اتساع بعد توقف للغارات الإسرائيلية في سوريا

2020.06.27 | 00:02 دمشق

movgqizrskagaulkbi2v77p7yrpjjewrhly8sk33.jpg
+A
حجم الخط
-A

شنت  طائرات الاحتلال الإسرائيلي الثلاثاء الماضي غارات موسعة ضد أهداف للاحتلال الإيراني في سوريا شملت لأول مرة أربع محافظات وامتدت ليوم كامل، وجاءت بعد فترة توقف استمرت شهراً تقريباً أعقبت بدورها غارات مكثفة تواصلت وبشكل أسبوعي طوال شهر نيسان/ إبريل الماضي. تزامنت فترة التوقف كذلك مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وتولي الجنرال بيني غانتس وزارة الدفاع بدلاً من الوزير المنصرف "المدني" زعيم تكتل اليمين المتطرف نفتالي بينيت.

قبل قراءة الغارات الجديدة ومحاولة فهم سياقاتها السياسية والعسكرية لا بد أولا من إلقاء نظرة على فترة التوقف وأسبابها والأهداف الإسرائيلية من ورائها.

للتذكير فقد هدفت غارات نيسان المكثفة والمتلاحقة إلى إجهاض المحاولات الإيرانية المتجددة للتموضع العسكري في سوريا بعد التوقف النسبي إثر جائحة كورونا، كذلك لاستغلال الفراغ الذي خلّفه قاسم سليماني، وسعى الاحتلال الإسرائيلي لتدمير أسس مشروع "الاحتلال" الإيراني الذي قام ببنائه في سوريا.

أعتقد أن فترة التوقف كانت أشبه بالوقت المستقطع من قبل إسرائيل لاستيضاح آثار وتداعيات غاراتها المكثفة خلال نيسان التي طالت أهدافاً وصفت بالاستراتيجية لإيران وحزب الله، ومراقبة رد الفعل الإيراني وطريقة تصرف القيادة الجديدة للحرس الثوري، وهل ستتوقف عن فكرة أو مبدأ التموضع في سوريا أم ستغير التكتيك وشكل التموضع سواء في سوريا أو العراق ولبنان.

سعت تل أبيب من خلال فترة التوقف أيضاً إلى عدم وضع مزيد من الإحراج والضغط على طهران وأذرعها ما قد يدفعها إلى الردّ ولو لحفظ ماء الوجه، أي أن الفترة كانت أشبه بالتهدئة خاصة بعد التصريحات المكثفة والمتبجحة أيضاً التي صاحبت غارات إبريل/ نيسان تحديداً من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي المنصرف نفتالي بينيت.

لا شك أن التوقف له علاقة كذلك بالتغيير الوزاري في إسرائيل، حيث تصرف بينيت طوال الوقت بأجندة سياسية أكثر، بل بالغ في التصريحات السياسية المتبجحة، وحاول استغلال الهجمات لتغيير الهدف الإسرائيلي من منع التموضع العسكري الاستراتيجي إلى إخراج إيران نهائياً من سوريا، كما سعى دائماً لإظهار قدراته القيادية "المزعومة" من أجل استثمار ذلك داخلياً سواء في الانتخابات النيابية المتلاحقة أو حالة الاستقطاب والتجاذب التي سبقت تشكيل الحكومة الجديدة.

بينيت اختلف مع القيادة العسكرية ليس فقط في التصريحات والتبني العملي للغارات، وإنما في الهدف منها حيث أصرت قيادة جيش الاحتلال دائماً على الاكتفاء بمنع تموضع إيران العسكري "الاستراتيجي" بينما تحدث بينيت عن إخراج إيران نهائياً وتحويل سوريا إلى فيتنام لها.

أما وزير الدفاع الجديد الجنرال ورئيس الأركان السابق بيني غانتس فتصرف بشكل مختلف، حيث خفّف وتيرة التصريحات العلنية وأخرج الملف تقريباً من ساحة التجاذب منحازاً في الشكل والمضمون إلى التقديرات المهنية للأجهزة الأمنية والعسكرية..

في فترة التوقف صدرت تصريحات وتسريبات إعلامية عن انسحاب إيراني من سوريا أو حتى عن تخفيف للوجود العسكري، واتضح أنها كانت غير دقيقة أو متسرعة، حيث لجأت إيران للتموضع وإعادة الانتشار في أماكن جديدة في العمق السوري وبعيدة نسبياً عن الحدود المباشرة مع فلسطين المحتلة.

