الأسديون.. والعودة إلى زمن البونات

2020.01.22 | 23:03 دمشق

154980965770789200.jpg
+A
حجم الخط
-A

آخر ما كان يتخيله المؤيدون لنظام الأسد أن يعودوا إلى زمن البونات السعيد، وأن يكون نصيبهم من سوريا المفيدة التي حلموا بها أوقية شاي توزع شهرياً في طابور البطاقة الذكية، وأن عليهم أن يقننوا في شرب (المتة) بمقدار كيلو السكر الذي سيحكم حلاوتها طوال الشهر.

لقد وعد الأسد من وقفوا معه بالسعادة المديدة، وأن تكون سوريا كلها لهم ذات يوم من دون خونة ومعارضين وعصابات ترهبهم، وأن الأمر يتطلب فقط كثيراً من الصمود والتضحيات ليضمنوا الرفاه لأبنائهم وعوائلهم، وأن الحفاظ على كرسيه هو الضامن للحفاظ على بيوتهم وأرواحهم.

وعدهم الأسد بالوظائف، والرواتب المجزية، وتعويضات الدم، وأن تكون الدولة تحت بنان أبنائهم يشيرون للمال أن يكون فيكون، وللمستقبل أن يفتح أبوابه كما نداء السحر افتح يا سمسم فيعيشون فيه دون قلق من ثورة أو انتقام من ولاة الدم.

وعدهم بالكثير إن رضوا بالقليل وقت الشدة، فوزع عليهم الدجاج

أقسم لهم أن يحكموا قمح حوران والجزيرة، ومشمش الغوطة، وفستق حماة وحلب، وماء القنيطرة وهواءها، وياسمين دمشق، ومن ثم ليشربوا بصحة النصر (المتة) حتى يوم الدين مغمسة ومحلاة بكل هذا النسيج السوري المستباح.

والماعز وساعات الحائط مقدماً بسيطاً لأرواح أبنائهم، وعيّن زوجات القتلى في المشافي الحكومية والتعليم بوظائف مؤقتة، ورواتب لا تسد الرمق ولكنها الخطوة الأولى في الطريق إلى حلم الثروة والسلطة المنتظرة، وأما العجزة والجرحى فلهم نصف الراتب التقاعدي وبعض الدعاء لهم بالشفاء.

أقسم لهم أن يحكموا قمح حوران والجزيرة، ومشمش الغوطة، وفستق حماة وحلب، وماء القنيطرة وهواءها، وياسمين دمشق، ومن ثم ليشربوا بصحة النصر (المتة) حتى يوم الدين مغمسة ومحلاة بكل هذا النسيج السوري المستباح.. إن صبروا وماتوا.

ساقهم إلى حروبه المنشودة قطعاناً، وفتح لهم البيوت والمعامل والمقابر، وقال لهم خذوا ما شئتم، واحملوا إلى أسواقكم الطارئة ما شئتم، وكونوا ملعونين، ولا تهتموا لدعوات ودموع المقهورين فهذا ثمن البقاء هنا على الكرسي، وفوق الجثث إلى أبد الآبدين.

سنكون وحدنا مع كل هذا الخير العميم، لن يتقاسم معنا أحد هذي البلاد المدمرة، ومن على خرائب

بعد ما يقرب من عشر سنوات من الخديعة تأتي صرخات النجدة مكبوتة ومرتعشة، ويكتشف الأسديون حجم الجحيم الذين يعيشونه

المدن سنعزف كما (نيرون) أنشودة الحريق، وأما أساطير السوريين فقد أغرقناها للأبد، ولن يخرج من هذي الأرض (تموز) ولا (السمندل).. وحده بعثنا من سيحكم هذه الأرض ويجددها.

بعد ما يقرب من عشر سنوات من الخديعة تأتي صرخات النجدة مكبوتة ومرتعشة، ويكتشف الأسديون حجم الجحيم الذين يعيشونه، وتبدأ الأسئلة المرة.. ماذا بعد كل هذا الموت، وإلى أين سينتهي بنا هذا الجوع والحصار والعتمة، وما الذي فعلناه بأنفسنا وأي مصير ننتظر؟.

إنها وديعة الجوع، وثمن العماء الذي قاد هذه الجموع إلى حتفها، وبعد أن ظنت أنها نجت من الموت وقعت فيما هو أسوأ..هذه مكافأة الولاء والنصر، وليست سوى بطاقة ذكية تشتري بها ما يبقيك على قيد الحياة، أسطوانة غاز، وكيلو سكر، و200 غرام من الشاي.. حتى (المتة) نبتة الحياة المقاومة خارج منظومة بطاقة الذكاء.

ما سبق من سطور ليس شماتة أبداً.. بين هذه الجماهير الجائعة ثمة سوريون لا ذنب لهم سوى الفقر وقلة الحيلة، وأما الدهماء من القتلة وأبواق القتل من إعلاميين وساسة وأهل فن فهم في خانة الذكاء التي قادهم إليها الأسد ووضاعتهم، وأحلامهم القذرة عن وطن لهم وحدهم، ولا يتسع إلا لكروشهم ونقيقهم، وهاهم اليوم يعودون إلى زمن الثمانينات حينما صور لهم الأسد الكبير أن الانتظار على باب المؤسسة الاستهلاكية هو انتصار على الصهيونية والإمبريالية.