الاتفاق الصيني الإيراني وحكومة ماكرون اللبنانية: منظومة الخردة

2020.09.18 | 00:59 دمشق

thumbs_b_c_d1e5b7056559c013881118fb51b01fd2.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع اشتداد الضغوط عليها قررت إيران سلوك درب التصعيد الانتحاري عبر تسليمها مفاصل الاقتصاد والأمن في البلاد للتنين الصيني في اتفاقية لم يتم الكشف عن كل تفاصيلها بعد، ولكن الجزء المعلن منها يكفي لتبيان طابعها الشمولي العام.

يعتقد النظام الإيراني أنه إذا ما وضع نفسه تحت الوصاية الصينية فإن ذلك سيحوله إلى دولة عظمى، يمكنها أن تتفاوض مع الأميركيين بوصفها ناطقة باسم القوة الصينية، ما يمنحها موقعا متقدما ويتيح لها التحرك الفعال، ويمنح مشروعها التوسعي المزيد من الزخم والصلابة.

المنظومة الصينية بدورها تؤمن أن وضع يدها على إيران سيمدها بأوراق ثمينة في صراعها مع الأميركيين، الذي بدأ يتخذ أبعادا خطيرة مع إعلانها عن تطوير منظومة صواريخ دي أف -26، القادرة على ضرب أهداف بعيدة المدى، وتشكيل خطر جدي على أي حاملة طائرات أميركية تعمل في المنطقة.

لا يلقي الصينيون أي اهتمام لمشاريع النظام الإيراني وأهدافه، ولا يبالون إذا ما كانت هيمنتهم على البلد ستمنحه بعض المناعة كآثار جانبية، ولكن آليات العمل المعتمدة صينيا تكاد تكون أشبه بالاحتلال المباشر بشكله البدائي،الذي يفترض الحضور العيني للمحتل وامتلاكه المباشر لكل مفاصل الجغرافيا المسيطر عليها، وإدارتها وتنظيمها وتوظيفها بما يلائم مصالحه وتوجهاته.

 النظام الإيراني يصبح صينيا بهذا المعنى وليس وفق ما يعتقده ويروجه أصحابه، فهو قد يصبح على غرار النظام الأسدي هيكلا متداعيا، ولكنه لا يزال موجودا كمريض لا أمل في شفائه ولا فائدة ترجى من موته ودفنه.

من شأن هذا المسار أن يخلق إيرانَينِ واحدة هي تلك الباقية تحت حكم النظام والتي يمكن أن يترك لها إدارة اقتصاد الخردة، وتحميلها مسؤولية الجوع والمرض والكوارث التي ستتفاقم مع اشتداد مفاعيل العقوبات وارتفاع وتيرتها المتوقع، بينما تدير الصين إيران أخرى تتشكل خريطتها من المدن التي ستبنيها والمرافئ التي ستتولى صيانتها وتجهيزها واستخدامها.

المشروع الصيني لا يمكن أن يمضي بسلاسة لأن الأميركيين يعملون على تحويل إيران إلى صحراء اقتصادية لا تنتج سوى الرمال، مع عودة عقوبات الأمم المتحدة السبت كما أعلنت الإدارة الأميركية، وتفعيل مسارات العزل، والحرص على جعلها أممية وليست أميركية وحسب.

كل هذه الضغوط تجعل من الاستعمار الصيني لإيران مهمة مكلفة للطرفين الإيراني والصيني، وتكاد تكون أشبه بعملية استنزاف من شأنها تسريع تحول إيران مباشرة إلى منظومة خردة اقتصادية وسياسية وأمنية، تحوّل الاستثمار الصيني فيها من امتياز إلى نوع من المأزق الحرج.

فكرة تهديد حاملات الطائرات الأميركية في المنطقة قد تكون ممكنة عمليا ولكنها خطوة مستبعدة، لأنها قد تفتح حربا لا تحتمل الصين مفاعيلها، وخصوصا أن هجمتها لاحتلال إيران لا تحظى بقبول روسي. أول مفاعيل توليها لشؤون إيران تمثل في فكفكة الثنائية الصينية الروسية وتحويلها إلى أحادية صينية، قد تكون مدخلا لنشوء نوع من الثنائية الأميركية الروسية المتوافقة على الكثير من العناوين العامة تحت عنوان الحد من الطموحات الصينية.

