضل تأجيل معظم الملفات بما أن الاستنزاف سينقلب على روسيا وإيران وغيرهما وفي النهاية ستلجأ الدولتان إلى طلب عقد التسوية مع واشنطن. أكثر ما يؤشر على هذا المسار هو التنسيق حول المعابر في سوريا بين الأميركيين والروس وخصوصاً حول معبر باب الهوى بين شمال سوريا وتركيا، من شأنه أن يؤسس لأي اتفاق في المرحلة المقبلة. ليس تفصيلاً أن تتقدم أميركا وروسيا بمقترح مشترك إلى مجلس الأمن الدولي، فهذا يؤشر إلى أن أي حل في سوريا لا يمكن أن يكون إلا بناء على اتفاق بين الطرفين. ولا يمكن لروسيا أن تفوز بأي ثمار من دون موافقة الأميركيين. وهنا يتوقف الأمر على وضع الإيراني في سوريا الذي يصر على مزيد من التقدم والتوغل والاستثمار. منطقياً أي حل في سوريا يحتاج إلى كسر عزيمة الإيراني وإجباره على التراجع والتنازل، لكن ذلك غير متاح حالياً. 

أي انسحاب أميركي من العراق وفق بعض الأفكار المتداولة داخل الإدارة الأميركية، فإن ذلك سيؤدي إلى إرباك كبير في صفوف الإيرانيين. صحيح أن طهران حينذاك ستخرج لتعلن أنها حققت ما تريد وأخرجت القوات الأميركية من العراق نظرياً أو في إطار لعبة البروباغاندا والتعبئة الإعلامية التي تبرع بها طهران وحلفاؤها، أما النتائج السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية على إيران ستكون في غاية السلبية والخطورة. 

لن تكون إيران قادرة على تقديم أي مقاربة جدية للمشكلات التي ستجتاح العراق، سيكون النموذج اللبناني هو الأمثل الماثل أمامهم، السيطرة على كل المقدرات والقرارات السياسية من دون القدرة على تقديم أي حلّ، ما يعني أن ذلك سيضعهم أمام مواجهة حقيقية تثبت فشل المشروع، أو أن خيارهم سيكون الذهاب إلى تسويات متعددة ومتفرقة في محاولة متقطعة للخروج من الأزمات. إيران لا يقوم مشروعها إلا على الاستثمار بالحروب العسكرية، ولكن بخروج الأميركيين وانتهاء تنظيم داعش لن يكون هناك أي مجال للدخول في معركة عسكرية مع أي طرف. حينذاك ستحتاج إيران إلى أي تسوية تحفظ ماء الوجه وتدعي من خلالها أنها انتصرت، بالرغم من تقديم تنازلات والتراجع الجوهري. 

لن تكون إيران قادرة على تقديم أي مقاربة جدية للمشكلات التي ستجتاح العراق، سيكون النموذج اللبناني هو الأمثل الماثل أمامهم

لا يمكن إغفال الاستراتيجية الأميركية، وهي أن لإيران مشروعا تدميريا في المنطقة وها هو قد أنجز في الدول التي سيطرت عليها طهران، من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن، من دون أي قدرة على تقديم الحلول أو مشاريع التطوير والإنماء، ما سيفرض على طهران الذهاب إلى أي تسوية يقول من خلالها إنه أصبح شريكاً في صنع القرار. لا قدرة لإيران في الاستمرار والتعايش مع هذا التدمير الممنهج، في النهاية وإذا ما اعتبرت أنها حققت انتصاراً معنوياً أو على الأرض، فلا بد من تقريشه سياسياً واقتصادياً وهو غير متوفر لها. إنما سترث دولاً ومجتمعات منهارة بكامل مقوماتها منعدمة توفر أدنى مقومات العيش من الغذاء إلى الدواء والكهرباء. 

ستكون إيران بأمس الحاجة للوصول إلى تسوية معينة، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الروس في سوريا، إذ يستجدون واشنطن على إبرام اتفاق شامل، في حين واشنطن لا تبدو مهتمة وستبقي كل القوى في مواجهة الانهيارات أو حالات التضعضع. وفي ظل هذه المعادلة فإن المقاربة الإيرانية للملفات الإقليمية ستنقلب رأساً على عقب، ففي حين تصر واشنطن وبعض الدول الحليفة لها على ضرورة البحث في النفوذ الإقليمي لإيران الأمر الذي ترفضه طهران وتتمسك بالتفاوض على البرنامج النووي من الناحية التقنية فقط، فإن ذلك سيتغير فيما بعد وسيصبح البحث عن تسوية إقليمية لترتيب الأوضاع داخل الدول التي تدّعي إيران السيطرة عليها هو مطلب إيراني بالدرجة الأولى، وهذا ما ستكون أول تجلياته حقيقة الوضع ومسار التطورات في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي.