إيران في دير الزور

2020.06.30 | 00:02 دمشق

2019-11-27-15.47.47.jpg
+A
حجم الخط
-A

خلال الأسبوع الماضي، أشارت تقارير إلى وقوع عدّة غارات في العمق السوري يفصل بينها بضع ساعات فقط، لتنتهي إلى سقوط حوالي ١٥ عنصرا من الميليشيات الموالية لإيران. ويسود اعتقاد راسخ بأنّ إسرائيل تقف خلف هذه الغارات بهدف تقويض تواجد الحرس الثوري والجماعات الطائفية الموالية له داخل سوريا لا سيما على الحدود مع العراق حيث تنشط طهران مؤخراً هناك لتعزيز نفوذها المباشر على الأرض هناك.  معظم القتلى الذين سقطوا في هذه الضربات هم من التابعية العراقية وينتمون إلى ميليشيات جنّدتها ودرّبتها وسلّحتها إيران.

 قبل حوالي عام من اليوم، نفى مستشار خامنئي للشؤون الدفاعية حسين دهقان أنّ تكون مقرّات الحرس الثوري الإيراني في سوريا أو المقرّات التابعة للميليشيات الموالية له عرضة لاستهداف إسرائيلي، مشيراً إلى أنّ تل أبيب تستخدم ذلك للدعاية فقط، وأنّه لا يوجد قتلى إيرانيون.

لا يحتاج تصريح المستشار الإيراني كثير عناء لإثبات عكسه، وبالرغم من إنكار المسؤولين الإيرانيين لانسحاب جزء من قواتهم من سوريا، فإنّ الملاحظ أنّ الضربات الإسرائيلية في سوريا مؤخراً أدتّ إلى سقوط أعداد كبيرة من الميليشيات التابعة لإيران في البلاد.

يعتبر هذا بحدّ ذاته مؤشّراً إضافيّاً على أنّ طهران قد قلّصت وجودها المباشر بالفعل، وأوكلت المهام الميدانية إلى الميليشيات لتديرها بالنيابة عنها بينما تتفرغ هي لإدارة العمل الذي يجري تحت الأرض في البلاد. لكن تقليص الوجود الإيراني لا يعني بالضرورة انحسار الخطر، فقد يأتي ذلك في إطار التأسيس لحضور أكثر استمرارية وديمومة للنظام الإيراني في سوريا.

وفي هذا السياق بالتحديد، من المثير للاهتمام أيضاً رؤية النشاط الإيراني في منطقة البوكمال –محافظة دير الزور- شرق البلاد يزداد بشكل مضطرد في الآونة الأخيرة. بحسب بعض الدراسات، فقد كانت هذه المنطقة التي تقع على الحدود مباشرة مع العراق خالية تماماً من الوجود الشيعي في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي. ومع دخول المال الايراني إليها في بداية التسعينيات، بدأت بعض الجمعيات بدعم إيراني مباشر تحث على التشيّع، وقد ازدادت نتيجةً لذلك أعداد المتشيّعين والحسينيات في المنطقة بشكل كبير.

قبل عدّة أيام فقط، كشفت وكالة "تسنيم" الإيرانية المقربة من "الحرس الثوري" الإيراني عن زيارة قام بها قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، اللواء إسماعيل قاآني، إلى الأراضي السورية مشيرة الى أنّه زار منطقة البوكمال. ومن المعلوم أنّ هذه المنطقة تحتوي على عدد كبير من مقرات الحرس الثوري الإيراني بالرغم من أنّ دير الزور هي منطقة ذات غالبية سنيّة وبعيدة عن الحدود اللبنانية حيث الثقل الشيعي الموالي لإيران وحزب الله.

اهتمام إيران بدير الزور يجب أن يوضع تحت المجهر. فنجاح الاستراتيجية الإيرانية هناك يعني أنّ طهران ستكون قادرة على العمل بسهولة نسبياً في مناطق لا تعتبر ساحات تقليدية لنفوذها. من البديهي القول أنّ قرب البوكمال من الحدود العراقية يعطيها ميزة تأمين سهولة التنقّل للإيرانيين نظراً لنفوذ إيران الهائل في العراق. علاوةً على ذلك، فإنّ موقعها يجعلها قابلة للإغراق شيعياً من خلال الميليشيات العراقية الموالية لإيران.

فضلاً عن ذلك، تستغل طهران الأميركيين وداعش لتبرّر للأهالي وجودها في تلك المنطقة، وقد سبق لها أن استخدمت نفس التكتيك في مناطق سنيّة في جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل (مزارع شبعا)، لكن سرعان ما ابتلعتها والميليشيات الشيعية التابعة لها بحجّة محاربة إسرائيل.

لكنّ العنصر الأهم باعتقادي هو أنّ تركيبة دير الزور يغلب عليها الطابع القبلي والعشائري، وهذا يعني أنه حالما يتم السيطرة على مواقع النفوذ والتأثير في هذه العشائر، يصبح من السهل حينها جرّ العشيرة بأكملها في الاتجاه الذي تريده إيران. هذا كان أحد أسباب تكثيف الدعوات الإيرانية للتشيّع في تلك المنطقة لا سيما استهداف الوجهاء بهذه الدعوة.

في كثير من الأحيان يتم كسب ولاء زعماء العشائر بالمال، ويتم شراء الذمم والممتلكات ويكون ذلك بمثابة باب له ما بعده. فما إن يتم إنشاء مجتمع التشيّع بما له من أفراد وجمعيات ومزارات وحوزات وحسينيات ومدراس ومُجمّعات حتى تصبح عملية عكس هذا المسار أمراً مستحيلاً.

تستثمر طهران انشغال الجميع بالحروب البينية التي يقومون بها، وتنهمك في إنتاج مجموعات جديدة من الميليشيات الشيعية من أبناء سوريا ليكونوا بمثابة عينها الساهرة على مصالحها في سوريا وجيشها المستقبلي داخل البلاد. قبل حوالي أسبوع فقط، نُشِرت معلومات عن قيام ميليشيا فاطميون بدورات تجنيد وتدريب للمجنّدين حديثاً من السوريين لديها، بما في ذلك أطفال تبلغ أعمارهم ١٥ عاماً.

لقد خوّل نفوذ إيران المتزايد في تلك المنطقة الحرس الثوري إلى تسلّم زمام المبادرة هناك بعد تنافس شديد مع روسيا ومع نظام الأسد نفسه تضمّن اشتباكات متعددة بين الميليشيات التابعة لهذه الأطراف، وانتهى بطرد الميليشيات المحسوبة على روسيا والأسد من مناطق سيطرة ونفوذ الميليشيات الشيعية الموالية للحرس الثوري.

انشغال الجميع في قضايا أخرى في هذه المرحلة، يجب ألا يثنينا عن تسليط الضوء على النفوذ الإيراني التدميري في دير الزور وغيرها من المناطق السورية نظراً للانعكاسات المستقبلية التي سيتركها هذا النشاط على سوريا دولة وشعباً والتي ستتجاوز آثارها حُكماً حقبة الأسد نفسه.