إلغاء منصب المفتي ليس خطوة في طريق التشيع

2021.11.22 | 05:17 دمشق

almjls-allmy-alfqhy.jpg
+A
حجم الخط
-A

أثار المرسوم التشريعي رقم 18، الذي أصدره بشار الأسد قبل أسبوع، والقاضي بتوسيع صلاحيات «المجلس العلمي الفقهي» في وزارة الأوقاف، والموحي ضمناً بإلغاء وظيفة المفتي العام؛ ردات فعل غاضبة في أوساط المعارضة، ذهب معظمها إلى أن القضاء على مؤسسة الإفتاء يصب في خانة محو الهوية السنّية المفترضة للبلاد، لصالح فتحها أمام رياح التشيّع التي ستهب من باب المجلس المتعدد الطوائف.

والحق أن سنوات ثلاثاً مضت على إصدار القانون 31، الناظم لعمل وزارة الأوقاف في دمشق، والمتضمن إنشاء المجلس، هي مدة كافية للحكم عليه فعلياً من دون اللجوء إلى التوقعات.

عضويات ونسب طائفية

حددت المادة 5 من القانون 18 عضوية المجلس بأربعين شخصاً؛ عشرة بحكم وظائفهم الرسمية، وخمسة وعشرين من «كبار العلماء في سوريا ممثلين عن المذاهب كافة»، وخمسٍ من «عالمات القرآن الكريم».

بداية يجب أن نوضح أن المذاهب المقصودة في القانون هي الإسلامية فقط، لأن المادة السادسة تنص على إضافة ممثلين عن الطوائف المسيحية عند «مناقشة المسائل المشتركة بين الأديان...»، وهو ما لم يحدث. فتشكّل المجلس من أربعين عضواً من الطوائف الإسلامية المتعددة في البلاد حصراً.

ورغم أن وزارة الأوقاف لم تعلن أسماء أعضاء مجلسها فإن الاستقصاء من مطّلعين ومن المصادر المفتوحة قاد إلى معرفة معظمهم وتحديد نسبهم الطائفية. فقد شكّل السنّة أغلبيته من ثلاثة مصادر؛ حملة المناصب الحكومية، وحصة سنّية من «كبار العلماء»، وأخيراً «عالمات القرآن الكريم»، وهي الصفة التي تطلقها الوزارة عادة على «القبيسيات» بما أن هذه التسمية غير رسمية.

عُرف من الأعضاء بحكم عملهم وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد، ومعاوناه اللذين صادف أن أحدهما امرأة قبيسية أيضاً هي سلمى عياش، والمفتي أحمد حسون الذي لم يشارك في أعمال المجلس بسبب المناكفة، ومحمد توفيق البوطي بوصفه رئيس اتحاد علماء بلاد الشام، وحسام الدين الفرفور بوصفه ممثلاً عن جامعة بلاد الشام للعلوم الشرعية. بالإضافة إلى القاضي الشرعي الأول بدمشق، وممثلَين اثنين عن كليتي الشريعة الرسميتين في دمشق وحلب، وممثل عن الأئمة الشباب أو ما كان يعرف باسم «الفريق الديني الشبابي». وهؤلاء جميعاً من الطائفة السنّية بحكم الوضعية التاريخية لوزارة الأوقاف المبنية على أكثرية السكان.

أما من «كبار العلماء» فقد عُرف من السنّة مفتي دمشق بشير عيد الباري (توفي في 2021) وأحد مُفتِي ريفِها محمد عدنان الأفيوني (قتل في 2020) ومحمد شريف الصواف ممثلاً لجماعة كفتارو، وآخرون. وعُرف من «عالمات القرآن» فاطمة قصباشي، القبيسية الحموية.

في حين دخل شيوخ الطوائف الأخرى المجلس من حصة «كبار العلماء» فقط. وهنا نرصد وجود عشرة مشايخ علويين، من أبرزهم غزال غزال مفتي منطقة اللاذقية. وهو يجمع بين انتمائه إلى سلالة رجال دين علويين معروفة وبين إفتائه على المذهب الجعفري من دون تشيّع واضح. في حين يتدرج الآخرون بين الصيغة التقليدية للشيخ الريفي العلوي في الساحل وبين الاعتماد على مدارس سنّية أو جعفرية حين الإفتاء. كما يضم المجلس شيوخ طوائف أخرى بحسب نسبتها من السكان. فبين أعضائه ثلاثة من الدروز، وممثل عن الطائفة الإسماعيلية. أما عن الشيعة فلم تثبت سوى عضوية واحدة فقط لعبد الله نظام، رئيس «الهيئة العلمائية لأتباع أهل البيت» في سوريا. أمّا سبب تداول اسمَي نبيل الحلباوي ومحمد علي المسكي فإن ذلك يرجع إلى رمزيتهما لدى الشيعة السوريين، إذ لم يذكر موقعاهما الرسميان شيئاً عن هذه العضوية ضمن مناصبهما أو نشاطاتهما.

