إعدام روح إيران ومستقبلها

2020.12.25 | 23:04 دمشق

6ipj-9.jpg
+A
حجم الخط
-A

تختصر جريمة إعدام النظام الإيراني الصحفي والناشط روح الله زم الواقع الراهن بأبعاده المختلفة، حيث إجرام النظام وتجاوزه كل المعايير الأخلاقية والإنسانية والقانونية، واستخدامه الوسائل المشروعة وغير المشروعة للإيقاع بمعارضيه والتنكيل بهم، إضافة إلى استباحة أمن العراق وسيادته واستقلاله، وقبل ذلك وبعده عجز النظام عن حل مشكلات وأزمات البلاد بعد أربعة عقود على الثورة الإسلامية وقتله بالمعنى المادي والحقيقي للكلمة الشباب الذين ولدوا في زمنها، ويفترض أن يمثلوا حاضر البلد ومستقبله.

للتذكير فقد استدرج النظام الإيراني الصحفي والناشط ورئيس تحرير موقع أمد نيوز روح الله زم من فرنسا، حيث كان يقيم إلى العراق - تشرين أول/ أكتوبر 2019 - بعد  اختراق مكتب المرجع الديني العراقي آية الله علي السيستاني، وإغراء زم عبر مكاتبات رسمية من المكتب بتمويل إنشاء قناة فضائية له، وبمجرد وصوله إلى مطار بغداد تم اختطافه واقتياده بشكل غير شرعي من قبل عناصر الحرس إلى إيران، حيث حوكم محاكمة صورية وصدر عليه حكم بالإعدام تم تنفيذه فعلياً الأسبوع الماضي.

يُعبر الإعدام بحد ذاته وبشكل صارخ عن الفشل في تحقيق شعارات الثورة وآمال وطموحات الشباب والجيل الذي ولد في كنفها بالعيش الكريم والحر

المغدور روح الله هو ابن رجل الدين الشيخ محمد علي زم الذي أسماه تيمناً بروح الله الخميني بعدما تزامن ميلاده مع اندلاع الثورة وانتصارها. وكان قد غادر أو بالأحرى اضطر لمغادرة إيران إلى فرنسا في العام 2011 بعدما ضاقت بلاده به إثر أجواء القمع الذي طال التظاهرات الشعبية الغاضبة من تزوير الانتخابات الرئاسية – 2009 - وعمل من هناك على تغطية الأحداث الإيرانية المتلاحقة وتحديداً تظاهرات 2017 المطالبة بالحرية والعدالة والعيش الكريم عبر قناته على تليغرام التي استقطبت مليون متابع قبل أن يتم إغلاقها. ولا شك أن قبوله بعرض المرجع السيستاني يدحض كل ما يروّجه النظام عن عمالة المعارضة وارتهانها للخارج، وتحديداً روح الله زم الذي ما كان ليقبل عرض السيستاني ويغامر ويخاطر بحياته عبر السفر إلى العراق لو كان يملك تمويلاً أجنبياً، كما يروّج النظام الإيراني وحشده الشعبي الإعلامي.

بدت المفارقة هنا لافتة ومعبرة جداً حيث إن النظام الذي يدعي تمثيل الثورة والدفاع عن شعاراتها وأهدافها يقوم بإعدام شاب ولد في زمنها، بل وأسماه والده رجل الدين والمؤيد لها تيمناً باسم قائدها.

ومن هنا يُعبر الإعدام بحد ذاته وبشكل صارخ عن الفشل في تحقيق شعارات الثورة وآمال وطموحات الشباب والجيل الذي ولد في كنفها بالعيش الكريم والحر، وليس ذلك فقط بل حتى قتل كل من يعترض أو يصرخ بوجه النظام مطالباً بحقوقه الأساسية.

إلى ذلك تعتبر إيران الدولة الوحيدة في العالم التي تطارد معارضيها بشكل منهجي ومستمر، وتقوم باغتيالهم مباشرة إذا أمكن أو استدراجهم واختطافهم، ثم محاكمتهم صورياً وإعدامهم. والأسبوع الماضي تم الكشف عن اختطاف المعارض الإيراني حبيب أسيود من تركيا في تشرين أول/ أكتوبر 2020 وإعادته بالقوة إلى إيران، وقبل عام بالضبط تم اغتيال المعارض مسعود مولوي وردنجاني في إسطنبول أيضاً. وخلال السنوات الماضية حدثت عمليات اغتيال لمعارضين إيرانيين في النرويج والدانمارك وهولندا، وكان لافتاً استخدام النظام عصابات وتجار المخدرات والسلاح لتنفيذ جرائمه.

