"الأزمة السورية" وتداعيات الحرب الأوكرانية

2022.11.25 | 07:03 دمشق

الغزو الروسي لأوكرانيا وهامشية المعارضة السورية
+A
حجم الخط
-A

كغيرنا من الغرقى والمتخمين بالغرق حتى نقي عظامنا، نتمسك نحن السوريين بأي قشة تلوح في الخيال، وليس في الأفق وحسب، ونسعى لترميم الأمل الذي تغتاله كل التفاصيل المتوافرة في المشهد البائس، الذي يتبدى كل ساعة بوضوح قاتل، ليست المسألة ضعف روسيا ولا اشتعال الأزمة في الداخل الإيراني، ولا الانتخابات الأميركية المقبلة.

واليوم يحق لنا اليوم كسوريين أمضينا عقداً ونيفاً في حمأة صراعات شتى، تدور على أرضنا وتقتات من شبابنا ونسائنا وأطفالنا وأحلامنا، وتدمر عمراننا وحاضرنا وتمسك بأفق مستقبلنا، يحق لنا أن نقول: إنّ حقيقة ما يحدث في العالم لن يكون لها تأثير مباشر على الأزمة السورية، إلا بدفعها لدرجة أدنى في مستنقع الإهمال والتهميش، إضافة لما تنتجه تلك الأزمات الدولية من ارتفاع مخيف في الأسعار، وعجز في توفر الدواء والمواد الغذائية الأساسية، الأمر الذي سيكون له انعكاس كارثي على الدول الأشد فقراً وفي مقدمتها سوريا.

منذ بدايات الثورة كانت الإرادة الأميركية، وهي مفتاح الحل وبيضة القبان في كل الأزمات التي تدور حولنا، تعمل وبحرفية عالية على استمرار الأزمة السورية في حيز "لا غالب ولا مغلوب"

قد يتوهم بعضنا أن التدخل الروسي في الأزمة السورية، جرى بقرار روسي فردي، في إطار تعزيز روسيا لوجودها في الشرق الأوسط، وهذا برأيي فهم كذّبته الأحداث والتصريحات، فلم يكن للروس الغارقين في مشكلاتهم الداخلية أن يتخذوا هذا القرار لولا التفويض الأميركي غير المعلن، ومنذ بدايات الثورة كانت الإرادة الأميركية، وهي مفتاح الحل وبيضة القبان في كل الأزمات التي تدور حولنا، تعمل وبحرفية عالية على استمرار الأزمة السورية في حيز "لا غالب ولا مغلوب"، وهي من وزّعت الأدوار أو أتاحتها للمتداخلين في تلك الأزمة، وفي مقدمتهم روسيا وإيران، وهي من تتحكم في كل تفصيل جرى ويجري على الأرض السورية.

وشهدنا سابقاً كيف أدارت ملف السلاح الكيماوي، الذي ما زال يرتكب المجازر من مجزرة الغوطة 2013 إلى اليوم، في الوقت الذي كان ربع هذا الملف كافياً لإسقاط أي نظام في العالم، وشهدنا كيف يهزأ نظام في منتهى الهشاشة بالخطوط الحمراء لأوباما رئيس الدولة الأكبر في العالم، وسنعلم في ما بعد من تصريحات متكررة من قادة أمريكان، أنها لم تكن أكثر من مسرحية سمجة خدع بها الشعب السوري.

لقد تم تنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة في العراق وسوريا على التوالي، وتم احتجاز الثورة السورية في هذا الحيز الضيق، عبر تلزيمها لفصائل غوغائية لا تملك الحد الأدنى من التنظيم، والانضباط اللازم للعمل العسكري، ولقواد فصائل وممثلين سياسيين "نظرياً" لم يكونوا إلا أجراء لهذا المشروع بعلم أو جهل منهم، لكنهم بالمحصلة لم ينجزوا من مشروعهم الثوري إلا ثروات لم يكونوا يملكون عشراً منها حين أعلنوا الهجرة إلى الله.

  • لقد ساهمت الولايات المتحدة وبشكل مباشر وواضح، في تسليم الملف السوري برمته للإدارة الروسية، وتم تمييع المسألة السورية عبر لقاء سوتشي واللجنة الدستورية، وجولات أستانا المثيرة للضحك، فبدءا من عام "2015" وحتى اليوم أي خلال سبع سنوات كاملة شهدنا لمباحثات أستانا 18 جولة، ويجري الاستعداد خلال أيام للجولة الـ19، دون أن نخرج من ذلك جميعاً إلا ببضع بيانات وأمنياتٍ فارغة، وبينما يستمر الطيران الروسي بقصف المدنيين حتى يومنا هذا، ما زالت مباحثات أستانا تتحاور بشكل ودي حول
  •  أن يضمن الدستور توزيعاً عادلاً للثروات والموارد في الدولة السورية.
  • إلزامية التعليم في سوريا حتى سن الـ18 سنة.
  • أن يقر الدستور السوري المستقبلي بالحقوق القومية لكل المكونات السورية.
  • ضمان الدستور الإشراك الفعلي للمهجرين والمغتربين والنازحين السوريين في الحياة السياسية.
  • يحق لكل سوري حاصل على الجنسية السورية بعد 10 سنوات أن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية وعضوية البرلمان.

