الاقتصاد السوري بين تعطيل الموارد وضياع الفرص

2023.03.25 | 06:12 دمشق

الاقتصاد السوري بين تعطيل الموارد وضياع الفرص
+A
حجم الخط
-A

يتسم الاقتصاد السوري بتنوع الموارد وغناها كالموارد الطبيعية من زراعة وثروات باطنية والمناخ المعتدل والطقس الجاذب، والموارد البشرية المُنتِجة والعقلية الصناعية والتجارية، بالإضافة إلى أهمية الموقع الجيوسياسي لهذه البلاد عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، إلا أن الواقع الاقتصادي في سوريا لم يكن بخير قبل عام 2011 وذلك يعود لأسباب عديدة أبرزها يتمثل عدم امتلاك الدولة وحكومتها فلسفة اقتصادية واضحة أو نظرية محددة وهوية للاقتصاد السوري، ووجود خلل في العلاقة بين الاقتصاد والسياسة أو بتعبير آخر مفاهيم الاقتصاد السياسي مشوهة، وهذا ما تستحسنه النظم الاستبدادية ليسهل عليها تمرير رؤيتها في بيئة مشوشة. بعد أن استولى حافظ الأسد على السلطة في سوريا بقوة السلاح وعمد إلى مباشرة مشروعه في تثبيت نظام الحكم الاستبدادي العائلي الوراثي، عطّل محاولات تشكيل هوية للاقتصاد السوري الناشئ من خلال إعلان ربط هذا الاقتصاد بالنظرية الاشتراكية التي كانت سائدة آنذاك في ما يسمى معسكر الاتحاد السوفييتي والذي تفتت لاحقاً وتمثله روسيا في الوقت الحالي، هنا ضاعت الفرصة المحتملة الأولى لتكوّن اقتصاد سوري حر.

كان لا بد من إحداث تحولات اجتماعية واقتصادية نوعية وإعادة تشكيل خريطة المجتمع السوري تحت شعارات رنانة وخادعة مثل التحول نحو مجتمع التقدم والاشتراكية والعدالة وريادة وقيادة القطاع العام

وعلى اعتبار أن كل القرارات والتوجهات والسلوكيات كانت تتمحور حول المشروع الأساسي في تثبيت الحكم العسكري فكان لا بد من إحداث تحولات اجتماعية واقتصادية نوعية وإعادة تشكيل خريطة المجتمع السوري تحت شعارات رنانة وخادعة مثل التحول نحو مجتمع التقدم والاشتراكية والعدالة وريادة وقيادة القطاع العام الحكومي في كل المرافق الاقتصادية، وعلى التوازي مع هذه الشعارات هناك جهود ناعمة للجهات الأمنية موجهة لبناء علاقات مع بعض رجال الأعمال والصناعيين والمستثمرين وإغراقهم في دوائر الفساد والنفوذ وتكوين شراكات تحمل منافع مزدوجة لكلا الطرفين.

بعد أن انتهى مسلسل حرب تشرين التحريكية وتحررت إسرائيل من قيود خوفها من النظام الحاكم في سوريا وتمت الصفقة بنجاح، حصل حافظ الأسد على حجم تمويل خليجي كبير تقدره بعض التقارير ب16 مليار دولار في تلك الفترة من الزمن وتم الحصول على هذا التمويل تحت عنوان دعم التنمية وتعزيز قوة الدولة السورية وهنا ضاعت الفرصة التنموية مرة ثانية حيث كانت تستقر هذه المبالغ في يد أمينة!

في منتصف الثمانينيات ومن خلال صفقة تسوية الخلاف على كرسي الحكم بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت الأسد قائد مجزرة مدينة حماة، تم إفراغ خزينة الدولة بالإضافة للاقتراض من ليبيا بقية المبلغ المتفق عليه لإتمام صفقة ثمن التنازل عن الشراكة في الحكم ومغادرة رفعت لسوريا باتجاه فرنسا. وهنا تتكرر مرة أخرى تقديم مصلحة الحكم والعائلة على فرص تنمية الاقتصاد.

وفي بداية التسعينيات تم إصدار قانون الاستثمار رقم 10 والذي فتح الباب على مصراعيه للفساد والتشبيح المالي والعبث في مقدرات البلاد وقتل الفرص الاستثمارية الحقيقية لصالح الفرص الوهمية والمشاريع الاسمية حيث ازدهرت في تلك الفترة مشروعات العلكة والجرابات والمحارم.

