الاتفاق السرّي بين PKK والنظام.. النفط مقابل الحماية

2021.05.22 | 05:41 دمشق

alwhdat.jpg
+A
حجم الخط
-A

أوحت الإجراءات والتصريحات الصادرة عن الإدارة الأميركية إبان عملية نبع السلام في تشرين أول 2019 أن الولايات المتحدة عازمةٌ بالفعل على سحب كامل جنودها من سوريا، حيث أكد البيت الأبيض أن تركيا سوف تكون مسؤولة عن كل أسرى مقاتلي تنظيم الدولة في شمالي سوريا، وأن القوات الأميركية لن تتمركز بعد اليوم قرب حدود تركيا التي سوف تجتاح شمالي سوريا.

وقد ترافقت هذه التصريحات ومثيلاتها مع تواتر الانسحابات الأميركية من المواقع والقواعد الغربية في محافظتي حلب والرقة الأمر الذي أدى إلى انهيار كلّي في قوات سوريا الديمقراطية ودفعها لطلب النجدة من الروس الذين ربطوا تحركهم بالتنسيق مع الحكومة السورية وموافقتها.

في هذه الأثناء بادر حزب العمال الكردستاني PKK إلى التحرك بعيداً عن أتباعه في سوريا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فأرسل اثنين من كوادره التقيا ممثلي النظام في ريف حلب وتم الاتفاق على تنظيم دخول النظام والروس إلى المنطقة، حيث انتشر النظام على الشريط الحدودي في حين انتشرت القوات الروسية على حدود المنطقة الآمنة التي سيطرت عليها تركيا، وظل التساؤل عن المقابل الذي حصده النظام آنذاك قائماً بدون أي جواب حتى الآن.

غرّد أليكسندر إيفانوف من حميميم أن القوات السورية تستعد لدخول منطقتي منبج وعين العرب باتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية

كانت لجنة الدفاع في الإدارة الذاتية في عين العرب أول من أعلن خبر الوصول إلى اتفاق يتضمن عودة جيش النظام إلى المدينة من دون أية تفاصيل إضافية، وذلك مساء يوم الأحد 13 تشرين الأول 2019، تلتها وكالة سانا الرسمية التي نشرت خبراً مفاده أن قوات النظام تتحرك باتجاه الشمال لمواجهة العدوان التركي دون الإشارة إلى وجود أي اتفاق، في حين غرّد أليكسندر إيفانوف من حميميم أن القوات السورية تستعد لدخول منطقتي منبج وعين العرب باتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية.

أما البيان الصادر عن الإدارة الذاتية في عين عيسى ذلك المساء فيوضح بشكل لا لبس فيه أنها لم تكن مشاركة في أي اتفاق لا هي ولا قوات سوريا الديمقراطية وأن الأمر اقتصر على التنسيق معهما فقط دون أن تذكر أو تشير إلى الجهة التي أبرمت الاتفاق وفق منطوق البيان الذي ورد فيه حرفياً أنّ "هذا الانتشار جاء من خلال التنسيق والتوافق مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية".

في حين التزم قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الصمت وكذلك فعل مجلس سوريا الديمقراطي"مسد".

وفي اليوم التالي أطلق آلدار خليل وهو رجل PKK الأقوى في سوريا تصريحاتٍ كمّلت وفسرت ما سبق من تصريحات، حيث أشار إلى توقيع مذكرة تفاهم مع روسيا الاتحادية حول حماية  الحدود بين "قسد" والجيش السوري، ووصف المذكرة بأنها طارئة وذات طابع عسكري بحت ولا تتناول وضع الإدارة الذاتية أو المدن والبلدات الأخرى، وبناء على تصريحاته أصدرت الإدارة الذاتية تعميماً إلى موظفيها يتضمن استمرار العمل كالمعتاد مشيرة إلى أن الاتفاق لا يمس وضع الإدارة الذاتية، حيث كان قد ساد الاعتقاد بين الموظفين خلال الساعات السابقة بأن النظام سوف يستعيد دوائره الحكومية ولن يبقى أي دور للإدارة الذاتية وذلك كمقابلٍ للحماية التي وفرها.

والحقيقة أن أياً من متزعمي المشهد في سلطة الأمر الواقع وتوابعها شرق الفرات لم يحضر إبرام الاتفاق بين كوادر PKK والنظام، لا الإدارة الذاتية ولا مجلس سوريا الديمقراطي ولا قوات سوريا الديمقراطية، كما أن أحداً منهم لم يوقع عليه، ولا يعرف المقابل الذي تم دفعه للنظام، وبقي الاتفاق سرياً حتى بالنسبة إليهم، و لم يتم نشره أو نشر أية وثائق منه، في حين تم نشر تفاصيل الاتفاقين الآخرين المتعلقين بشرق الفرات واللذين تم إبرامهما في تلك الأثناء وهما اتفاق أنقرة 17/10 بين نائب الرئيس الأميركي مايك بنس والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واتفاق سوتشي 22/10 بين بوتين-أردوغان.

ومن جانب آخر فإن النظام السوري لا يعترف رسمياً بأيّ من كيانات الأمر الواقع القائمة شرق الفرات ولذلك يرفض التوقيع معها على أي اتفاق، وعند الحاجة يتم التوقيع على مذكرات تفاهم مع كوادر من حزب العمال الكردستاني التركي، فهو تنظيم عسكري وأجنبي في آنٍ واحد، ولا تأثير قانونياً لأي اتفاقاتٍ مبرمة معه داخل سوريا.

اضطر PKK للموافقة على شروط النظام خوفاً من خسارة كل شيء، إلا أنه بعد أيام قليلة اكتشف أن الولايات المتحدة لم تسحب كامل جنودها

تضمن اتفاق PKK والنظام الإبقاء على الإدارة الذاتية والحفاظ على حالة السلم والاستقرار القائمة بين الطرفين شرق الفرات مقابل استمرار تدفق كميات إضافية من النفط بالمجان، واستجرار مادة القمح بسعر شرائه من الفلاح دون أية علاوات، ومنذ ذلك التاريخ يدفع أتباع PKK ضريبة ذلك الاتفاق، النفط في مقابل الحماية.

اضطر PKK للموافقة على شروط النظام خوفاً من خسارة كل شيء، إلا أنه بعد أيام قليلة اكتشف أن الولايات المتحدة لم تسحب كامل جنودها فحاول التملص من عبء الاتفاق عبر دفع مظلوم عبدي في 20 تشرين أول/أكتوبر لنفي إبرام أي اتفاق مع النظام ولكنه لم يفلح بسبب وجود الروس كضامن له.

أما النظام فقد انطلق في ذلك من سياسة الخطوة خطوة التي نصحته بها روسيا على الدوام بالإضافة إلى أسباب أخرى كثيرة لا مجال لذكرها هنا.