الاتفاقية العسكرية بين إيران ونظام الأسد في سوريا

2020.07.14 | 00:01 دمشق

alnzam_wayran.jpg
+A
حجم الخط
-A

زار رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري دمشق، الأسبوع الماضي، على رأس وفد عسكري رفيع للقاء الأسد ووزير دفاعه علي أيوب. وخلال الزيارة أعلن الطرفان عن توقيعهما اتفاقية شاملة للتعاون العسكري. وقال باقري في تصريح له إنّ إيران ستقوم بموجب هذا الاتفاق بتقوية أنظمة الدفاع الجوية السورية في إطار توطيد العلاقات العسكرية بين البلدين.

ووفقاً لما نقلته وسائل إعلام الأسد، فقد عبّر الأخير عند لقائه باقري عن ارتياحه لنتائج اجتماعات الجانبين السوري والإيراني وتوقيع اتفاقية التعاون العسكري والتقني بين البلدين وذلك بوصفه تجسيداً لمستوى العلاقات الاستراتيجية بينهما على حدّ قوله. تأتي هذه الاتفاقية في وقت يشهد فيه الطرفان ضغوطاً غير مسبوقة على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري لا سيما بعد إقرار قانون قيصر ودخوله حيّز التنفيد.

ولا يمكن النظر إلى هذا الاتفاق بمعزل عن سيطرة إيران على مقدّرات الدولة السورية والشعب السوري مقابل فاتورة دعم نظام الأسد. ولأنّه لم يتبقّ كثير من الموارد لدى الدولة السورية ليمنحها نظام الأسد إلى داعميه، تسارع إيران من خلال هذا الاتفاق إلى وضع يدها على القطاع العسكري السوري بعد أن تقاسمت النفوذ السياسي والعديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية والرئيسية في البلاد مع روسيا.

أمّا فيما يتعلق بتوقيت وأهداف التوقيع على هذه الاتفاقية، هناك بعد داخلي وآخر خارجي لدى كلا الطرفين. على المستوى الداخلي، يسعى الجانب الإيراني إلى تسويق فكرة أنّه يقوّي من شراكاته الإقليمية والدولية وأنّه يعمل على مواجهة الضغوطات الأميركية من خلال اتفاقات استراتيجية تؤمّن المصالح الإيرانية في الخارج. الحكومة الإيرانية بالتحديد في وضع حرج للغاية وهناك انتخابات قادمة على الأبواب ولذلك هي بحاجة إلى تسويق انتصارات وهميّة للجمهور.

بالنسبة إلى نظام الأسد، فهو يشعر أنّه قد يتم التضحية به من قبل روسيا لا سيما مع تزايد الضغوطات الدولية. لذلك فالرسالة التي يريد أن يقولها هنا هو أنّ لديه حليفاً قوياًّ لن يتخلى عنه وهو إيران. فضلاً عن ذلك، فقد اشتكى نظام الأسد مؤخراً من أنّ الأسلحة الروسية لا تعمل بكفاءة عالية، مُحمّلاً بذلك المسؤولية بشكل غير مباشر عن ضعفه في المواجهات العسكرية مع تركيا وإسرائيل على موسكو.

طهران تريد أن تقول لواشنطن أنّها لن تنسحب من سوريا وأنّ قانون قيصر لن يجبرها على ذلك

فيما يتعلّق بإيران، هناك عدّة رسائل يريد الجانب الإيراني إيصالها إلى المعنيين من خلال هذ الاتفاق لعلّ أبرزها الولايات المتّحدة الأميركية. طهران تريد أن تقول لواشنطن أنّها لن تنسحب من سوريا وأنّ قانون قيصر لن يجبرها على ذلك، وأنّه إذا ما كان هناك من إجراء مناسب للرد عليه فسيكون ذلك من خلال تعميق العلاقة أكثر مع نظام لأسد بمثل هذه الاتفاقيات.

أمّا بالنسبة إلى إسرائيل، فقد ظلّت تل أبيب لفترة طويلة تقصف المواقع العسكرية الإيرانية داخل سوريا بالإضافة الى مواقع الميليشيات الشيعية التابعة لها موقعةً خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد دون أن يستطيع النظام لإيراني الرد. لذلك، فإنّ الرسالة التي يحملها هذا الاتفاق العسكري مع نظام الأسد هي أنّ إيران ستحمي مواقعها العسكرية داخل سوريا بمنظومات دفاعية ضد القصف الإسرائيلي المتواصل، وذلك بحجّة حمايتها لمواقع النظام السوري ضد الاعتداءات الخارجية.

ومن المفارقات أيضاً أنّ هذا الاتفاق لا يستثني روسيا وتركيا من هذه الرسائل. إذ سبق لطهران أن طلبت من موسكو وضع حد للضربات الإسرائيلية التي تستهدفها داخل سوريا لكن دون جدوى. من هذا المنطلق، فإنّ طهران تريد أن تقول أنّها ستأخذ من الآن وصاعداً زمام المبادرة للدفاع عن نفسها أمام الضربات الإسرائيلية ولن تعتمد بالضرورة على موسكو.

اللافت في الموضوع أنّه وخلال اجتماع اللواء محمد باقري مع نظيره السوري، وجّه المسؤول الإيراني انتقاداً إلى تركيا وقال إنّ عليها أن تسحب قواتها من سوريا. من الممكن ربط هذ التصريح بالتصعيد العسكري الأخير بين تركيا ونظام الأسد في شهر مارس الماضي والذي انتهى بهزيمة ثقيلة لقوات الأسد والميليشيات الإيرانية. سلاح الطائرات من دون طيّار التركي لعب دوراً حاسماً في المعركة، ولذلك فإنّ حديث المسؤول الإيراني عن تقوية الدفاعات الجوّية السورية موجّه كذلك إلى تركيا، وهو يعني أنّ طهران لن تتحمّل مواجهة مماثلة وستعمل على حرمان أنقرة من أفضليتها.

لكن وبعيداً عن الرسائل السياسية، من المستبعد أن يؤدي مثل هذا الاتفاق إلى تغيير نوعي في قدرات الأسد العسكرية خاصة إذا ما بقيت الظروف الإقليمية والدولية على وضعها الحالي. فضلاً عن ذلك، ليس من المتصوّر أن تكون المعدات العسكرية التي سيتم استجلابها أكثر تطوراً من المعدات الروسية نفسها التي يمتلكها نظام الأسد.

أخيراً، يفتقد الطرفان بالتأكيد إلى الموارد المالية اللازمة لتمويل تعاون من هذا النوع. ومن السخرية بمكان تسويق قدرة النظام الإيراني على الدفاع عن نظام الأسد بطرق عسكرية تقليدية، فالتفجيرات التي تتعرض لها منشآت ومواقع حساسة داخل إيران مؤخراً تشير إلى أنّ النظام الإيراني غير قادر على تأمين نفسه في عمقه، فضلاً عن أن يردّ على إسرائيل!