الأسد بين خيارين.. عراق التسعينيات أو مصير علي عبد الله صالح

2021.01.29 | 00:11 دمشق

thumbs_b_c_536716d87a6a2a50e0f2e55fcf1b4908.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتزاحم العاطفة مع العقل، الواقعية والتمنيات، السياسة والأخلاق، لدى مقاربة ملف كالملف السوري. بالنظر إلى إدارة أميركية راحلة، ومجيء إدارة جديدة، تتشابك في مخيلة أي مراقب قراءات وتصورات وخلاصات لا يمكن أن يصل من خلالها إلى نتيجة واضحة.

ولكن في خلال التفكير بها، يستعيد بذاكرته إعادة تعريف شاملة للسياسة وأصولها، لصراعات الأمم أو لعبتها، والتي غالباً ما تسحق الشعوب. وهذا أكثر ما ينطبق على الإدارات الأميركية المتعاقبة. جورج بوش والذي نظر إليه الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة الأميركية، بأنه فاتح عصره، والذي ضرب لهم صدام حسين، ولوح مراراً بضرب بشار الأسد، وكان شديد "الشراسة" ضد إيران، كانت نتائج حروبه أكثر من عرفت طهران كيفية توظيفها في صالحها، فسيطرت على العراق، وتمكّنت من الاستحواذ على القرار الفلسطيني، عمّقت علاقتها أكثر بالنظام السوري، وورثت عنه دوره في لبنان.

عهد باراك أوباما والذي تأمل فيه المضطهدون، لم يسهم بغير سحقهم، مع الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية معه قد تغيرت من جمهورية إلى ديمقراطية. قضى أوباما على آمال السوريين وعلى أدوار شخصيات مؤثرة في إدارته كوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مثلاً بسبب رفضها لسياق الاتفاق النووي الذي وقعه مع إيران، وكان كثير الحماسة لتوقيعه وإبرامه. استكملت إيران في ولاية باراك أوباما ما أسسته في ظل حروب جورج بوش، مع أوباما أعلنت طهران عن سيطرتها على أربع عواصم عربية، وأصبحت على مشارف السعودية.

قضى أوباما على آمال السوريين وعلى أدوار شخصيات مؤثرة في إدارته كوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون

في ولاية دونالد ترامب الجمهوري النزق، صاحب الطباع الغريبة، كان من البديهي عدم الرهان على الرجل في غير سياق المقاولات وتجارة المال في السياسة، وله الكثير من المواقف في هذا المجال، لم يكن من الوارد الرهان على ما سيقدم عليه ترامب، والذي استخدم أسلوب رجال الأعمال في عمليات الابتزاز سواء لإيران من خلال فرض العقوبات أو العراضات العسكرية، أو ابتزاز دول الخليج مقابل استجرار كبريات القطعات العسكرية للاستعراض فقط، ولم يقدم على خطوة، وهو بنفسه أعلنه أنه عندما كان ينوي اغتيال بشار الأسد ولكن وزير دفاعه حينها هو الذي رفض ذلك، وهذا مؤشر على سياسة الدول العميقة، أو متركزات المؤسسات.

حالياً يأتي جو بايدن، ومخاوف الشعب السوري ومناصري ثورته، تتعاظم من احتمال تكرار تجربة باراك أوباما السوداء، وحقبة إطلاق يد إيران وجماعاتها في سوريا وفي كل منطقة الشرق الأوسط، بلا شك أن هناك مخاوف حقيقية لا بد من التوقف عندها، وقد ترافقنا لأربع سنوات جديدة بهواجسها ومكائدها ولعبة المصالح التي لا تضرب غير الشعوب.

لم تتضح حتى الآن وجهة جو بايدن، وسط تناقضات كبيرة في خلاصات جانب منها يعتبر أن الرجل ومن خلال فريق عمله سيستعيد تجربة أوباما، في حين أن وجهة نظر أخرى تقول إنه لا بد من يصحح الخطايا التي ارتكبها.

واقعياً على الأرض، هناك مؤشرات حول استمرار الدفع باتجاه تكريس الفصل بين القوى الكردية، والنظام السوري، مؤشر المعارك بين الطرفين سيتصاعد، في حين أن طموح الأكراد هو الذهاب إلى ما يماثل الوضع الكردي في العراق، وهم يراهنون بقوة على جو بايدن، كعراب لنموذج تقسيم العراق. كلام وزير الخارجية الأميركية الجديد أنطوني بلينكن كان واضحاً حول الوضع السوري، والتركيز على دعم الأكراد وعدم الانسحاب من سوريا، مقابل اعتماد سياسة متشددة تجاه النظام.

في المقابل، هناك أجواء أميركية تعمل على تشكيل لوبي ضاغط بهدف تغيير السياسة الأميركية تجاه سوريا، وفق مبدأ تخفيف الإجراءات العقابية التي تنعكس على الشعب السوري، لأن الضغط على السوريين لن يؤدي إلى تغيير النظام.

ستتحول سوريا إلى لا دولة خاضعة للحصار على مدى سنوات طويلة، في حين تكون هناك منطقة كردية محصنة. يتحول الواقع السوري اليوم إلى ما يشبه واقع العراق في التسعينيات.

تطورات كثيرة سيشهدها الملف السوري في المرحلة المقبلة، بعض المؤشرات تفيد بأن إيران لن تقدم على أي خطوات في سبيل تنشيط نفوذها أو تحركاتها في سوريا في المرحلة الاولى من إدارة بايدن.

ويقول حزب الله: إن الإدارة الأميركية الجديدة لا تمانع بوجود النفوذ الإيراني ولكن تحت الضابطة الروسية وبما يحفظ مصالح إسرائيل. سيكون بشار الأسد بين منزلتين، أو بين خيار من اثنين، إما الذهاب أكثر باتجاه حميميم والبحث عن العلاقة سراً وعلناً مع إسرائيل، ما قد يدفعه إلى مصير علي عبد الله صالح، أما بحال أصر على البقاء في الكنف الإيراني، لن يجد من يعومه أو من يرفده بأي دعم وبالتالي سيبقى في عزلته في حين يدفع السوريون الثمن طالما أنه لا إجراء سيطاله في قصره.