الانتماء السوري وخطاب المجتمعات المضيفة

2021.11.01 | 06:19 دمشق

123123123123123123123_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

يحق للسوريين بكافة أطيافهم ومكوناتهم وانتماءاتهم في أي مكان يوجدون فيه، أن يعتزوا بهويتهم وانتمائهم السوري، والدفاع عن حقوقهم في مختلف البلدان التي يقيمون ويعيشون بها، ويحق لهم التضامن مع بعضهم البعض من أجل مزيد من التعاضد والألفة التي حرمهم من أبسطها نظام حكم البلاد بالحديد والنار منذ عقود، ويحق لكل سوري الحفاظ على هويته في المجتمع الذي يقيم به بما يتناسب مع عادات وتقاليد ذلك المجتمع، والبحث عن الصيغ المناسبة للحفاظ على الهوية، وتأمين نوع ما من الاندماج مع المجتمع.

وتلقي حادثة "أكل الموز" السابقة الضوء على كثير من النقاط التي تهم الانتماء السوري وضرورة الحفاظ عليه من جهة، والبحث عن آليات وأدوات تؤدي إلى تعزيز هذا التعاضد على شكل وسائل للاندماج وتحويل أي أزمة أو مشكلة إلى حالة إيجابية من جهة ثانية، وبالنتيجة تؤدي إلى الهدف المنشود وهو أمان وسلامة جميع السوريين في المجتمعات التي يقيمون بها، وتعزيز جسور التواصل عبر وسائل ذكية تخاطب وتواجه أي تعصب يمكن أن يحصل في تلك المجتمعات، والهدف النهائي هو منع أي حالات فردية تؤدي إلى التأثير على الجميع، من دون أن تكون حدود الحرية الممنوحة في تلك الدول، وحدود التعاون والتعاضد تتجاوز خطوطا حمراء تتعلق بقيم ورموز ومعتقدات قومية ودينية لتلك المجتمعات المستضيفة لكي لا ينقلب السحر على الساحر.

لو أساء أي مواطن تركي للرموز التركية القومية والدينية مهما كان انتماؤه وأيا كانت مكانته، فإنه يعاقب وفق القانون

حملة "الموز" التي بدأت بشكل ودي ولطيف في تركيا وتخللتها بعض الطرائف، كانت تعكس حالة إيجابية لدى السوريين، وكان يمكن نقلها إلى الجانب التركي بطريقة لطيفة ودية إيجابية بخطاب صحيح سليم هادف، قبل أن تتطور إلى التطاول على رموز تركية مقدسة كالعلم التركي، أثارت حفيظة الأتراك مما أدى إلى شن عدد كبير من المفكرين والكتاب حملة على السوريين، وجرى تعميم هذه الحوادث الفردية على جميع السوريين، ما أدى إلى تدخل دائرة الهجرة وإعلانها عن تحقيقات وتوقيفات وترحيلات بحق سوريين أساؤوا للبلاد، ومع أن أخبار الترحيل غير سارة للسوريين إلا أنه من هنا تحديدا تكمن أهمية الخطاب الذكي الذي يناسب كل مجتمع، مستفيدين من هامش الحرية المسموح به والموجود خاصة في تركيا، فلو أساء أي مواطن تركي للرموز التركية القومية والدينية مهما كان انتماؤه وأيا كانت مكانته، فإنه يعاقب وفق القانون، لأن الحرية في الرأي لا تعني تجاوز الحدود والإساءة للمعتقدات والشواهد والأمثلة عديدة وقبل أشهر فقط اعتقلت إيرانية عملت على إنزال العلم التركي في مدينة إسطنبول وكذلك اعتقال مواطن تركي عمل على إنزال العلم في محافظات أخرى.

ومن المؤكد أن تركيا تشهد حالة غير طبيعية تجاه السوريين بسبب الحملات الانتخابية التي انطلقت مبكرا واستغلال ورقة السوريين من قبل الأحزاب السياسية وخاصة المعارضة، وربط الحالة الاقتصادية بهم في ظل قلة وسائل الدفاع عن السوريين لقلة الأدوات التي بين أيديهم، واقتصارها على بعض وسائل الإعلام التي تتطرق مرات قليلة للحدث السوري، ومع انعكاس الخطاب السياسي على الشعب الذي يرغب بترحيل مآسيه إلى الغير وإلقاء اللوم عليهم، يجد في السوريين متنفسا لإلقاء اللوم عليهم، ومن الطبيعي أن تستغل جهات هدفها الإساءة للتعايش السوري والتركي هذه الحوادث من أجل ضخ خطاب الكراهية فيما بينهم وإشعال نار الفتن، ومن غير المستغرب أن يكون هؤلاء ممن يقيمون في خارج تركيا سواء من السوريين أو الأتراك، وأمام هذه الحقيقة كيف يمكن للسوريين أن يوظفوا أي حالة من التعاضد والتضامن فيما بينهم لتحقيق مكاسب تظهر أحقية ما يذهبون إليه، وتكشف خلفية ما جرى في سوريا، وتقلب الأكاذيب والشائعات إلى حقائق تبرئ ساحة السوريين من الاتهامات التي تكال بحقهم.

