إيران التي تسير على الإيقاع السوري

2022.12.02 | 06:20 دمشق

إيران التي تسير على الإيقاع السوري
+A
حجم الخط
-A

في مراقبة تطورات الحركة الاحتجاجية داخل إيران، تتضارب توصيفات المراقبين. مما لا شك فيه أن الحركة الآخذة في التوسع قابلة للتطور أكثر لكنها في نفس الوقت مرجّحة للتعرض إلى كثير من العنف إلى حدود التشابه مع بعض السيناريوهات التي شهدتها الثورة السورية بعد أشهر على انطلاقتها. تتضارب القراءة الواقعية العقلية مع الحماسة العاطفية، ولكن بعد سنوات على الخيبات الكبرى لا مجال للانخراط  أكثر في بحور الآمال، خاصة أن عناصر كثيرة بدأت بالتداخل. ولكن في البداية لا بد من تسجيل ملاحظة أساسية أن أهم ما حصل في هذه التحركات والاحتجاجات أنها دخلت في مواجهة مع أساس وجوهر النظام برمزيته الدينية والفقهية.

دخل المتظاهرون الإيرانيون في حالة قطع شاملة مع الأساس الذي ارتكز عليه النظام وهو النظرية الدينية، فمشاهد الاعتداء على رجال الدين وعماماتهم هو الصورة الأوضح حول سعي الإيرانيين إلى مواجهة هذه الرمزية بخلاف ما كانت عليه الثورة الخضراء في العام 2009 والتي كانت ثورة من تحت سقف الولاية أو النظام، وذات نزعة إصلاحية فيه. أما اليوم فالمسار مختلف ويهدف إلى إسقاط النظام وإن لم تنجح عملية الإسقاط خصوصاً أن القوى الإيرانية النظامية قادرة على استخدام القوة لاستعادة زمام الأمور. إلا أن ما تحقق سيكون له عميق الأثر على المدى الأبعد خصوصاً أنه بالنظرة الجيوسياسية الواقعية لا فرص ولا إرادة خارجية لإسقاط النظام.

نقل مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي نقلة نوعية في مقاربته لهذه التطورات، موقفه الأخير الذي أطلقه حول العمق الاستراتيجي لإيران واتخاذ عدد من دول الشرق الأوسط كساحات لمواجهة المشروع الأميركي أو لإبعاده عن عمق إيران يمثل إشارة انطلاق إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية الإيرانية لاستخدام القوة وقمع التحركات والاحتجاجات. هو موقف لا بد أن يكون له تداعيات كثيرة في المنطقة، انعكاساتها تصعيدية، وهذا يتبدى من خلال الزيارة السريعة التي أجراها قائد فيلق القدس إسماعيل قآني السرية إلى بغداد، ودمشق وبيروت وعقد لقاء مع مسؤولين في محور الممانعة بهدف وضع استراتيجية جديدة للمواجهة، كذلك كانت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى طهران ولقاؤه بالمسؤولين وعلى رأسهم خامنئي الذي أراد استعادة ربط الخيوط العراقية بقراراته سواء من خلال التحركات على الأرض، أو من خلال الحركة السياسية المرتبطة بالمسار الرسمي في العلاقات بين البلدين، أو من خلال حتى إيكال مهمة إعادة تجديد الحوار مع المملكة العربية السعودية لبغداد مجدداً.

ملف التظاهرات الإيرانية إلى جانب ملف التهديد الإيراني بضرب السعودية تريدهما واشنطن كأوراق لأجل استعادة السعودية الآخذة بالتباعد عنها

جاءت التحركات الكبيرة في إيران على وقع حدثين أساسيين، الأول هو التوتر في العلاقات السعودية الأميركية على خلفية قرار أوبك بلاس بتخفيض إنتاج النفط وهو ما اعتبرته واشنطن موجهاً ضدها. والثاني هو التسريبات التي تحدث عنها الإعلام الأميركي نقلاً عن مسؤولين في البنتاغون حول استعداد إيران لتوجيه ضربات ضد أهداف حيوية في المملكة العربية السعودية، وسط قراءات تفيد بأن دولة قطر نجحت في تمديد هدنة اليمن بحكم الأمر الواقع وبقدرتها على التواصل مع مختلف الأفرقاء ولتمرير فترة مباريات كأس العالم، في حين هناك ترجيحات بأنه بعد انتهاء المونديال  سيعود التصعيد إلى اليمن ومنه باتجاه السعودية.

تتجهز إيران لتوسيع حملة القوة لديها لمواجهة التحركات، ولو اقتضى ذلك الاستفادة من جملة وقائع، أبرزها تحركات الأكراد والبلوش، وهذا سيعطي انطباعاً قومياً ودينياً للصراع

ملف التظاهرات الإيرانية إلى جانب ملف التهديد الإيراني بضرب السعودية تريدهما واشنطن كأوراق لأجل استعادة السعودية الآخذة بالتباعد عنها، فتسعى واشنطن إلى إغراء الرياض بالتنسيق حول هذه التطورات في مقابل تحصيل مكاسب نفطية خلال اجتماع أوبك بلس المقبل والوصول إلى صيغة لإعادة رفع إنتاج النفط. يأتي ذلك على وقع انخفاض كبير في أسعار النفط وهذا سيكون له تأثير كبير على الوضع في إيران، إذ إنه إلى جانب كل تطورات الحركة الاحتجاجية والواقع السياسي المأزوم، لا يمكن إغفال الجانب الاقتصادي والمالي، خصوصاً في ضوء انخفاض أسعار النفط والذي بحال استمر بالانخفاض ستكون انعكاساته أكثر سلبية على الداخل الإيراني. وهذا ما تراهن عليه واشنطن لاستقطاب السعودية إلى جانبها لزيادة إنتاج النفط وتخفيض أسعاره على قاعدة أن ذلك سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع في إيران.

في المقابل، تتجهز إيران لتوسيع حملة القوة لديها لمواجهة التحركات، ولو اقتضى ذلك الاستفادة من جملة وقائع، أبرزها تحركات الأكراد والبلوش، وهذا سيعطي انطباعاً قومياً ودينياً للصراع، في سيناريو مشابه إلى حدود بعيدة للسيناريو السوري. إلا أن هذا الخيار يبقى آخر الخيارات في السلّم الإيراني لأنه في حال خرجت الأمور عن السيطرة يعني أن الضربات التي سيتلقاها النظام ستكون قوية وواسعة وسيكون لها الكثير من الآثار والتداعيات التي يسعى إلى تجنبها. كل هذه الحسابات الدولية والإقليمية المتضاربة والتي تتداخل حيال الملف الإيراني، كانت ماثلة في أذهان المتابعين والمواكبين للثورة السورية وآلية إجهاضها.