إيران... المُستثمر الدائم في الفوضى

2021.07.02 | 07:33 دمشق

2021-07-01t123924z_1758833005_rc2obo9f0mml_rtrmadp_3_iran-nuclear-iaea_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

بدأت دول أوربية تسعى للتوصل إلى نتيجة مرضية بشأن المحادثات مع إيران لإعادة إحياء الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي، كما أن الإدارة الأميركية الجديدة بدأت تلين قليلاً بهذا الاتجاه، وتوافق تدريجياً على رفع عقوبات النفط والشحن المفروضة على إيران، وشطب أسماء بعض الشخصيات البارزة من القائمة السوداء، ويعتقد بعض المتفائلين أنه يمكن، عبر سياسة العصا والجزرة، تأهيل إيران لتكون عضواً فاعلاً على المستوى الإقليمي والدولي، ويرون أن الأمل موجود دائماً لأن تُثبت القيادة الإيرانية أنها مسؤولة وعلى مستوى الاستحقاقات المفروضة عليها دولياً.

يتجاهل هؤلاء، عن عمد أو جهل أو ربما هرباً من الحقيقة، أن إيران بعد أن أصبحت تحكمها مرجعية الملالي وآيات الله، أي بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979، صارت دولة تستثمر في الفوضى الدولية، وتستند إلى سياسة أخطبوطية تهدف إلى تحقيق المصالح عبر التدخل التخريبي في الدول أو الهيمنة "الناعمة" على الدول، وتجهر بما لا تضمُر بعد أن ركبت موجة المذاهب الدينية لتحقيق تطلعات وأهداف قومية وسياسية وعسكرية، وهذا التوصيف لا ينطبق على سياساتها في الشرق الأوسط وحده، بل يتجاوز هذه الرقعة الجغرافية ليطول أصقاع الأرض.

سعت إيران إلى السيطرة على الشرق الأوسط، ونجحت بشكل كبير في هذا بالمعنى الاستراتيجي، وبات نفوذها يمتد من طهران إلى غزة، مروراً بالعراق وسوريا ولبنان، من العراق الذي يقع تحت سيطرة حكومة موالية لطهران وميليشيات مقاتلة تأتمر بأوامر آيات الله، وسوريا التي تحالف نظامها مع إيران تحالفاً يشبه البيع للقرار السياسي والأمني لطهران، ولبنان التي يتحكم حزب الله اللبناني/ الإيراني بمصيرها كاملاً، وصولاً إلى غزة التي تُغدق إيران عليها المال لشراء الذمم السياسية فيها.

وجدت إيران في فوضى الشرق الأوسط فرصتها لتعزيز نفوذها وتوسيعه، وساعدها في ذلك تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة بعد دخولها في مستنقع العراق، وكذلك عدم اكتراث العديد من دول العالم بالمنطقة نتيجة سيطرة أنظمة ديكتاتورية عليها. لكن إيران لم تكتف بهذا النطاق التوسعي لتعزيز نفوذها والتمدد، بل قفزت إلى اليمن والسودان والبحرين وغيرها من الدول العربية، ومن ثم توسع نطاق عملها التدخلي التخريبي إلى نطاق دولي، وصار سجلها الإرهابي حافلاً.

زعزعت إيران أمن دول، وهدّدت استقرار دول، وتدخّلت في شؤون دول، ونشرت الاضطرابات وغذّت الصراعات المحلية والبينية، وضربت بعُرض الحائط القوانين والمعاهدات والاتفاقات الدولية، ولعبت على الأوتار الدينية المذهبية، ومارست الإرهاب الخارجي كأداة سياسية.

