الأضداد المتشابهة

2021.08.24 | 06:11 دمشق

qwat-2.jpg
+A
حجم الخط
-A

سجلت الأخبار العالمية (أخيراً) هزيمة الولايات المتحدة في الحرب التي شنتها على أفغانستان، وفيما يبدو من تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، أن قوات أميركا تقهقرت واضطرت إلى الانسحاب بعد فشلها في فرض ديمقراطيتها على الشعب الأفغاني وإرادته الشعبية وعدم تمكنها من هزيمة تنظيم طالبان.

يبدو الخبر كوميدياً إلا أن وقعه كان مفجعاً مثلما كان مضحكاً، فمن ناحية لوجستية وعسكرية أقرت أميركا بهزيمتها على أرض معركتها المفتوحة منذ سنوات في أفغانستان، ومن ناحية أخرى بدأ الإعلام يصدر للعالم أن طالبان هي الممثل الشرعي الذي ارتضاه الشعب الأفغاني، مثلما حصل ذلك سابقاً مع تنظيم داعش أو جبهة النصرة على اعتبار أنهما مكونان رئيسيان من مكونات الشعب السوري حتى أن الرأي العام العالمي قد بدأ يعتقد في غالبيته أنهم الأصحاب الشرعيون للثورة.

إلى حد الآن قد يكون الخبر أعلاه عادياً ومتوقعاً من حكومة أميركا التي اعتدنا وقاحتها في التعامل مع القضايا الدولية، إلا أن الغريب في الأمر أن يلاقي الخبر قبولاً بين كثير من أوساط المثقفين والثوريين الذين هللوا لانتصار إرادة الشعب الأفغاني واندحار القوات الأميركية.

هل انهزمت أميركا حقاً في أفغانستان، أم أن ذلك ليس سوى مقدمة لسيناريو جديد قد نبصر ملامحه لاحقاً؟

ربما يكون هذا الاستنتاج مناسباً للفكر القومي الذي كنا نعيشه في حقبة تسعينيات القرن الماضي حين كان العالم منغلقاً كل من فيه على نفسه، أو حين كانت تنحصر الأخبار بمصدر واحد، غير أن ذلك يبدو منافيا للنضج الثوري المفترض في الفترة الحالية، وبذلك لا يمكن أن نقيم مثل هذه الحالة إلا بأننا ما زلنا نتخبط فكرياً أو تتجاذبنا الثنائيات المفروضة علينا سياسياً من احتلال، أو استبداد فكري، أو ديني، أو سياسي.

لم تعترف أميركا بهزيمتها يوماً إلا إذا كانت تخطط لما هو أبعد من ذلك فهل انهزمت أميركا حقاً في أفغانستان، أم أن ذلك ليس سوى مقدمة لسيناريو جديد قد نبصر ملامحه لاحقاً؟ أو ربما استمرار لعملية التخريب الممنهجة التي بدأتها أميركا في كثير من الدول الواقعة خارج محيط الحلم الأميركي وفي العالم الثالث تحديدا.

عادة ما يظهر الضد حسن الضد المقابل على رأي الشاعر أو يوضح سوءه، لكن القاعدة مهما شملت حالات مختلفة لا بد أن يكون لها استثناء، غير أن ما يحدث في الوقت الراهن يوحي بأن الاستثناءات قد حلت محل القواعد حتى أنها عملت على تحييدها في كثير من الأحيان.

لم تعد الأشياء والقيم منقسمة بين لونين أبيض أو أسود، لقد صارت الألوان مختلطة بحيث بدأ الإنسان يصاب بالعمى التدريجي.

كان من نصيبنا نحن من ولدنا في مجاهل العالم الثالث أن ندرك هذه النتيجة بشكل أسرع من أقراننا في دول العالم الأول، لأننا اختبرنا صراع القيم واندثارها وصراع السلطات وتبادل أدوارها.

ولأننا وصلنا إلى مرحلة فقدنا فيها التحكم بزمام أمورنا السياسية أو الاجتماعية، بدأت القوى الحاكمة تحتكر المنصة خالقة حالة منافسة فيما بينها ما يتيح لها الاستمرار في المشهد.

غياب الوعي وانعدام حالة الحياة السياسية جعلتا نتمسك أكثر بالموروث الديني أو الاجتماعي لأنه الشيء الوحيد الذي ما زلنا نحتفظ بوهم إدارتنا له، والحقيقة أن السلطة كانت تسمح لنا بالاستمتاع في ذلك الوهم كي نغوص في عمقه ولا نتمكن من إبصار ما وراء الكواليس.

بدأت فكرة اختيار السلطة الحاكمة في بلادنا مع الوقت تتأرجح بين الاحتلال أو الاستبداد، أو بين العسكرة أو الاحتلال، أو بين الجماعات المتشددة أو الدولة الأمنية، على اعتبار أنها خيارات وحيدة لا نملك فيها أملاً في احتمالات أخرى، حتى أصبحنا جبلاً تسعى الأطراف المختلفة لاستقطابه كل بحسب مصالحه، وبدأت المجموعات بالاصطفاف كل إلى جانب الطرف الأكثر قرباً لأيديولوجياته أو معتقداته مرسخة حالة التفكك لتطفو على السطح بشكل جلي.

إن انسحاب الاحتلال الأميركي من أفغانستان واستلام طالبان، لا يمكن أن يندرج إلا في بند تبادل الأدوار في أداء دور البطولة

الصورة بدأت تتوضح إذن، هنالك أطراف تتجاذب السلطة وفي طريقها تتجاذب المهللين لها ومريديها مقنعة جماعتها بأن الطرف الآخر هو الخصم النقيض، أو أنها هي الممثل الشرعي للصوت الجماهيري مصدرة كثيراً من المصطلحات الفضفاضة التي لا تصلح إلا لكونها عناوين إخبارية عريضة.

إن انسحاب الاحتلال الأميركي من أفغانستان واستلام طالبان، لا يمكن أن يندرج إلا في بند تبادل الأدوار في أداء دور البطولة، على غرار ما يحدث من مسرحيات في البلاد التي تدعي الديمقراطية.

ذلك أن الطرفين لا يختلفان إلا بأنهما وجهان لعملة واحدة بالعقلية الإقصائية أو في طريقة إدارة البلاد وإدارة الأزمات، علاوة على أن أكثر ما تريده أميركا أو أي من الدول ذات الفكر الاحتلالي الممنهج، أن تصل إلى مبتغاها وتحقق منهجها مستخدمة بذلك أذرعها الطويلة من السلطات التي لا تعبأ بمصلحة البلاد، ويديرونها بعقلية الغنائم من دون أن تخسر أميركا وأقرانها كثيراً من دمائها أو تستنزف طاقاتها لأنها تملك قيادات مأجورة للقيام بما تريد فعله.