الأسد وثقافة "عبادة القائد"

2022.11.10 | 07:04 دمشق

الأسد وثقافة "عبادة القائد"
+A
حجم الخط
-A

يذكر باتريك سيل في كتابته لسيرة حافظ الأسد أن وزير الإعلام أحمد سعيد هو من أدخل في بداية الثمانينات فكرة عبادة الشخصية في الثقافة السياسية السورية، أو ما يطلق عليها باللغة الانكليزية Cult  وهي سمة ترتبط بالقادة التسلطيين أكثر منها بالقادة الديمقراطيين الذين يكون هدفهم بناء المؤسسات وضمان استمرارها من بعدهم وهو ما سيذكره التاريخ لهم بعد رحيلهم، أما القادة الدكتاتوريون فإنهم يستغرقون في فكرة عبادة الفرد القائد بوصفها شكلا من أشكال التعبير عن شعبيتهم داخل بلدانهم.

تسمية الخَلَف بهدف خلق الاستقرار ضمن العائلة كما فعل الأسد من توريث السلطة لابنه داخل جمهورية عمرها عشرات السنوات

ويشكل موضوع الوراثة إحدى النقاط المهمة حول عبادة القائد. كتب رودجر أوين Roger Owen حول سياسة الخلافة، ورأى أنها على رأس أجندة العمل في مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا "حيث أثَّر توقُّع توريث الحكم ضمن الأسرة على جميع جوانب العملية السياسية". أضف إلى ذلك أن تسمية الخَلَف بهدف خلق الاستقرار ضمن العائلة كما فعل الأسد من توريث السلطة لابنه داخل جمهورية عمرها عشرات السنوات.

يذكر جوزف ساسون في كتابه عن "التسلطية في الجمهوريات العربية" أنه "في الاتحاد السوفييتي على سبيل المثال كان تمجيد الزعيم الأعلى أحد المكونات الراسخة في سياسة الحزب الشيوعي، وبالتالي كان لكلٍ من ستالين (Stalin) وخروتشوف (Khrushchev) وبريجنيف(Brezhnev)  عبادة لشخصهم وإن بدرجات متفاوتة. وعلى نحوٍ مشابهٍ وُرِّثت العبادة في كوريا الشمالية من الأب إلى الابن، والآن إلى الحفيد. من جانبٍ آخر كان تمرير العبادة في تونس الأنجح في العالم العربي. فعلى الرغم من وصول بن علي إلى السلطة عبر انقلابه على بورقيبة سُمح لرموز عبادة بورقيبة،كشارع بورقيبة مثلاً، بمتابعة وجودها تحت الاسم ذاته، إنما سارع بن علي لتأسيس عبادة شخصه الخاصة. أما في سوريا، وبعد موت حافظ الأسدـ، خفت أثر ذلك جداً في البنية المنهجية لمنظومة بشار، إلا أن الأمر تغير لدى اندلاع الانتفاضة. وبالمثل بوسعنا القول إنه لو كان قُدِّر لقُصَيّ حسين أن يخلف صدام لكان صعبًا عليه كثيرًا، خلال السنوات القليلة الأولى على الأقل، تأسيس عبادته بالدرجة ذاتها التي كان يتمتَّع بها والده".

لقد تحول الأسد الأب أو كما أطلق عليه أتباعه "القائد الخالد" ومن ثم الأسد الابن إلى قائد تنسج حوله الحكايات الخرافية والأسطورية كما هي حال مؤسس جمهورية كوريا الشمالية الذي ولد من النور كما تدرس المدارس في بيونغ يانغ.

من المستحيل أن لا ترى صور الأسد مرفوعة على كل الركام الذي دمره فإعادة عبادة الشخصية لبشار جزء من إعادة تأهيله وبناء شرعيته في عيون مؤيديه

واليوم يعاد بناء صورة خيالية لبشار الأسد في المدارس السورية بوصفه القائد الذي انتصر على "المؤامرة الكونية"، ورغم البؤس الذي يعيشه السوريون يوميا تقريبا فإنه من المستحيل أن لا ترى صور الأسد مرفوعة على كل الركام الذي دمره فإعادة عبادة الشخصية لبشار جزء من إعادة تأهيله وبناء شرعيته في عيون مؤيديه، فالخراب الذي تركه لم يكن سببه صحيحا في أنه لا يستطيع ترحيله أو إعادة بناء البلد فهذا ليس مهما، المهم أن تبقى صوره الرمزية في كل مكان.

يذكر ساسون في كتابه أنه تاريخياً ثمة حالاتٌ استمرت فيها هذه العبادة حتى بعد موت الزعيم، وحالة نابليون بونابرت أفضل مثالٍ لذلك، حيث ازدادت عبادته زخمًا بعد موته. وفي التاريخ الحديث ما يزال تعظيم ستالين مستمراً إلى اليوم، وفي إيطاليا ما يزال الإيطاليون يقدمون الولاء لإرث موسيليني لإيمانهم أنه كان يمتلك "الأفكار الأكثر أصالةً". ويوجد في تونس وفرةٌ من علامات الحنين إلى البورقيبيَّة. فخلال حملة الانتخابات البرلمانية أواخر عام 2014 عرض الحزب الفائز، "النداء"، خلال حشده الجماهيري الرئيسي، تسجيل فيديو حول بورقيبة بلغت مدته خمساً وعشرين دقيقةً. إضافةً إلى ذلك حملت كُتيِّبات حزبيَّة كثيرة صورًا له على غلافاتها. ويسود شعورٌ بالأسى في أوساط بعض الشرائح من العراقيين على صدام حسين. فالقاسم المشترك بين جميع الذين يشعرون بالحنين لمستبدٍ ولعبادته يتمثل في الحاجة الماسَّة لرجلٍ قويٍ قادرٍ على حكم البلاد وإرساء الأمن والإيحاء بالثقة لشعبه. شعر الكثير من المواطنين العراقيين خلال الحرب الأهلية المروعة التي اندلعت في العراق عقب غزو عام 2003 بالحنين لعودة قانون ونظام قويَّين.