منتجات المجلس العلمي الفقهي

حاله كحال المؤسسات الرسمية السورية، ولا سيما في السنوات الأخيرة، المجلس كسول وقليل الجدوى. إذ عقد اجتماعه الأول في تشرين الثاني 2019، بعد نحو عام من نشر قانون إنشائه. وقرر أن يجتمع كل ثلاثة أشهر في الوزارة، عدا مرة واحدة عقد فيها اجتماعه في «جامع السيدة ناعسة من جوار ضريح القائد الخالد المؤسس حافظ الأسد»، بدعوة من عضوه غسان حمدان، إمام وخطيب هذا الجامع.

خلال عامين من «العمل» أصدر المجلس عشر فتاوى يقدر على البت فيها شيخ متوسط في أسابيع. كحرمة تأجير الرحم، وبعض المسائل الطبية في الصيام والإفطار، كأحكام المرض والحمل والشيخوخة، وبطلان زواج التجربة، والحض على إخراج الزكاة، وضوابط طباعة المصاحف ونشرها. والملاحظ في هذه الفتاوى هو اعتمادها على المصادر السنّية للحديث فقط، كالبخاري ومسلم والمسانيد المعروفة، من دون أي إحالة إلى مصدر اثني عشري أو غيره.

وسوى ذلك فقد أناط المجلس بنفسه إثبات الأهلة شهرياً. وأصدر عدة بيانات عامة كذلك الذي نشره بالاشتراك مع اتحاد علماء بلاد الشام، يحيّيان «النصر الإلهي المؤزر الذي سطره رجال جيشنا العربي السوري ببطولاتهم وتضحياتهم» إثر سيطرة النظام على مدينة حلب. وعدة أوامر بإغلاق المساجد والتوقف عن أداء صلوات الجماعة في أثناء جائحة كورونا.

وأخيراً أصدر المجلس ما يسميه «مجلة إلكترونية». وهي، في الحقيقة، نشرة غير دورية ظهرت منها أربعة أعداد متفاوتة الحجم. فجاء الأول في أربع صفحات بعنوان «فقه الواقع». وفيه يوضح المجلس ريادته في العالم الإسلامي بضمّه طوائف عديدة. ويذكر أن من مهامه مكافحة التطرف والإرهاب، وبيان «شرف خدمة العلم»، وتنمية ثقافة الانتماء الوطني وسيادة القانون، والتصدي «للأفكار الوهابية والإخونجية»، والتعامل الأمثل مع مفرزات الحرب وآثارها، ومسؤولية المجتمع تجاه «أسر الشهداء والجرحى»، ومعالجة خطاب الكراهية على الإنترنت.

أما العدد الثاني فهو بحث بعنوان «المواطنة»، أعدّته فاطمة قصباشي في قرابة سبعين صفحة. تناولت فيه مفهوم المواطنة وجذورها ومقوماتها. واستندت إلى «صحيفة المدينة» التي أمضاها الرسول وإسقاطاتها على الواقع المعاصر. وتحدثت عن تحقيق المواطنة لمقاصد الشريعة، وأدلتها من الكتاب والسنّة، ودور المؤسسات الدينية في ترسيخ المواطنة. وأخيراً ختمت بمبحث عن «المواطنة في فكر ومنهج السيد الرئيس بشار الأسد». وهو ما ستتابعه في العدد الثالث من «المجلة»، الذي صدر بعنوان مبهم هو «المسابقة الفكرية التثقيفية». ومن دون أن يوضح المجلس سياق هذه المسابقة فإنه يتيح لقصباشي تدوين الإجابات المثالية عن أسئلتها العشرين التي تحوي جميعاً عبارة «السيد الرئيس». كما في أسئلة: «كيف أضاء السيد الرئيس بشار الأسد على دور الانفتاح العقلي في فهم الدين؟»، أو «كيف حدد السيد الرئيس أسس فقه الواقع، وما هي؟»، وصولاً إلى «ما هي رؤية السيد الرئيس الذي قامت به المؤسسة الدينية في مواجهة التطرف والتكفير؟».

وجاء العدد الرابع بشكل ورقة محايدة طائفياً كتبها الشيخ العلوي راجي ناصر عن «مفهوم المال العام وحرمته»، متخذاً من الإمام علي والخليفة عمر «أنموذجاً وقدوة» على السواء.

لعل في الاستعراض السابق لتركيبة المجلس وعمله ما يشير بوضوح إلى أصابع بشار الأسد وهي تمزج بين الركاكة والارتجال والتحديث على طريقة «النظام المنضم» لشيوخ المذاهب. ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى المجلس بوصفه مؤسسة بيروقراطية هرمة لن تضيف إلى الخراب الحاصل في البلد ضراً ولا نفعاً. وهكذا يبدو إلغاء منصب المفتي خطوة في طريق تغول النظام على الوسط الديني بدواعي المأسسة والعمل الجماعي، وبدوافع علمانية قشرية.