إيران بعد كورونا: التبعات السياسية لكارثة كورونا

2020.04.04 | 00:05 دمشق

thumbs_b_c_174c98a6114b54889327081d82b272f2.jpg
+A
حجم الخط
-A

خلال العقود الأربعة الماضية من عمر النظام الإيراني، واجه هذا النظام تحديات ومخاطر متفاوتة من حيث صغرها وكبرها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
على الصعيد الداخلي عالج النظام أزماته الداخلية بالقمع والبطش والتعذيب والسجن والإعلام، أما على الصعيد الخارجي فقد استخدم النظام ورقة ميليشياته في المنطقة وبرنامجه الصاروخي والنووي، تارة من أجل الابتزاز، وتارة أخرى من أجل التفاوض والحصول على الامتيازات.
هذه المرة تختلف عن سابقاتها، فالخطر الذي يواجه النظام الإيراني اليوم هو خطر داخلي لا يمكن قمعه أو سجنه أو إعدامه.
ينتشر فيروس كورونا في إيران كالنار في الهشيم، في حين تقف الإحصائيات الرسمية عاجزة عن تصوير المشهد الحقيقي للكارثة.
وفي الوقت الذي يمكن أن تتخطى التبعات السياسية لهذه الكارثة جوانبها الطبية، يكشف إنكار الحكومة الإيرانية ونفيها وتسترها المتكرر لوقائع هذه الكارثة عن خوفها الشديد من المواجهة الحقيقة التي ستطرق أبواب النظام الإيراني عاجلاً أم آجلاً.
من ناحية أخرى، قد يكون الإيرانيون لم يدركوا بعد حجم الكارثة الحاصلة، لذلك لا ينبغي توقع حدوث ردود أفعال جماعية فورية وشاملة منهم.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتكشف الجوانب الحقيقية لهذه الكارثة، عندها سيجد الجميع أي بلاء - كان النظام سبباً رئيسياً في حدوثه - قد حل بهم.

ماذا ستكون ردة الفعل الشعبية؟
في بلد كإيران، فقد المجتمع الإيراني فيه القدرة على تشكيل تحركات اجتماعية مخططة ومدروسة بسبب القمع الدموي للنظام الحاكم، لا يمكن توقع حدوث سوى تحركات عفوية مفاجئة. (غير منظمة أو مدروسة لكنها غاضبة وعنيفة).
بعبارة أوضح؛ إذا كان من المقرر أن تندلع انتفاضة إيرانية جديدة احتجاجاً على الكارثة الحالية، لا بد لهذه الانتفاضة أن تأخذ طابعاً وشكلاً متمرداً، لكن من دون هدف وقيادة أو تنظيم.
يعتقد كثيرون أن أي تحرك لا يملك المقومات الثلاث تلك (قيادة - هدف - تنظيم)، لن تكون له استمرارية ومستقبل واضح المعالم.
ولكن إذا تكررت تلك التحركات بشكل متتابع لا يبعد بينها سوى فواصل زمنية قصيرة، ستوفر تلك التحركات لنفسها تدريجياً العناصر الثلاث المذكورة أعلاه:
ستجد قيادة لها، وستضع لنفسها هدفاً واحداً، وستتمتع بالتنظيم المطلوب.
الانتفاضات الإيرانية المتتالية (انتفاضة كانون الأول ٢٠١٧، كانون الثاني ٢٠١٨، تشرين الثاني ٢٠١٩، وكانون الثاني ٢٠٢٠) كانت نوعاً من الانفجارات الشعبية الغاضبة، التي بدأت بمطالب شعبية منتهيةً بمطالب وشعارات سياسية، وليست نوعاً من التحركات والثورات الكلاسيكية المعهودة، لكنها في ذات الوقت كانت مكلفة جداً بالنسبة للنظام، حيث تسببت في إضعافه داخلياً بشدة.
الآن مع دخول كارثة كورونا على الخط، دخلنا في مرحلة جديدة كلياً، حيث إن إيران قبل كورونا لن تشبه أبداً إيران بعد كارثة كورونا، وخلافاً لما يتصوره البعض لن تعود الظروف لحالتها المعتادة حتى بعد السيطرة على هذا الفيروس.