لم يكن الحال الاقتصادي بصورة أفضل في عهد بشار الأسد الذي ورث الحكم عن أبيه بتواطؤ دولي مدفوع الثمن وبطريقة وقحة وفيها تحد كبير لكل السوريين، وهنا خضع الاقتصاد لعدد من التجارب الفاشلة على يد مجموعة من الاقتصاديين والخبراء غير المؤهلين والمتعطشين للسلطة، فتحولوا من نظرية الإدارة بالأهداف إلى اقتصاد السوق الاجتماعي وغيرها من النظريات التي لا تصلح ضمن بيئة حكم استبدادي غير رشيد، ولا مكان فيها للمحاسبة أو الشفافية، مرة أخرى تم إجهاض فرصة تنمية الاقتصاد مع مرحلة حكم جديد.

في عام 2005 كان عدد العاطلين عن العمل في سوريا يتجاوز المليون، و33٪ من المواطنين تحت خط الفقر ومستويات الدخل منخفضة وحجم المديونية يثقل كاهل الخزينة العامة، مجالات الاستثمار محصورة بيد عدد من الأشخاص الذين يقعون في الدائرة القريبة من عائلة الأسد والجهات الأمنية التي قايضت بشار الأسد بالحماية مقابل إطلاق اليد في الاستثمار والانتفاع من موارد الدولة.

إذاً حسب الموارد المتاحة والفرص الضائعة كان من الممكن للاقتصاد السوري أن يكون أفضل بكثير مما هو عليه.

بعد قيام الثورة السورية في عام 2011

لاشك بأن الواقع الاقتصادي المتردي كان من الأسباب الأولية التي خلقت تراكم سخط شعبي وعدم رضا لدى المواطن السوري مما ساهم في قيام السوريين بثورتهم على الظلم والاستبداد، ومنذ ذلك الحين والنظام الحاكم يسخر كل موارد الدولة الاقتصادية لصالح العمليات العسكرية التدميرية مما أدى إلى توقف معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية والسياحية، وتراجعت قيمة الليرة السورية ونفد الاحتياطي النقدي ودخل الاقتصاد في مسار الدمار والعسكرة، وكل ذلك انعكس بشكل مباشر على مستوى معيشة المواطن السوري حتى وصل 90٪ منهم إلى مستوى تحت الفقر.

في منطقة النفوذ الروسي والإيراني تستمر حكومة نظام الأسد في تبديد موارد الدولة وعسكرة الاقتصاد، وتثقل كاهل الاقتصاد السوري باتفاقيات ومنح استثمارات طويلة الأجل لكل من روسيا وإيران

جغرافية الاقتصاد السوري اليوم

يتم اقتسام الجغرافية السورية من قِبل ثلاث قوى نفوذ هي الروسي والأميركي والتركي والإيراني وضمن مناطق النفوذ هذه تعمل على تسيير الشأن العام أربع حكومات تنفيذية ومعها أدوات قمع وضبط مسلحة.

في منطقة النفوذ الروسي والإيراني تستمر حكومة نظام الأسد في تبديد موارد الدولة وعسكرة الاقتصاد، وتثقل كاهل الاقتصاد السوري باتفاقيات ومنح استثمارات طويلة الأجل لكل من روسيا وإيران على شكل رشوة سياسية، وفي السياق نفسه تم توزيع النفوذ الاقتصادي داخلياً على طبقة من رجال الأعمال الجدد المحسوبين على النظام وابتكار موارد جديدة كزراعة الحشيش وتصنيع حبوب الكبتاغون والسطو على المساعدات الإنسانية الأممية والتشبيح على الحوالات المالية.

أما في منطقة النفوذ الأميركي حيث تعمل حكومة الإدارة الذاتية وتقع ضمن واقع نفوذها أهم موارد الطاقة وأكبرها، وفي منطقة النفوذ التركي تعمل حكومة الإنقاذ والحكومة السورية المؤقتة، وتقع ضمن واقع نفوذها أهم المعابر وطرق دخول المساعدات الأممية ومسارات منظمات العمل الإغاثي والإنساني، ومع ذلك الواقع الاقتصادي ليس بخير ولم تكن في أولويات هذه الحكومات الحالة المعيشية للمواطن، وقد ضاعت فرص تنموية كبيرة وبحجم الأموال التي تم هدرها وسرقتها وتهريبها، والذي زاد الطين بِلة في تلك المناطق كوارث و أزمات إضافية مثل كورونا وآثارها الاقتصادية و الزلزال المدمر وآثاره الاقتصادية، وتسييس ملف المساعدات الأممية، وتسييس الاستجابات الإنسانية لكارثة الزلزال وانعكاس ذلك على الواقع الاقتصادي.

في الختام يمكننا أن نتساءل هل يمكن للاقتصاد واقتصاديات إعادة الأعمار أن تكون مدخلاً لتحريك المياه الراكدة والذهاب نحو حل لحلم السوريين وقضيتهم مثلما كان ركناً أساسياً لانتفاضتهم.