الأسد المتحور

2021.05.30 | 06:26 دمشق

185732.jpg
+A
حجم الخط
-A

بشار الأسد في الرئاسة الرابعة يختلف عنه في الرئاسات الثلاث السابقة. والفارق الذي لن يطل الوقت حتى يظهر على نحو ملحوظ هو ما بين الرئاستين الثالثة والرابعة. ففي الثالثة عام 2014 كان قد تورط في الحرب على الشعب السوري، وبدأ يخسر مساحات واسعة من سوريا، وتعاظمت قوة داعش، والتي سيطرت على مساحات واسعة من سوريا والعراق، الأمر الذي خلط الأوراق. وفي الدورة الحالية الرابعة يتجه لجني ثمار الحرب، والعمل على ترجمة نتائجها، وكانت الإشارة الأولى إلى ذلك التصويت من مدينة دوما التي ارتكب فيها ثاني أهم مجازره الكيماوية في عام 2015 وسقط فيها 110 قتلى. وأراد من ذلك أن يوجه رسالة قوية للداخل والخارج يكشف فيها عن الوجه الجديد الذي سيرافقه في الولاية الرابعة، وجه مجرم الحرب الذي فرض نفسه رئيسا على جزء من السوريين رغم رفض أغلبية السوريين له، والتشكيك بشرعية انتخاباته من قبل قوى دولية مثل الولايات المتحدة، وبعض دول أوروبا المؤثرة، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا.

أي بحث يتعلق بمصير الأسد من الآن فصاعدا، سيكون على أسس جديدة ومختلفة

تفاوتت مستويات ردود الفعل على الأسد في انتخابات الدورة الرابعة، ويمكن لنا أن ندرجها في ثلاثة. الأول هو التشكيك بشرعيتها من قبل الدول الغربية الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والثاني هو الصمت والترحيب الضمني، كما هو حال أغلبية الدول العربية. والثالث هو الترحيب من قبل روسيا وإيران، الراعيتين الفعليتين اللتين استثمرتا في جرائم النظام ووفرتا له التغطية السياسية والدعم المادي من موقع الشريكتين، وهو ما يرتب عليهما أعباء كبيرة في المرحلة المقبلة من أجل إعادة تأهيله وتسويقه من جديد. وهذه لن تكون مهمة سهلة في جميع الأحوال ولكنها لن تكون مستحيلة. وإلى حين إجراء الانتخابات كان الرهان ممكنا على تسوية ما يتم فيها إبعاد الأسد من خلال عملية سياسية ضمن تفاهم دولي وإقليمي، ولكن هذا الاحتمال بات بعيدا، وأصبح خلفنا، وأي بحث يتعلق بمصير الأسد من الآن فصاعدا، سيكون على أسس جديدة ومختلفة، ترتبط قبل كل شيء بموازين قوى دولية وإقليمية خاضعة للترتيبات التي يعمل من أجلها المحور الروسي الإيراني، ولا تلقى معارضة فعلية من أميركا وأوروبا.

وإذا أمعنا النظر في الوضع العربي المحيط بسوريا، فإننا لن نجد سوى استمرار العجز والاستنكاف عن لعب دور فاعل في المسألة السورية، يقود إلى إنتاج معادلة يتم فيها استعادة الملف السوري من أجل التوصل إلى تسوية سورية تحفظ وحدة سوريا، وتضع حدا لطموح الأسد في عودة قريبة إلى الجامعة العربية كخطوة أولى نحو استعادة الشرعية المفقودة، بل إن الحال العربي الراهن يلعب لصالح الأسد، فالدول العربية الأساسية مثل مصر والسعودية والمغرب والجزائر والعراق تميل إلى فتح أبواب الجامعة أمام الأسد، وهناك دول أخرى تنادي وتعمل علانية من أجل ذلك مثل الإمارات وسلطنة عمان وتونس والسودان، وبالتالي فإن الكفة تميل لصالح رفع الحظر الذي جرى فرضه على النظام عام 2012 من خلال تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية.

في حال اتفاق واشنطن وطهران، فإن وضع الأسد سوف يصبح مرتاحا مثلما كان عليه بعد اتفاق إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عام 2015

وعلى العموم هناك أربعة عوامل أساسية تتحكم بالموقف وتشكل مفاتيح وعقد تعويم الأسد. الأول يرتبط بالمفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني، والتي تسارعت وتقدمت بصورة ملحوظة في الشهرين الأخيرين. وبات من المرجح التوصل إلى اتفاق نهائي في غضون الأشهر المقبلة ما لم تحصل تطورات تقلب الطاولة. وفي حال اتفاق واشنطن وطهران، فإن وضع الأسد سوف يصبح مرتاحا مثلما كان عليه بعد اتفاق إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عام 2015، حين أفرجت الولايات المتحدة عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمدة. وإذا بدأت مرحلة جديدة من رفع العقوبات عن إيران سيكون الأسد من بين أكبر المستفيدين من ذلك. والعامل الثاني مرهون بالتفاهمات الروسية الإسرائيلية من حول جنوب سوريا وحضور إيران القوي هناك. وهذا أمر يتوقف على قدرة موسكو للضغط على إيران من أجل القبول بترتيبات أمنية لطمأنة إسرائيل، وهو ليس بالصعب كثيرا في حال نالت طهران قسطا مجزيا من الصفقة. والعامل الثالث يتعلق بشمال غربي سوريا. وتبقى هذه المنطقة رهن التفاهمات الروسية التركية، وبعد مواجهات عسكرية مديدة في عامي 2019 و2020 هدأت الجبهات، وبقيت عدة مسائل معلقة منها وضع هيئة تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب، والتي تسيطر على مساحات واسعة من محافظة إدلب وريف حلب، ولا يمكن تسوية هذه المشكلة من دون تفاهم يرضي تركيا التي تحتفظ بقوة عسكرية كبيرة في هذه المنطقة، وهي على تحالف مع الجيش الوطني المشكل من بقايا فصائل الجيش الحر، ويتجاوز تعداده 100 ألف مقاتل.

أما العامل الرابع، فهو يتلخص بسيطرة قوات سوريا الديموقراطية على ثلث مساحة سوريا في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور بدعم أميركي عسكري وسياسي، وفي الوقت ذاته هناك دور كبير لتركيا في هذه المنطقة، وفي هذه الحالة يستدعي الأمر اتفاق النظام مع قسد، وهذا ليس بالأمر الصعب، إلا أنه يحتاج إلى ضوء أخضر أميركي، وتفاهم أميركي تركي يقدم ضمانات لأنقرة.

إن الانتخابات التي وصفتها أوساط سورية معارضة ودولية بأنها مسرحية هزلية هي أخطر من ذلك بكثير، لأنها مقدمة لإعادة إنتاج الأسد في غياب موقف دولي، ومباركة عربية، وعجز سوري.