الانتفاضة من أجل فلسطين.. صفعة بوجه المطبعين

2021.05.20 | 07:11 دمشق

8llio.jpeg
+A
حجم الخط
-A

مرت أكثر من سبعين سنة على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وما يزال المشروع الصهيوني عاجزاً عن اختراق الشارع العربي، وإيجاد قاعدة قبول له في محيطه المحلي والإقليمي. لقد أثبتت وقائع الانتفاضة المشتعلة حالياً في فلسطين، والتفاعل العربي والإقليمي والدولي مع أحداثها، بأن القضية الفلسطينية ما تزال على سلم أولويات العقل الجمعي العربي، ولا يمكن لأي قوة أن تعبث بشرعية هذه القضية أو إضعافها، مهما حاولت آلة الدعاية الإسرائيلية إيهام الرأي العام داخل هذا الكيان أو في العالم العربي أو في العالم، بأنّ إسرائيل أصبحت تحظى بقبول في محيطها العربي، بذريعة الإعلان مؤخراً عن التطبيع مع بعض الأنظمة العربية التي لا تملك تاريخ صراع مع إسرائيل. فالانتفاضة الفلسطينية وتفاعل الشارع العربي معها، نسف كل هذه الدعاية وأخرس أبواقها.  التساؤلات الملحّة اليوم والتي تثير مخاوف الإسرائيليين ذاتهم، هي كيف استطاعت هذه الانتفاضة وبخلاف الانتفاضات السابقة، أن تمتد لتصل إلى داخل العمق الإسرائيلي، ليتفاعل معها فلسطينيو الـ 48 أو ما يسميهم الإعلام العبري (عرب إسرائيل)، بشكل فاجأ الإسرائيليين، إذ اندلعت مواجهات بين المستوطنين الإسرائيليين والسكان العرب الأصليين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل حظيت انتفاضة الشعب الفلسطيني بتأييد وزخم عربي ودولي – على المستوى الشعبي- بصورة منقطعة النظير، الأمر الذي أحدث إرباكاً حقيقياً للحكومة الإسرائيلية لما منيت به من إخفاق استراتيجي في المعركة الإعلامية لكسب الرأي العام الدولي، وشكّل صفعة مدوية للأصوات التي سوقت لمشروع "التطبيع" مع إسرائيل، ولا شك في أن هذا كله انعكس على الأنظمة الغربية الداعمة للمشروع الصهيوني وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وجعلها تشعر بالحرج الشديد أمام الرأي العام الذي ارتفعت من خلاله الأصوات التي تندد بسياسات تلك الحكومات اتجاه إسرائيل، لدرجة أن أصوات من داخل الكونجرس الأميركي بدأت ترتفع منددة باستمرار الدعم الأميركي لإسرائيل في ظل انتهاكاتها الصارخة بحق الشعب الفلسطيني واستمرارها باحتلال أراضيه. 

أصوات غربية منددة

بالرغم من أن معظم الدول الغربية بما فيها أميركا، أصدرت قوانين تحت عنوان (تجريم معاداة السامية) كان الهدف منها منع أي عمليات نقد للإسرائيليين، للدرجة التي جعلت القوانين الأميركية تنص على تجريم أي تشبيه بين الإسرائيليين وألمانية النازية، فإن هذا كله لم يمنع ظهور أصوات غربية كثيرة في الوسط الإعلامي وكذلك الفني والسياسي، تهاجم المشروع الصهيوني العنصري وتندد بممارساته على خلفية الأحداث الأخيرة في فلسطين. فـ مارك رافالو ممثل هوليودي ومنتج شهير، نجح في جمع أكثر من مليونين ونصف المليون توقيع على عريضة ورفعها كوثيقة إلى الجهات الدولية طالب من خلالها معاقبة إسرائيل على ممارساتها وجرائمها العنصرية،  كذلك قام جون أوليفر وهو مقدم أحد أشهر البرامج الحوارية المسائية التي يشاهدها ملايين الأميركيين على قناة HBO  مساء يوم الأحد بتعرية الدعاية الصهيونية بخصوص غزة والشيخ جرّاح، ووصف ما يحدث بأنه جريمة حرب وجريمة فصل عنصري (أبارتهايد)، وهو التوصيف ذاته الذي استخدمه المطرب البريطاني (روجر ووترز) الذي وصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري (أبارتهايد) كما هاجم روجر سياسة بايدين في الاستمرار بدعم دولة إسرائيل العنصرية التي تحتل منازل الفلسطينيين وتقوم بطردهم منها. كذلك (ترفور نوا) أميركي من أصل أفريقي يقدم برنامجا نقديا ساخرا ويتابعه الملايين من الأميركيين، فقد أسهم في فضح الدعاية الصهيونية وإظهار مدى إجرامها، وحصلت الحلقة التي قدمها عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أكثر من 4 ملايين مشاهدة عبر اليوتيوب فقط. كما انضم عدد كبير من الفنانين ومشاهير هوليود إلى ركب التضامن مع الفلسطينيين بعد أحداث الشيخ جراح وما تبعه من قصف للمدن والقرى الفلسطينية، كان من أبرزهم إدريس ألبا وجون كوزاك وفيولا دايفيز وسوزان سراندون ولانا هيدي ومايكل بي جوردان وآني ماري، إلى جانب عدد من المؤثرين من أصول عربية على رأسهم جيجي وبيلا حديد، ومينا مسعود ورامي يوسف.