بعد العقوبات الأميركية على وزير المالية السابق علي حسن خليل، بات تولي أحد طرفي الثنائية الشيعية لهذه الحقيبة حاملا لمعنى التسليم الأميركي بإدارة الحزب للبلاد والقبول بمرجعيته

يستلهم حزب الله اللبناني المشروع الإيراني فهو يدعو الغرب إلى القبول باحتلاله للبلد وتسليمه كل شؤونه مقابل تحويله إلى ممر لتمرير مشاريعه ومصالحه. الطرف الذي عرض مثل هذه المقايضة، أي الرئيس الفرنسي ماكرون، ليس الطرف المناسب. مبادرته ليست في نظر الحزب سوى مقدمة لتأمين التطبيع المطلوب والنهائي مع الأميركيين، تحت عنوان مماثل لوضع إيران تحت الوصاية الصينية، تلعب فيه أميركا دور الصين ويلعب فيه الحزب دور النظام.

لا مانع لدى حزب الله في الإبقاء على هيكلية النظام اللبناني الحالي بل هو مستعد للدفاع عنها، وليس النموذج الذي يحاول تسويقه من خلال حكومة مصطفى أديب المنتظرة، وخوضه معركة مستميتة للحصول على وزارة المال فيها، سوى الصورة الواضحة المعالم للمشروع الذي يحاول بيعه وتسويقه.

بعد العقوبات الأميركية على وزير المالية السابق علي حسن خليل، بات تولي أحد طرفي الثنائية الشيعية لهذه الحقيبة حاملا لمعنى التسليم الأميركي بإدارة الحزب للبلاد والقبول بمرجعيته. لكن ما سبق من قول الرئيس الفرنسي ماكرون حول شرعية الحزب الإلهي النابعة من الانتخابات ذاب في أسيد مقالة وزير الخارجية الأميركي بومبيو في الفيغاروالذي اتهم فيها الحزب بالإرهاب، ولمّح الى أن الفرنسيين عبر تفريقهم بين جناحيه السياسي والعسكري إنما يساهمون بشكل أو بآخر في دعم منظومة إرهابية.

يعني ذلك أن المأزق اللبناني قد انفتح على هاوية لا نجاة من الوقوع فيها في كل الأحوال، فإذا ما تشكلت الحكومة وكان للحزب وزارة المالية فيها، فإن ذلك سيعتبر نجاحا لمبادرة ماكرون ولكنه سيضع البلد تحت دائرة العقوبات المتصاعدة والقاسية، وحتى لو تم تشكيل حكومة لا يحصل فيها الحزب على هذه الوزارة، ولكنها تحمل بصمته وملامحه مباشرة أو بشكل غير مباشر، فإن سيف العقوبات سيكون مصلتا على رقبتها ورقبة البلد واقتصاده.

المفارقة أن عدم تشكيل حكومة سيبقي البلد في حالة تصريف الأعمال وهي صيغة تروق للحزب، ولكنها كذلك قد تصبح عنوانا لأزمة في حال طالت العقوبات وزير المالية فيها التابع لحركة أمل، أو طالت غيره من الشخصيات الوزارية أو مرجعيات سياسية متحالفة مع الحزب وقريبة منه.

من هنا فإن ما كان الحزب يفاوض عليه سابقا من تجنيب البلد عاقبته، أي الحل الأمني مقابل تسليمه حكم البلاد، لم يعد قائما مع خروج الطرف السني من دائرة المساومة عليه، وإصرار الحريري على المداورة في الحقائب ورفضه منح الشرعية لتولي الحزب أو الثنائية لوزارة المالية، لذا فإن الحزب يستطيع الركون إلى هذا العنوان على حسابه ومن دون أي ضمانة بأنه سيمهد لسياقات تفاوضية ما.

منظومة الخردة تستعد لفرض ملامحها على كل البلاد الواقعة تحت نيرها، وهي منظومة لا يمكن معها لأي شيء الخروج من صيغة الخردة، أي عدم القابلية لامتلاك قيمة ومعنى وحضور.