ابتسم أيها الجنرال.. ولادة جديدة من الخاصرة

2023.03.29 | 12:57 دمشق

مكسيم خليل في بطولة مسلسل ابتسم أيها الجنرال
+A
حجم الخط
-A

في عام 2013 بث الجزء الأخير من السلسلة الدرامية الشهيرة الولادة من الخاصرة للكاتب السوري سامر رضوان، وأحدث ذلك العمل في ثلاثيته زلزالاً وجدلاً كبيراً، حين شرّح بنية المجتمع السوري وسلّط الضوء على طبقاته المختلفة والعلاقات المتشابكة والمتناقضة أحياناً بينها، فضلاً عن تركيزه على الفساد الأمني والإداري في النظام السوري.

وكان لغياب العدالة والقانون ومنطق الغاب الذي يحكم تلك البلاد أن يشكل ساعات الجمر – عنوان الجزء الثاني - جمراً ما لبث أن اشتعل ناراً بعد عقود من الانتظار، ثورة شعبية حقيقية تطرق إليها العمل الدرامي بحرفية، قافزاً بين ألغام الرقيب ومحظورات النظام وحسابات شركات الإنتاج والفضائيات، عبر رقصه الحذر على مختلف الحبال، خاصة في مسألة تقديم النموذج السيئ لدى النظام من عمليات الفساد والقمع والقتل على أنها حالات فردية، وإن كانت في الحقيقة هي الأكثر شيوعاً.

وذلك يبدو مفهوماً ومبرراً لدى الكاتب، الذي حاول إيصال رسالته، من لعنة الطين إلى دقيقة صمت وما بينهما ثلاثية الولادة من الخاصرة، كان ذلك جهاداً ونحتاً مستمراً في الصخر، يشق طريقه إلى الأمام، يكسر المحظور ويدخل أخيراً قصر الجنرال.

السوري يعرف جيداً ما يشاهد

مع عرض الحلقات الأولى لمسلسل ابتسم أيها الجنرال على شاشتي تلفزيون سوريا والعربي2، والذي أنتجته شركة ميتافورا، أحدث العمل جدلاً مماثلاً بل وأكبر، فالكاتب وصنّاع العمل تجنبوا المباشرة في طرحهم، فبنوا دولتهم الخاصة باسمها وعلمها وشخصياتها الافتراضية، وتركوا للمشاهد العربي أن يكمل الفراغات المتروكة بالكلمات والشخصيات المناسبة، والمشاهد السوري بكل تأكيد سيجد نفسه الأقرب ليعبئ ما لم يُقل، ويقارن ويربط ويحلل ويعود للوراء قليلاً ويسقط شخصيات العمل على نظام يعرفه جيداً، بتاريخه الدموي وفضائحه وأسرار رموزه.

وهذه النقطة كانت من بعض ما ورد من نقد للعمل فنياً بالمقارنة مع أعمال أخرى أكثر جودة ربما من حيث الصورة والإخراج والحبكة والتشويق والكادر التمثيلي، وهي ملاحظات قد يصح بعضها، لكن مع وضعها في سياقها الكامل، نظراً لحساسية العمل وعزوف جلّ الممثلين المعروفين عن المشاركة فيه، فضلاً على أنه يعتبر بضاعة غير مرغوبة عند معظم الفضائيات العربية التي لها حساباتها السياسية والتسويقية، وبالطبع لا ننسى رفض عدد من البلدان إعطاء رخصة للتصوير على أراضيها كلبنان، وهو ما تحقّق في تركيا، وأثّر قليلاً على جودة العمل الفنية.

غياب مقص الرقيب 

هذا الأخذ والرد والجدل الذي أحدثه المسلسل طبيعي جداً أسوة بباقي الأعمال الدرامية، خاصة السياسية والتاريخية منها، وما يهمنا نحن كسوريين أنه أوّل عمل درامي حقيقي يشير بإصبعه مباشرة إلى الجنرال، فلا مقص للرقيب ولا شروط للعرض ولا هوامش محدودة للحركة، هناك من آمن بهذا المشروع ودعم واجتهد، أصاب في موضع و أخطأ في آخر، كل ذلك يبقى تجربة تؤسّس مستقبلاً لأعمال أخرى.

فما تفعله الدراما بسحرها وجماهيرتها في مشهد واحد، قد تعادل أحياناً في تأثيرها آلاف نشرات الأخبار، وشعوب هذه البلاد المقهورة تحتاج لمن يعيد كتابة حكايتها عن الظلم والموت والقهر، لمن يكتب عنها أحسن القصص، لمن يؤرخ مأساتها للأجيال المقبلة، لمن يشعر بها حتى يوم تبتسم فيه ويسقط الجنرال.