استخلاصات إسرائيلية في الذكرى العاشرة للثورة السورية

2021.03.22 | 05:53 دمشق

20180409112603263.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد مرور عقد كامل على اندلاع البدايات الأولى للثورة في سوريا، فإن كل النبوءات التي أطلقتها أجهزة المخابرات الغربية، ومنها إسرائيل، لم تجد طريقها للتحقق على الأرض، ما يفسح المجال لاستخلاص جملة من الدروس الإسرائيلية من هذه الأحداث.

أول هذه الدروس أنه بعد فترة وجيزة من اندلاع الانتفاضة في درعا جنوبي سوريا، قبل عشر سنوات، تنبأت المخابرات في الغرب برحيل بشار الأسد عن السلطة خلال فترة وجيزة، حتى إن كبار المسؤولين في إسرائيل أمهلوه بضعة أسابيع على الأكثر لحزم أمتعته، والسفر لطهران ليقضي بقية حياته.

بعد عقد من هذه النبوءات، فلا يزال الأسد موجودا، رغم أنهار الدم التي سكبت في بلاد الشام، والدمار والخراب الذي لحق بها، ولذلك يمكن تعلم العديد من الدروس مما أصبح يعرف بالربيع العربي، وعلى رأسها الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي، الذي لم يقم بتقييم الوضع السوري بشكل صحيح، لأن تحليل الاستخبارات للموقف وفقا للتطورات الميدانية قد يعمد إلى إغفال التقييم الدقيق، وفي المقابل يميل التحليل الاستخباراتي للتطورات السرية إلى فهم الواقع بشكل أفضل.

الدرس الثاني يتمثل بفشل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في إظهار القوة والتصميم في مواجهة استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، شكل نافذة واسعة جدا لدخول روسيا إلى الساحة السورية، وهي التي طالما طمحت بوصول "المياه الدافئة" للبحر المتوسط، ورأت أن الطريق ممهد أمامها، ويبدو أنها لن تغادر في وقت قريب، رغم أن إسرائيل قررت أن تبتعد عما يحدث لجارتها الشمالية، ولكن ليس لفترة طويلة.

الدرس الثالث الذي تستخلصه إسرائيل من الثورة السورية في ذكراها العاشرة هو تقوية حزب الله في لبنان، وتأسيس الوجود الإيراني في سوريا، ما أدى إلى نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بين حين وآخر مع سوريا وإيران وحزب الله.

الدرس الإسرائيلي المهم الرابع يشير إلى أن الأسد الآن يسيطر على ثلثي مساحة الدولة السورية، بمساعدة حزب الله وإيران والروس، وبات مدينا لهم، لكنه في الوقت ذاته تخلى فعليا عن السيطرة على حدود سوريا، وأصبحت 20٪ من حدودها البرية والبحرية تخضع لسيطرة جهات أجنبية، ورغم ذلك، فإن سيطرة الأسد على بقية سوريا تسمح له بالبقاء لفترة طويلة، حيث تم إنشاء مناطق نفوذ بحكم الأمر الواقع، مع استقرار نسبي، دون وجود حل للأزمة القائمة.

روسيا لا تريد إيران أو حزب الله أو تركيا في سوريا، بل تسعى لأن تكون حصرية هناك، وهذا أمر مدهش أن نرى مدى تطابق المصالح الروسية مع المصلحة الإسرائيلية

الدرس الخامس يتمثل في أن إسرائيل على عكس كل اللاعبين الآخرين في سوريا، فلديها اعتبارات خاصة، وباستثناء الوجود الروسي، فإن جميع اللاعبين الآخرين في سوريا معادون لإسرائيل، لذلك ظهر سلوكها مميزا؛ وليس مقتصرا على مجرد هجمات عسكرية فقط، بل الاتصالات الدبلوماسية في القنوات الهادئة أيضا، ولعل موسكو هي الأفضل لذلك.

في النهاية، فإن روسيا لا تريد إيران أو حزب الله أو تركيا في سوريا، بل تسعى لأن تكون حصرية هناك، وهذا أمر مدهش أن نرى مدى تطابق المصالح الروسية مع المصلحة الإسرائيلية، في ظل أن الخط الساخن بين تل أبيب وموسكو موجود، ما يتطلب من إسرائيل التكثيف من استخدامه.

فضلا عن تلك الدروس الإسرائيلية من الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية، فقد اعتبرت محافل عسكرية إسرائيلية، أن مرور هذه السنوات العشر، أثبتت فشلا في التنبؤ الاستخباري فيما يتعلق بسوريا، ما تسببت بحرج شديد داخل إسرائيل، لأن أياً من أجهزة مخابراتها، لم تستطع توقع الأحداث الداخلية والمفاجئة في سوريا، فضلا عن الحرب التي استمرت لسنوات عديدة.

من الناحية العملية، حطمت الانتفاضة الشعبية في سوريا تصور إسرائيل للأمن، ففي البداية، على ما يبدو، كان يأمل الإسرائيليون أن تهدأ الاحتجاجات في سوريا كما بدأت، لكن سرعان ما اتضح أن الواقع أكثر تعقيدًا، وزاد عدد اللاعبين والمصالح في سوريا مع مرور الوقت.