هذا يعيدنا إلى غارات الثلاثاء الماضي التي شملت أربع محافظات واستهدفت مواقع ومستودعات أسلحة إيرانية بمدينة السلمية بمحافظة حماة ومحافظة السويداء لأول مرة، إضافة إلى محافظتي دير الزور وحمص، ما يعني أن إيران أعادت انتشارها وسعت للهرب والتخفي من الضربات الإسرائيلية دون التخلي عن فكرة أو مبدأ التموضع بحد ذاته.

في السياق السياسي ثمة أهداف واضحة للغارات المستجدة المكثفة والموسعة تتعلق بإبقاء الملف الإيراني حاضراً على جدول الأعمال السوري الإقليمي والدولي، وإعادة طرح ملف إخراج إيران ليس عسكرياً فقط وإنما سياسياً أيضاً من المعادلة السورية.

أعتقد أن للغارات بعداً سياسياً داخلياً يتمثل برفض الأجهزة العسكرية والأمنية الإسرائيلية أو على الأقل تحفظها على خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الهادفة لضمّ غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية والرسالة الأمنية التي يتبناها ويدعمها وزير الدفاع الجديد على عكس سلفه المتحمس للضمّ تفيد بضرورة التركيز على التحدي الإيراني والجبهة الشمالية بشكل عام، بينما الواقع الراهن في الضفة وغزة يعمل أصلاً لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي ولا ضرورة بالتالي لكسره أو تغييره.

في تداعيات الغارات يمكن الحديث عن عدة نقاط مهمة أهمها غياب أي ردّ فعل من إيران وأذرعها تحديداً الحشد الشعبي اللبناني لا ميدانياً ولا حتى سياسياً وإعلامياً، علماً أنها ليست بوارد الردّ أصلاً على عكس الضجيج الإعلامي عن المقاومة والحرب مع إسرائيل.

ردّ فعل نظام الأسد كان هو نفسه المعتاد التقليدي وحتى اللا مبالي والمتصرف وكأن الصراع أو للدقة حرب الاحتلال الإسرائيلي ضد الاحتلال الإيراني لا تعنيه أو تخصه.

في ردود الأفعال كانت سخرية "معتادة" من منظومة إس. إس. 300 الروسية المضادة للصواريخ التي تغمض أعينها وراداراتها عن الغارات، علماً أن ثمة تواطؤ روسي واضح مع إسرائيل وفي نفس اليوم "الثلاثاء" تم الكشف عن مقتطفات من كتاب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون "الغرفة التي شهدت الأحداث" نقل فيها عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله لنتنياهو أن إخراج إيران – عسكرياً وسياسياً - هدف مشترك للجانبين.

بدا لافتاً جداً موقف أو رد فعل حركة حماس المندد من غزة وبشكل فوري بعد ساعات فقط على الغارات الإسرائيلية، رغم أن هذا الأمر ليس من صلاحيات قيادة غزة، وإنما من صلاحيات القيادة المركزية للحركة بالخارج بينما مثّل ردّ الفعل المبالغ فيه، تأكيداً على هيمنة المسؤول المحلي يحيى السنوار على قرار الحركة العام، كما استمرار التزلف لإيران من حيث الشكل والمضمون، حيث جاء التنديد مثقلاً بالمصطلحات الخشبية عن الاصطفاف والتكاتف في وجه الاحتلال الإسرائيلي وضرورة ردعه مع تجاهل الاحتلال الإيراني الذي فضحته طبيعة الأهداف التي طالتها الغارات الإسرائيلية، علماً أنها استهدفت معمل البصل ومركز الأعلاف والمركز الثقافي في السلمية التي حوّلتها إيران إلى مراكز عسكرية ومخازن للأسلحة في نهب موصوف لمقدرات وثروات الشعب السوري، ولا مبالاة  تجاه تدميرها على يد الاحتلال الإسرائيلي، ما يقدم من زاوية أخرى فكرة عن أسباب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام حتى قبل تنفيذ قانون قيصر، علماً أن هذا ما تفعله إيران عادة في الدول والحواضر العربية التي تحتلها مباشرة أو عبر الأذرع والميليشيات التابعة لها.

عموماً، عبرت الغارات أو بالأحرى أكدت ما نعرفه عن المشهد السوري تحديداً فيما يخص العلاقات بين مثلث النظام وإيران وإسرائيل، حيث لا يبالي النظام باحتلال إيران ونهبها مقدرات وثروات البلاد ومرافقها العامة، ولا حتى بالقصف والتدمير الإسرائيلي لها، وما يهمه فقط البقاء في السلطة ولو على أنقاض سوريا كلها.