يمثل إعدام روح الله زم طبعاً انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي والإعلان العالمي لحماية الصحفيين، وهو حوكم وأعدم في محاكمة صورية افتقدت لأدنى معايير الشفافية والنزاهة، فقط لقيامه بنشر ما يحصل في بلاده ودفاعه عن حق الشعب الإيراني الأصيل في الانتفاض من أجل الحرية والعدالة والعيش الكريم.

أما طريقة استدراجه واختطافه فتمثل فضيحة بحد ذاتها، حيث اخترقت المخابرات الإيرانية مكتب المرجع العراقي آيه الله علي السيستاني وراسلت المغدور منه بشكل رسمي عارضة تحقيق حلمه في تأسيس قناة فضائية لنقل صوت الشعب الإيراني المقموع، ثم طلبت منه الحضور إلى بغداد لمناقشة التفاصيل، بينما قامت عناصر الحرس باختطافه بمجرد وصوله إلى المطار واقتادته إلى إيران بشكل غير مشروع منتهكة بفظاظة أمن وسيادة واستقلال العراق، كما المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

بالمقابل جاء رد فعل المرجعية العراقية خجولاً جداً، واكتفت بنفي أي دور لها في استدراج روح الله زم رغم ثبوت اختراق موقعهم من النظام الإيراني، مطالبة هذا الأخير بتوضيحات، فردّ الأخير ببيان مضلل وكاذب جملةً وتفصيلاً نفى فيه أي استخدام لاسم السيستاني رغم أن الأمر مثبت طبعاً، وما كان المغدور ليسافر إلى العراق بحسن نية أصلاً إلا لاعتقاده أنه سيتمتع بحماية المرجع وأتباعه والدولة العراقية، وربما لم يتصوّر أن يصل حقد وإجرام النظام إلى هذا الدرك.

لم يصدر كذلك أي ردّ فعل جدي من السلطات العراقية على اختطاف روح الله زم ونقله بشكل غير شرعي عبر أراضيها إلى إيران. وبعيداً عن فقدان السيادة والارتهان للاحتلال الإيراني فالحكومة العراقية متواطئة مباشرة كونها أصدرت تأشيرة زيارة للضحية من السفارة العراقية في باريس بشكل سريع ومريب مع تجاوز الإجراءات الطويلة والعقبات البيروقراطية التي تتخذها عادة في منح التأشيرات للزوار الأجانب.

أكد إعدام روح الله زم مرة جديدة على حقيقة أن الرئيس حسن روحاني وحكومته أقرب إلى القناع أو القيادة الصورية بلا سلطات وصلاحيات

كان لافتاً أيضاً ردّ الفعل الخجول جداً من قبل المجتمع الدولي وأوروبا، وتحديداً فرنسا التي كان المغدور يقيم فيها بشكل رسمي، وهذا غير مفاجئ طبعاً في ظل النفاق وازدواجية المعايير التي يتبعها الرئيس إيمانويل ماكرون الذي قلّد منذ أيام قليلة الانقلابي الديكتاتور عبد الفتاح السيسي أرفع وسام فرنسي، وهو لن يتحدث بالتأكيد عن إعدام صحفي وناشط في ظل سعيه الدؤوب لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران طمعاً في نيل الشركات الفرنسية حصة من مشاريع إعادة الإعمار هناك.

عموماً أكد إعدام روح الله زم مرة جديدة على حقيقة أن الرئيس حسن روحاني وحكومته أقرب إلى القناع أو القيادة الصورية بلا سلطات وصلاحيات. والإعدام أسقط كل شعاراتهم وتصريحاتهم الفارغة عن سيادة القانون وحق الناس في التظاهر، والتعبير عن آرائهم بحرية. وتبدى العجز كذلك في اتهام مصادر روحاني المحافظين بالسعي لعرقلة أي حوار محتمل مع الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن، بينما رأت مصادر أخرى مقربة منه أن المتنفذين المتشددين سعوا إلى التخلص من زم قبل تسلم إدارة بايدن مهامها بحيث لا تتحوّل جريمة الإعدام إلى عقبة أمام العودة الأميركية المحتملة للتفاوض مع إيران حول الاتفاق النووي.

في كل الأحوال يمثل إعدام روح الله زم دليلاً على ضعف لا قوة النظام الذي يتصرف بذهنية العصابة، ولا يكترث للقوانين والمواثيق الدولية ولا حتى لشعارات الثورة التي يدعي الدفاع عنها، كما يؤكد الإعدام من جهة أخرى حقيقة وضع إيران التي عادت 100 عام إلى الوراء في مجال الديمقراطية والعدالة حسب الرئيس السابق محمد خاتمي وضع يشبه سفينة تيتانيك التي كانت أسيرة دوامة عاتية حسب التعبير الحرفي والبليغ أيضاً لمستشار خاتمي عالم الاجتماع محمد رضا تاجيك.