بعد الصدمة الأولية، ساد الرأي في قيادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، في ما عبر عنه وزير الحرب إيهود باراك بأن زمن حكم الرئيس السوري بشار الأسد بات محدودا، وأن سقوطه مسألة وقت فقط، لكن إسرائيل احتاجت إلى وقت طويل لصياغة سياستها تجاه سوريا، وبدا لفترة طويلة أنها لا تجري التعديلات اللازمة.

من الأمثلة البارزة على ذلك، أن قوات الجيش الإسرائيلي واصلت التدرب على غزوات الجيش السوري الذي لم يعد قائما، في حين استمرت الجاهزية الأمنية على طول الحدود، بزعم أنها مهددة بخطر لم يعد موجودا من الناحية العملية، فضلا عن جمع أخبار ومعلومات استخبارية عن تهديدات جديدة على شكل مسلحين مختلفين على حدودها، بما في ذلك داعش وجبهة النصرة.

أجرى القادة الإسرائيليون على الأرض، مباحثات مكثفة للتعرف على واقع الفوضى العارمة في قيادة المنطقة الشمالية العليا، وحاول مسؤولو الجيش الإسرائيلي تنظيم المنطقة، كي يساعد، من بين أمور أخرى، في تدفق المعلومات الاستخباراتية.

لكن ما يثير استياء إسرائيل أن حزب الله يخوض عملية إعادة تأهيل الجيش السوري بشكل أساسي من خلال هيئة تُعرف بـ"القيادة الجنوبية"، تساعد السوريين على التعافي، وجلب مواردها لهذا الغرض، والخوف الإسرائيلي من محاولة حزب الله فتح جبهة أخرى ضد إسرائيل على الحدود السورية، دون إغفال أن هناك توترًا كبيرًا عبر الحدود بين روسيا وإيران، وكل منهما معنية بتعزيز نفوذها وتعزيز مصالحها في سوريا.

الخلاصة الإسرائيلية أن الاستقرار في سوريا غير مضمون لفترة طويلة، وليس هناك شك في أن سوريا بأكملها، والمنطقة القريبة من الحدود خصوصاً، ستظل منطقة غير مستقرة ومنكوبة لسنوات عديدة قادمة، لذلك فإن التنبؤ بالأحداث، القريبة أو البعيدة، يميل في النهاية إلى الصفر بالنسبة للاستخبارات الإسرائيلية.

تأتي هذه الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع الثورة السورية مع ما استمرار الهجمات التي يشنها سلاح الجو الإسرائيلي على الأراضي السورية، دون أن تكترث دولة الاحتلال بـأي ردود قادمة، أو موجة، ولعل الهجوم الأميركي الأخير على الحدود العراقية السورية منح هجماتها "مشروعية" كانت بحاجتها، لا سيما في عهد الإدارة الأميركية الجديدة.

لقد حاز التوتر الأمني والعسكري على الجبهة السورية على تغطية الإعلام الإسرائيلي، مع ارتفاع مستوى الهجمات الإسرائيلية، وانخفاض مستوى الرد الإيراني والسوري عليها، إن حصل فعلًا، ما يؤكد أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على سوريا يمكن عدّها معركة حاسمة، لا سيما أنها ارتفعت في الأسابيع الأخيرة خطوة إضافية في ضوء الهجوم الأميركي على الحدود السورية العراقية، ما يوصل العملية الإسرائيلية المستمرة في سوريا إلى مفرق طرق.

هذا المفرق تنظر إليه إسرائيل على أنه استمرار لهذه الهجمات دون توقف، مع أن هناك ثلاثة أهداف تضعها لهجماتها داخل سوريا، وهي: منع إقامة جبهة عسكرية جديدة على حدود الجولان، والحيلولة دون الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وحرمان حزب الله والقوات الإيرانية في سوريا حيازة أسلحة هجومية بعيدة المدى.

تذكرنا الضربات الإسرائيلية على سوريا في السنوات الأخيرة بين 2015-2021، بالضربات التي سبقت اندلاع حرب عام 1967

وخشية من التصعيد، ودخول المواجهة في سوريا مرحلة غير مسيطر عليها، أو وجود شكوك بعدم تحقيق هذه الهجمات أهدافها؛ فقد تزايدت الدعوات في إسرائيل للاستمرار في العمليات الهجومية داخل سوريا، استمرارًا لاستراتيجية "المعركة بين الحروب" التي صممها الجنرال غادي آيزنكوت قائد الجيش السابق قبل أربع سنوات.

تذكرنا الضربات الإسرائيلية على سوريا في السنوات الأخيرة بين 2015-2021، بالضربات التي سبقت اندلاع حرب عام 1967، فقد بدأت تل أبيب هجمات مركزة على دمشق منذ عام 1964، وهدفت إلى إحباط خطة تحويل مصادر نهر الأردن، وفرض "السيادة" الإسرائيلية على المناطق المنزوعة السلاح على الحدود مع سوريا، والعمليات ضد المنظمات الفلسطينية، التي أقامت قواعد عسكرية داخل معسكراتها التنظيمية في سوريا.

إن مرور الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية، مع زيادة الهجمات الإسرائيلية على سوريا، يكشف عن تطلعات إسرائيلية لا تخطئها العين، وتتمثل في إضعاف العناصر المعادية، وتحقيق الردع، وإبعاد شبح الحرب القادمة، لكن التساؤلات بدأت تطرح في الأروقة العسكرية الإسرائيلية عن مدى إنجاز الهجمات الأخيرة على سوريا هذه الأهداف، لا سيما الهدف المتعلق بإرجاء موعد المواجهة المستقبلية.