البروفيسورة الألمانية (هيلغا باوم غارتا) العاملة في جامعة بيرزيت والمقيمة في القدس أشعلت كذلك مواقع التواصل الألمانية بتصريحات أدلت بها لقناة ZDF الألمانية بخصوص ما يحدث في فلسطين، حيث وصفت من خلالها إسرائيل بأنها كيان يحتل فلسطين منذ أكثر من نصف قرن، وفضحت أساليب العنف اليومي والعنصرية التي يتعرض لها الفلسطينيون على يد الجيش والمستوطنين العنصريين، في ظل تجاهل ألمانيا وأوروبا وأميركا للواقع الفلسطيني، مطالبة الولايات المتحدة وأوروبا وخاصة ألمانيا، بالتدخل والضغط على إسرائيل لوقف العنف ومظاهر الاحتلال ضدّ الفلسطينيين والخروج من القدس.

 فشل الدعاية الصهيونية

ردود الفعل التي شهدها العالم، وخروج عشرات المظاهرات المنددة بالاحتلال الإسرائيلي في كبرى العواصم الغربية، يؤكد أنَّ الدعاية الصهيونية فشلت بجدارة في الغرب ولم تعد تحقق النتائج المرجوة، ويبدو أن المتغير الجديد في المعادلة، هو أن وسائل التواصل الاجتماعي، أحدثت نقلة نوعية في نقل الحدث والتفاعل معه، بعيداً عن سيطرة وسائل الإعلام التقليدية على عقل المشاهد، وهذا ما يفسر ازدياد الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية العادلة في العالم الغربي، ويعكس أثر العرب في المهجر على قدرتهم على التأثير عبر علاقاتهم الاجتماعية بالرأي العام في المجتمعات الغربية اليوم. إسرائيل التي تستشعر خطر وسائل التواصل الاجتماعي، وسارعت على الفور إلى إجراءات لمحاولة الحد من تأثير تلك الوسائل، وطلب وزير القضاء الإسرائيلي (بيني غانتس) خلال اجتماع جمعه بالمسؤولين التنفيذيين لمنصتي فيس بوك وتيك توك، بالالتزام بإزالة أي محتوى يحرض على العنف أو ينشر معلومات مضللة في مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، وشدد على أهمية الاستجابة السريعة للنداءات من المكتب الإلكتروني الحكومي الإسرائيلي. وبالفعل اشتكت المنصات الفلسطينية ومئات الناشطين العرب في العالم، من سياسة الانحياز التي باتت تتبعها الفيس بوك والتي أدت إلى تقييد عدد هائل من الحسابات وإزالة منشورات تفضح زيف الدعاية الصهيونية. لكن يبدو أنه رغم كل تلك الإجراءات والاضطهاد الإلكتروني إذا صح التعبير، فإنه من غير الممكن تجريد المجتمع من القدرة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال صوتهم بحرية وكسب التفاعل مع القضايا العادلة.

إسرائيل بوصفها "كياناً عنصرياً"

لقد فقدت إسرائيل القدرة على التحكم بعناصر المواجهة تماماً في معركة الوعي والإعلام وحتى الأمن، خاصة بعد انتقال الصراع إلى عمقها، والعنصر المهم في هذا الصراع هو فلسطينيو الداخل من الشباب الذين لا يتذكرون شيئاً عن كامب ديفيد أو أوسلو، بل نشؤوا في المدارس الإسرائيلية، لكنهم في لحظة تاريخية أثبتوا أنهم يتمتعون بكامل الوعي بحقيقة إسرائيل كدولة فصل عنصري وأنهم يناصرون قضيتهم العادلة، فإسرائيل بالنهاية هي "دولة يهوديّة" كما قال نتنياهو وبهذا المعنى لا يمكن لها أن تكون دولة قانون وديمقراطيّة، وكل هذا يمكن أن نفهمه من خلال مراجعة تعريف الصهيونية التي ترجمت نفسها منذ بدايتها عبر شعار عنصري فاقع "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، والصهيونية ليست ظاهرة يهودية ولا ظاهرة عالمية كما يقول المسيري، حتى وإن سمّت المنظمة الصهيونية نفسها المنظمة الصهيونية العالمية World Zionist Organization بل هي فكرة غربية أولاً وأخيراً نشأت في العالم الغربي، وتبناها العالم الغربي، وجنّد يهود العالم الغربي من أجل تحويلها من مجرد فكرة إلى واقع وظاهرة، ثم قام بتحقيقها ودعمها بشكل متزايد على مرّ الأيام. وكل ذلك كان في أساسه رغبة حقيقية لأوروبا والغرب بالتخلص من اليهود وتصديرهم إلى فلسطين، تحت شعار حل مسألتهم.

يبقى موضوع حماس وما تستطيع أن تقدمه في هذه الانتفاضة من قصفها للمدن والبلدات الإسرائيلية بالصواريخ هو مجرد تفصيل كما قال برهان غليون، في إطار الصورة الأشمل والأهم وهي الوعي الفلسطيني، والانتفاضة التي امتدت إلى داخل عمق إسرائيل، وهذا برأيي ليس تقليلاً من شأن وتأثير القوة ضد إسرائيل، فالمجتمع الإسرائيلي اليوم لا يشعر بالأمان، إذ بات من الممكن لأي مستوطن أن يكون ضحية أحد تلك الصواريخ، لكن التأثير الأقوى برأيي يكون بالتركيز على كسب الرأي العام العالمي، الذي يستطيع فعلاً أن يحدث فارقاً في صناديق الاقتراع لحكومات البلاد التي نحتاج أن تغير سياساتها اتجاه إسرائيل، وتساند الشعب الفلسطيني، فإذا لم يكن من أجل قضيته العادلة، فمن أجل الضغط الذي تحدثه أصوات الناخبين من أجل سياسة جديدة متوائمة مع القيم التي باتت جزءاً من ثقافة الشعوب الحرة التي كان معظمها مغيّباً إعلامياً عن الواقع المرير الذي يعيشه الفلسطينيون.