وسبق أن تم تناول هذه الأمور عدة مرات عبر هذا المقام أيضا، وهو إيجاد أدوات مناسبة لخطاب الرأي العام في المجتمعات المضيفة، وخاصة في تركيا التي يوجد فيها أكبر عدد من السوريين، ومخطئ من يعتقد أنه لا يمكن أن تكون هناك أدوات يمكن اللجوء إليها، ولعل أبرز تلك الأدوات هي تعلم اللغة التركية وخطاب المجتمع التركي بشكل مباشر، وهي مسؤولية تقع على عاتق كل سوري، خطاب الأتراك وفق منطق تفكيرهم عبر لغتهم، وسرد الحقائق، فكثير من السوريين سعدوا عند رؤية سوريين آخرين يردون على مزاعم سردت بحقهم باللغة التركية عبر لقاءات سريعة في الشوارع، ومن هنا فإن معرفة اللغة التركية هي بداية الطريق لتحمل كل سوري مسؤوليته في نشر المعلومات والحقائق عبر جهوده الفردية.

ومن الطبيعي أن تكون للمنصات السورية بمختلف صفاتها، مؤسسات، منظمات، جمعيات، كتل سياسية، تجمعات معارضة، اتحادات، نقابات، وسائل إعلام، مراكز أبحاث ودراسات، وهي موجودة بكثرة في تركيا، يجب عليها جميعا أن تتحمل مسؤولياتها كل بدورها ومكانتها ومقامها، وألا تكتفي بمخاطبة السوريين وحدهم، بل عليهم تفعيل منصاتهم باللغة التركية أيضا لإنتاج محتوى إعلامي أو فيديوهات، أو نصوص، أو منشورات، أو مقالات، أو أي محتوى هادف باللغة التركية، يعمل على نشر الحقائق، وكشف الأمور غير المعلومة لدى الأتراك، وتزيد تلك النصوص والمحتويات من معرفتهم، وتوضيح الحقائق بوسائل ذكية مختلفة ومتنوعة تسمح بحصول تأثير لها، ويمكن الاعتماد على مواقع الإنترنت من جهة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي من جهة أخرى، ومن خلال عمل مقابلات مماثلة للسوريين والأتراك في الشارع، وكذلك مخاطبة الجهات التركية العاملة في المجال المدني، كالأوقاف والجمعيات ومختلف المنظمات التركية، وخطاب قادة الرأي والتشارك معهم في جلسات وحوارات تتيح إبداء حرية الرأي بالحدود المتاحة من دون التجاوز على الرموز والمعتقدات الدينية والقومية.

ولو أن السوريين نجحوا في 10 سنوات بمخاطبة مختلف أطياف الشعب التركي لاستطاعوا تشكيل رأي عام يحيد السوريين في قضيتهم داخل جميع المؤسسات التركية المختلفة

كما يقع على وسائل الإعلام السورية دور كبير في هذا الصدد، وسابقا تمت الإشارة لأهمية أن تكون هناك وسائل إعلام سورية ناطقة باللغة التركية، وتوفير الإمكانات لها سواء من الوسائل الموجودة بتخصيص ميزانيات لها أو عبر دعمها من قبل رجال الأعمال، واستغلال جزء من الإمكانات المتاحة في هذا الجانب، من أجل توجيه خطاب إعلامي مستقل يخاطب جميع الأتراك بلغة إنسانية بعيدة عن الاستقطاب السياسي من دون أن يكون هناك أي توجه لأي طرف كان، خطاب إعلامي بوصلته السوريون وأمنهم وسلامهم، هدف يتجه للسوريين وأبنائهم وأجيالهم القادمة الذين ربما ينسون اللغة العربية وبحاجة للحصول على المعلومات والمصادر باللغة التركية، خطاب إعلامي يضع السوريون فيه أجندتهم بإرادتهم، من دون انتظار أن تقوم وسائل الإعلام التركية بذلك، ومن الثابت والمؤكد مهما كانت هناك حالة تعاضد سياسية في الدول المضيفة من قبل الحكومات، إلا أنه يقع على السوريين دور في تشكيل لوبي موال لهم، عبر كسب ود المجتمعات وخطابهم بلغتهم لنقل الحقائق لهم، ولو أن السوريين نجحوا في 10 سنوات بمخاطبة مختلف أطياف الشعب التركي لاستطاعوا تشكيل رأي عام يحيد السوريين في قضيتهم داخل جميع المؤسسات التركية المختلفة.

ومهما يكن فإن هذه الحوادث تكشف مدى الحاجة للجوء إلى وسائل إعلام مؤثرة وخطوات فردية وجماعية لتشكيل رأي عام للانتماء السوري في مجتمعات اللجوء، وإن كان هناك تأخر حتى الآن، فلتكن هذه الحوادث نقطة انطلاق جديدة، تعمل على تكثيف طرح الموضوع السوري بطريقة ومقاربة مختلفة، تؤدي إلى تحييد الملف السوري من الأجندة السياسية، بل وجعل الرأي العام التركي يقتنع بوجهات نظر السوريين، خاصة أن المزاج العام العالمي بات يتجه لتعويم النظام، وهذا المزاج يلقى أذانا داخل تركيا أيضا.