باستعراض سريع لـ "بعض" الأعمال الإرهابية الدولية المُثبتة التي قامت بها إيران في العالم، نجد منها تفجير السفارة الأميركية في بيروت، ومقر مشاة البحرية والسفارة الفرنسية، وقصف ناقلة نفط كويتية، واختطاف طائرة مدنية أميركية، وتفجير مطعم في برلين وآخر في باكستان، وتفجير مركز للجالية اليهودية بالعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، وتفجير برج سكني في السعودية، واغتيال دبلوماسيين عرب، واختطاف دبلوماسيين غربيين، ومهاجمة سفارات، وقتل معارضين إيرانيين، وتوفير ملاذات آمنة في طهران لزعماء تنظيم القاعدة، وإثارة الطائفية في البحرين، ودعم طالبان في أفغانستان، والنفاذ إلى اليورانيوم الخام، وتجاوز العقوبات الدولية وشراء الأسلحة ومستلزمات البرنامج النووي، والمشاركة في تجارة مخدرات وغسل أموال في أميركا اللاتينية، وتوريد أسلحة لنيجيريا في طريقها إلى متمردين، وزرع خلايا مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في دول إفريقية، والأكثر إرهاباً ما قامت به في سوريا من تدمير وقتل، عبر الحرس الثوري وفيلق القدس وميليشيات حزب الله وعشرات الميليشيات الطائفية الأخرى.

زعزعت إيران أمن دول، وهدّدت استقرار دول، وتدخّلت في شؤون دول، ونشرت الاضطرابات وغذّت الصراعات المحلية والبينية، وضربت بعرض الحائط القوانين والمعاهدات والاتفاقات الدولية

هذا بعضٌ من الوجه الإرهابي الدولي لإيران، أما الوجه الآخر فهو استخدام إيران للتشيّع كوسيلة لقلب التوازنات الديموغرافية في بعض الدول، حيث استغلت حاجات البشر والفقر والبطالة لتحقيق أهدافها، في سوريا التي أقامت بها حسينيات ومراكز تبشيرية وجمعيات أهلية دينية، وفي صعدة وصنعاء وعمران وتعز في اليمن التي استغلت فقر الشعب فيها لتشيّعه، وفي مصر التي أرسلت لها "مُبشّرين"، وموّلت فيها صحيفة ومحطة تلفزيونية وحزباً شيعياً، وفي فلسطين التي دفعت أموالاً لتشييع أبناء المخيمات والموالين للجهاد الإسلامي، وكذا الأمر في الجزائر وتونس والمغرب والصومال، والسودان التي تدفع فيها تكاليف الزفاف والأثاث إذا اعتنق الزوجان المذهب الشيعي، ومثل ذلك في نيجيريا وجيبوتي وكينيا وجزر القمر وأفغانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وغيرها.

أقامت إيران مدارس في السنغال لتدريس مناهج الثقافة والتاريخ الإيرانيين بالإضافة إلى اللغة الفارسية، وأقامت جمعيات دينية وحسينيات ومدارس للتعبئة الطائفية في ساحل العاج والغابون وغينيا، وتلعب جامعة المصطفى في قم، التي تُدار بإشراف مباشر من المرشد علي خامنئي، دور الذراع التعليمية لإيران في العالم، ولها فروع في أكثر من 60 دولة في العالم، تتولى عبرها تعليم ما لا يقل عن 40 ألف إمام، ويتخرج منها خلال السنوات العشر الماضية نحو 50 ألف طالب، ويخضع حالياً نحو 6 آلاف رجل دين إفريقي لدروس ودورات تدريب في فروع جامعة المصطفى داخل إيران وخارجها.

من المعروف أن إيران تستفيد من الفوضى، وهذه هي استراتيجيتها الثابتة، وخطرها النووي الذي تتفاوض عليه أميركا ودول أوروبية، سيستمر خطراً جاثماً مهما قدّمت من تعهدات ووعود، فهي ستضرب بها عرض الحائط من دون أن يطرف لها رمش، فإيران حاضنة للإرهاب ومصدّرة له، ومصدر تهديد لأمن العالم واستقراره وسلمه وتعايشه المجتمعي والديني والمذهبي والإنساني.

لن يوقف تمرّد إيران اتفاق نووي، ولا معاهدات دولية توقُع عليها عنوة، ما يوقفها أمران لا ثالث لهما، إما أن تكتوي الولايات المتحدة مباشرة بإرهاب إيران، عندئذ تضع حداً نهائياً وحاسماً لها، أو أن يثور الشعب الإيراني على "آياته"، ويُعلنها ثورة حتى الخلاص من الديكتاتورية، ومن دون ذلك لن يشهد الشرق الأوسط، ولا العديد من المناطق حول العالم، أي استقرار، ولن تنتهي الفتن ولا النعرات المذهبية الطائفية التي تبرع إيران في تأجيجها.