اكتمال مهزلة انتخابات الأسد

2021.05.31 | 06:24 دمشق

4202118103838718.jpg
+A
حجم الخط
-A

استكمل نظام الأسد فصول مهزلة انتخاباته الرئاسية بإعلان رئيس مجلس المصفقين للنظام، المسمى زوراً مجلس الشعب، حمودة الصباغ، عن فوز بشار الأسد بنسبة 95.1% من الأصوات، بالرغم مما أثارته من رفض واستنكار غالبية السوريين واستهجان المهتمين بالشأن السوري، إلى جانب الرفض الدولي الواسع بالنظر إلى عدم نزاهتها وشرعيتها، وعن كونها جرت في ظل الأوضاع الكارثية التي ألمّت بسوريا نتيجة ممارسات ونهج النظام واستمرار معاناة السوريون، سواء في الداخل المقسم أم في بلاد اللجوء والشتات، مما ارتكبه النظام من مجازر وجرائم بحقهم، وتشريد أكثر من نصف سكان سوريا من أماكن سكنهم، ما بين نازح ولاجئ، وقتل مئات الآلاف منهم إلى جانب مئات آلاف المعوقين والمشوهين والمعتقلين، والدمار والخراب الهائل الذي لحق بمعظم المدن والبلدات والقرى السورية.

لا يعقل أن يصوت أكثر من 14 مليون سوري في هذه المهزلة الانتخابية

ولم تختلف المهزلة الانتخابية هذه المرة عن سابقاتها التي اعتاد إجراءَها نظامُ الأسد بنسختيه، الأب والابن، حيث أعدّتها وأخرجتها أجهزة النظام الأمنية والتشبيحية، وبرعاية وإسناد كاملَين من طرف حلفاء النظام في النظامَين الروسي والإيراني، وبالتالي ليس جديداً القول إنها كانت مفبركة ومقصودة، وإنها شكلت مهزلة بجميع فصولها، كونها لا تفترق عن سائر المهازل الانتخابية لهذا النظام، ليس فقط من حيث أنها كانت معروفة النتيجة قبل أن تجرى، ومحسومة سلفاً لصالح رأس النظام، بل لأن نظرة بسيطة على الأرقام والنسب المعلنة تبيّن مدى التزوير والفبركة التي طالتها بشكل فاضح، فقد أعلن رئيس برلمان النظام، أن الأسد حصل على 13 مليوناً و540 ألفاً و860 صوتاً، أي ما نسبته 95.1 % من عدد الأصوات الصحيحة، في حين أن المرشح محمود مرعي حصل على 470 ألفاً و276 صوتاً، بنسبة 3.3 % من الأصوات، والمرشح عبد الله عبد الله حصل على 213 ألفاً و968 صوتاً بنسبة 1.5 %، أي أن إجمالي عدد المصوتين في داخل سوريا وخارجها، وصل إلى أكثر من 14 مليوناً و239 ألف ناخب من أصل 18.1 مليون شخص يحق لهم الانتخاب، بنسبة مشاركة وصلت إلى 78.64 %.

ولا يعقل أن يصوت أكثر من 14 مليون سوري في هذه المهزلة الانتخابية، لأن تقديرات عديدة تشير إلى أن الإجمالي المفترض لتعداد السكان السوريين في عام 2021، لا يتجاوز 26 مليوناً، بقي منهم في سوريا نحو 16.5 مليون سوري، يتوزعون ما بين مناطق سيطرة النظام والمناطق الخارجة عن سيطرته، بحيث لا يتجاوز عدد السوريين في مناطق سيطرة النظام 9.4 ملايين، في حين أن عددهم في مناطق سيطرة فصائل المعارضة في مناطق شمال غربي سوريا يصل إلى أكثر من 4 ملايين سوري، أما في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" شمال شرقي سوريا فيبلغ عددهم نحو 3 ملايين سوري. كما أن هنالك أكثر من 3.5 ملايين سوري في تركيا ولم يشاركوا في المهزلة الانتخابية، فضلاً عن ملايين آخرين في بلدان اللجوء والشتات لم يشاركوا كذلك. يضاف إلى ذلك المقاطعة الواسعة لأهالي المنطقة الجنوبية في سوريا ورفضهم المشاركة في المهزلة الانتخابية الأسدية، وخاصة في محافظة درعا، حيث خرجت مظاهرات رافضة لها في مختلف أنحائها، وانتشرت دعوات لمقاطعتها في معظم مدنها وبلداتها، ووصل الأمر إلى شن هجمات على بعض المراكز الانتخابية قبل انطلاق عمليات التصويت، الأمر الذي أجبر النظام على إغلاق بعضها.

