الأسد.. التطبيع والوقت الضائع

2021.11.18 | 04:56 دمشق

alnzam-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

عشرون سنة عمر بشار الأسد على رأس النظام السوري. يمكن تقسيمها إلى أربع مراحل. المرحلة الأولى كانت في البداية والتي ادعى فيها أنه يريد سلوك خطّ الإصلاح والتطوير والتقدم في سوريا مع تعهد بتوسيع هامش الحرية السياسية. مرحلة سرعان ما انفضح زيفها بذهاب الأسد أكثر إلى جانب إيران والانخراط بمشروع ضرب الحواضن العربية، والذي بدأ بعد اجتياح العراق، اغتيال ياسر عرفات، واغتيال رفيق الحريري.

هنا كانت بداية المرحلة الثانية من عمر الأسد السياسي، في عزلة عربية وغرق أكثر في المشروع الإيراني، الذي بدأت معالم فك العزلة عنه أيام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انطلاقاً من نزعة أقلوية استشراقية في المقاربة السياسية للوضع في منطقة الشرق الأوسط، وتزامنت مع استقبال باريس لمؤتمر سان كلو لبحث ملف لبنان والذي تحدثت فيه عن الذهاب إلى المثالثة في النظام اللبناني بدلاً من المناصفة، ساهمت حقبة نهاية ولاية جورج بوش ومجيء باراك أوباما وتسارع خطا المفاوضات الإيرانية الأميركية بفرض وقائع جديدة أدت إلى انفتاح عربي جديد على الأسد مقابل انتزاعه من الحضن الإيراني.

سرعان ما باءت المحاولة بالفشل، فسقطت هذه التجربة السياسية مع اندلاع الثورة السورية والتي تجلّت فيها مرحلة دموية الأسد وشراسته في الذهاب إلى تهجير السوريين وسحقهم وقتلهم في أبرز تجليات النزعة الأقلوية، مرتكزاً على معركة التخويف المذهبي والطائفي واستنفار العصبيات. فكانت سياسته سبباً لإعادة إحياء عهد الانتدابات في سوريا، من خلال بروز قوى متعددة تتمتع بالسيطرة على مساحات جغرافية واسعة من الأراضي السورية، لينتفي بموجب سياسته أي مفهوم للسيادة. حوّل الأسد في هذه المرحلة سوريا إلى حقل تجارب للأسلحة، وساحة تجاذب لاختبار آلية توزيع مناطق النفوذ في سوريا بين قوى دولية وإقليمية متعددة. وسط سياسة دولية واضحة تتناغم مع سياسة التوسع الإيراني وتهجير السكان الأصليين. 

يعتقد بعض المتوهمين اللبنانيين بأن محاولات إعادة علاقات الأسد العربية ستكون ممهدة لإعادة نفوذه إلى لبنان بقوة عربية روسية

في هذه المرحلة بلغت إيران أوج قوتها في المنطقة، فكانت سوريا الدولة الثالثة التي تسقط في قبضتها بشكل شبه كامل بعد لبنان والعراق، في حين كانت إيران تسجل الاختراقات في الساحة الفلسطينية يوماً بعد آخر. بعد سقوط هذه الدول في يد إيران وعلى مرأى من العالم، ركزت طهران معركتها باتجاه دول الخليج العربي وتحديداً المملكة العربية السعودية، مشبعة بكل ما توافر من حقد تاريخي هدفه فتح معركة الصراع على مكة، فكانت حرب اليمن كرد على انتقال إيراني استراتيجي إلى فتح المعارك على حدود المملكة العربية السعودية واستهداف الأمن القومي السعودي. هذه التجربة حتماً ماثلة أمام أنظار السعوديين الذين يعتبرون أنه بتراجعهم في لبنان وسوريا والعراق تمكنت إيران من فتح المعارك على الحدود السعودية. كان نتاج هذه السياسة، ربطاً بالسياسة الأميركية الواضحة في الوصول إلى تفاهم مع إيران من دون البحث بنفوذها الإقليمي، هي الدافع الأساسي لكثير من الدول العربية للتفكير بإبرام اتفاقات السلام مع إسرائيل. ومعلوم أن أي اتفاق مع إسرائيل سيكون له نتائج تتعلق بتصغير الكيانات جغرافيا انسجاماً مع صغر الكيان الإسرائيلي، ومع انكسار سياسي للقوة الديمغرافية الأكبر في المنطقة من خلال تمكين إسرائيل من إعلان قومية ويهودية الدولة، وكانت سوريا المسرح الأمثل لافتتاح هذا العصر. 

حالياً دخل الأسد في مرحلة جديدة، عنوانها محاولات إعادة تعويمه انطلاقاً من وجهة نظر استعادته من الحضن الإيراني، وانطلاقاً أيضاً من الرهان على الانسحاب الأميركي من منطقة الشرق الأوسط، في حين تلجأ بعض الدول العربية والخليجية إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع روسيا لزيادة منسوب النفوذ، وهنا يعتقد بعض المتوهمين اللبنانيين بأن محاولات إعادة علاقات الأسد العربية ستكون ممهدة لإعادة نفوذه إلى لبنان بقوة عربية روسية، في حين تتمكن روسيا من الاحتفاظ بنفوذ داخل لبنان بقناع الأسد. 

أثبتت التجارب السياسية التاريخية أن من يمر في مثل هذه المراحل المتضاربة والمتقلبة، فوق ركام بلاد وعلى أشلاء ضحايا، لا يمكن له أن يستمر ولا مجال لإعادة تعويمه، إنما تكون الغاية من التواصل معه هي الإمعان في استخدامه أكثر لتمرير مشاريع لا يكون أحد غير قادر على تمريرها، سواء بطرح فكرة الهدنة مع إسرائيل أو التطبيع أو إيجاد تسوية حول الجولان، أما فيما يتعلق بتمرير خطوط النفط والغاز والكهرباء. وحتى لو كانت إيران تحاول الاستفادة من الأسد تارة في مواجهة العرب وطوراً في محاولة للاستفادة منهم، فإنه سيجد نفسه في النهاية أمام مصير قاتل كما كان الحال بالنسبة إلى الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.