دور فيروس كورونا:
انتشر فيروس كورونا في العديد من دول العالم، لكن ما يجعل الحالة الإيرانية حالة استثنائية هو الإهمال وعدم الكفاءة الحكومية للنظام الإيراني ودوره في انتشار الفيروس في جميع أنحاء البلاد.
مما لا شك فيه كانت أبعاد انتشار هذا المرض في إيران أوسع من أي مكان آخر في العالم، (عدد قتلى كورونا وصل لأكثر من ٤٧٦٢ شخصاً حسب راديو فردا الإيراني حتى ساعة كتابة هذا المقال)، مما سيجعل من عواقب ونتائج هذه الكارثة أسوأ بكثير من بقية الدول.
على الرغم من التستر الحكومي المتعمد على الإحصائيات الحقيقية لقتلى الفيروس، لا يزال المجتمع الإيراني غير مدرك لحجم الضرر والكارثة التي حلت بالبلاد، لكن ذلك سيكون بمثابة اشتعال النيران الحارقة خلف الستار، التي ستخرج في النهاية للعلن حارقة كل شيء أمامها.
نيران كورونا لم تصلي بلهبها الشعب الإيراني فحسب، بل طالت كبار المسؤولين الحكوميين وقادة قوات الحرس الثوري الإيراني (أكثر من ١٠٠ مسؤول حكومي وضابط في الحرس الثوري ماتوا بسبب كورونا حسب تقارير منظمة مجاهدي خلق الإيرانية).
الفيروس ضرب أيضاً الاقتصاد الإيراني المتهالك، الذي سيدخل في أحلك فتراته، في حين سيشكل النقص الحاد في البضائع الأساسية، وندرة المواد الغذائية، شبح الموت المنتشر، جيش الجوعى والمرضى، ارتفاع معدلات الانتحار، البطالة والتضخم المنفلت، إغلاق أنشطة التصنيع والإنتاج والخدمات، وصراع الناس لتأمين متطلبات المعيشية، أحد أبرز الأمثلة المريرة للوقائع القادمة.
في ظل هذه الظروف ستكون أيادي النظام الإيراني مقيدة كلياً، والحكومة معطلة بالكامل، والبلاد على وشك الإصابة بالشلل التام.

السيناريوهات المتوقعة:
إن انتشار وباء كورونا في إيران يبدو أكثر خطورة مما يتصوره البعض، فحالات الوفيات والإصابات ومواقعها في عموم البلاد، إلى جانب تصريحات غير رسمية لمسؤولين في الحكومة، تكشف عن وضع كارثي للغاية أكثر مما تعترف به السلطات.
تزايد القلق الشعبي العام حول وضع الأعمال ومداخيل الناس نتيجة إغلاق الأسواق والأماكن العامة، يمكن أن يؤدي لاندلاع الاحتجاجات الشعبية التي من المتوقع أن تكون أكثر راديكالية هذه المرة.
في ذات الوقت ستكون عمليات القمع الحكومية أكثر دموية وعنفاً من السابق، (انتفاضة البنزين التي راح ضحيتها أكثر من ١٥٠٠ محتج)، مما سيدفع المحتجين هذه المرة لمواجهة القوات القمعية والاشتباك معها.
إن أول مواجهة شعبية مع القوات القمعية للنظام الإيراني، في ظل هذه الظروف المتأزمة ستشكل الشرارة الأولى لاندلاع الاحتجاجات على مستوى البلاد، وفي كافة المحافظات الإيرانية الموبوءة.
هذه المرة ستكون ضربات جيش الجوعى في إيران أشد وأقسى على النظام الإيراني، لأن من يسير في صفوفها هم من المحرومين الذي لم يعد لديهم شيء يخسروه، ولا يرون أي أفق مشرق لمستقبلهم وتطلعاتهم.
لا نعلم بالضبط ماذا ستكون السيناريوهات المستقبلية، لكن خلافاً لما يتصوره البعض إيران قبل كورونا لن تشبه أبداً إيران بعد كارثة كورونا، ولن تعود الظروف لحالتها المعتادة حتى بعد السيطرة على هذا الفيروس.
لننتظر ونرى....

كلمات مفتاحية