وإذا ألقينا نظرة على النسبة المئوية التي زوّرتها وفبركتها أجهزة النظام لإعلان فوز الأسد، وبلغت 95.1%، نجد أنها تفوق النسبة التي قيل إنها بلغت 88.7% في عام 2014، والتي كانت لافتة في انخفاضها مقارنة بالنسب التي اعتاد النظام الأسدي فبركتها، حيث كانت قرابة 97 % في عام 2007، ونحو 99.7 في استفتاء عام 2000 بعد توريثه الحكم إثر والده، الذي منحته فبركات نظامه نسبة 100% في عام 1985، والنسبة ذاتها في عام 1999، و99.9% في عام 1991، وكذلك في عام 1978.

وكان الإكراه سيداً في الحثّ والدفع باتجاه استكمال مهزلة الانتخابات الأسدية، حيث أبلغت سلطات النظام وأجهزته الأمنية جميع الموظفين والعاملين في دوائر الدولة وقطاعاتها بضرورة مشاركتهم، فضلاً عن عمليات التزوير الواسعة التي أظهرتها فيديوهات مسرّبة من أماكن عدة في الداخل السوري، لكن ليس ذلك فقط ما ميزها، بل الصفاقة المنقطعة النظير التي وسمت كل فصولها، إلى جانب الإذلال الذي طال المؤيدين كي يظهروا مزيدا من الولاء والانصياع لإرادة النظام الأسدي الديكتاتوري، وتجديد تأكيدهم أو تمثيلهم للولاء المطلق له. ووصلت الصفاقة إلى حدّ قيام رأس النظام الديكتاتوري بتمثيل مشهد الإدلاء بصوته في مدينة دوما، بوصفها كانت أحد أهم معاقل الثورة، وإحدى البلدات التي ارتكب فيها واحدة من مجازر الكيماوي، والأنكى من ذلك ما تشدق به في خطابه الفاشي بعد اكتمال مهزلته الانتخابية.

تمتد أهداف النظام من مهزلته الانتخابية لتطاول مسألة توفير ذريعة للنظام الروسي، الذي لا يفترق عن نظام الأسد في عدائه للديمقراطية

ولا تنحصر أهداف النظام من مهزلته الانتخابية الرئاسية في محاولة استرجاع شرعيته المفقودة في الداخل والخارج، فهو يدرك تماماً أنه يفتقدها، وهو بالأصل لم يكن يمتلكها منذ قيام الأسد الأب بانقلابه العسكري عام 1970، لذلك تتجاوز أهدافه مسألة الشرعية إلى ضرب أي ممكنات لحل سياسي، والأهم هو سعيه إلى تجديد وتوسيع قاعدة الموالين له، وإخضاع كل من يسكن في مناطق سيطرته لسطوته، عبر إظهارهم مختلف أشكال وطقوس الطاعة له، بوصفها نظاماً ديكتاتورياً قائماً على أنتاج ما سمّته، ليزا وادين، المطاوعة، (أي فرض الطاعة) من خلال المشاركة الإجبارية في أشكال الامتثال الزائفة الجليّة، سواء لأولئك الذين يخترعون المظاهر أم لأولئك الذين يستهلكونها.

وتمتد أهداف النظام من مهزلته الانتخابية لتطاول مسألة توفير ذريعة للنظام الروسي، الذي لا يفترق عن نظام الأسد في عدائه للديمقراطية، كي يتشدق ساسته بديمقراطية نظام الأسد، ويحاولون الذودَ عنها أمام ساسة الغرب الذين اعترضوا على مهزلته، ولن يجد الساسة الروس حرجاً في تكرار أكاذيبهم ومقولاتهم عن ديموقراطية وتنافسية انتخابات الأسد، بل سيدعون الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية كي تتعلم من نظام الأسد كيفية إجراء انتخابات ديمقراطية لديها.