كل هذا الهراء وإضاعة الوقت، وكسب المزيد لصالح الروس وربيبهم نظام الأسد، يجري برضى الولايات المتحدة، بذريعة أنها ستدفع بالروس للغرق في المستنقع السوري، وهذا مزعم تكشف سذاجته مئات الوقائع، فالروس لم يغرقوا بالمستنقع السوري، وحجم قواتهم التي تحمي نظام الأسد من السقوط، لا يشكل وزناً عسكرياً ذا قيمة مقارنة بحجم الجيش الروسي، فتعداد القوات الروسية في سوريا لم يتجاوز ستين ألف جندي، شطر كبير منهم يعمل كشرطة عسكرية أو في الدعم اللوجستي، بينما يتجاوز الجيش الروسي اليوم  ثلاثه ملايين ونصف المليون، إضافة إلى مليوني جندي في الاحتياط يمكن استدعاؤهم بزمنٍ قصيرٍ جداً، فماذا يضيف أو ينقص 60 ألفا؟

إن الآمال المتعلقة بضعف الروس عسكرياً واضطرارهم لسحب قوتهم العسكرية من سوريا آمال واهمة، فالقوات الروسية في أسوأ أحوالها ستقلل من حجم هجومها المتكرر، لكن هذا الأمر لن يغير في موازين القوى، لغياب أية قوة مكافئة في الطرف المقابل "قوى المعارضة" مؤهل للإفادة من هذه الفرصة، وكما هو واضح في التفاصيل السورية هناك تفاهم وتواطؤ روسي أميركي إسرائيلي، يفوض الروس بالحفاظ على نظام الأسد لمدى أهمية بقائه لدولة إسرائيل وحماية حدودها، ولن تغامر إسرائيل ولا أميركا بالعبث بهذا الثابت الذي استمروا بدعمه طيلة عقود.

لقد أفاد الروس خلال سبع سنوات مضين من إيجاد مسرح عمليات آمن يجرون فيه اختباراتهم وتجاربهم على سلاحهم الرديء، للاستمرار في تطويره وتسويقه، لهذا لن تفكر روسيا أبداً بالتخلي عن هذا المختبر الحي، الذي يتعذر توفير بديل مجاني عنه.

ستمارس روسيا دور الإفساد الدبلوماسي، باستهدافها جهود الإغاثة الإنسانية. فقد استعملت موسكو حق الفيتو وقيدت مساعدات الأمم المتحدة بمعبر واحد. وسينتهي مفعول قرار الأمم المتحدة بهذا المعبر في تموز/يوليو، وبفضل التوترات الحاصلة مع دول الإتحاد الأوروبي، من المرجح أن تعيق موسكو تجديد القرار بفتح هذا المعبر، الأمر الذي سينعكس بآثار كارثية على الحياة في سوريا، وعلى مستوى الاحتياجات الغذائية والطبية بالدرجة الأولى.

لا توجد رؤية واضحة إلى أين ستسير الحرب الروسية في أوكرانيا، لكن من الواضح أن التداعيات على بلد ضعيف ومهلهل مثل سوريا، ستكون نتائجها سيئة للغاية، ففي أفضل السيناريوهات المتخيلة أو المشتهاة عالمياً، أن يندحر الجيش الروسي على أعتاب أوكرانيا..

لا توجد رؤية واضحة إلى أين ستسير الحرب الروسية في أوكرانيا، لكن من الواضح أن التداعيات على بلد ضعيف ومهلهل مثل سوريا، ستكون نتائجها سيئة للغاية، ففي أفضل السيناريوهات المتخيلة أو المشتهاة عالمياً، أن يندحر الجيش الروسي على أعتاب أوكرانيا، "وهذا عكس ما يوحي به تصريح الرئيس الأميركي بايدن، منذ أيام: "لا سبيل لحل الأزمة الأوكرانية دون انسحاب القوات الروسية"، هذا يشبه بالضبط ما قاله الرئيس أوباما عن نظام الأسد منذ سنوات: "لا سبيل لحل الأزمة السورية إلا برحيل الأسد"، بينما كان في حقيقة الأمر يثبت له أقدامه ويدعم بقاءه، لكن في أفضل السيناريوهات لو خسر الروس معركتهم فإنهم يلوحون بخيار شمشون "عليّ وعلى أعدائي" وحينها سيكون العالم في شغل شاغل عن أزمة سوريا في رقعة ضيقة من العالم لا يأبه بها أحد.