"إعادة إعمار" سوريا أم مكافأة مدمريها؟

2018.08.17 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

إن المجتمع بالنسبة للدولة الحديثة هو "مساكن"، وهي رأس مال الدولة حتى في أقدم نسخها، وكان العرب يسمونه "العمران"، الذي كان حتى الغزاة المنتصرون يحرصون عليه إذا ما كانوا يطمحون إلى بناء دولة.

وحين سيطر نظام الأسد على سوريا وجدها "دولة" كبيرة وعريقة بهذا المعنى، فبدأ بهدمها انطلاقاً من حماة سنة ١٩٨٢، وتشويه إرثها العمراني عبر مختلف أشكال التدخل الفاسد. وفي النهاية عندما أصبح المجتمع خطراً عليه، بدأت عملية تدمير المساكن بالتوازي مع قتل البشر وتهجيرهم عبر القصف العشوائي الذي كثيراً ما يطال مساكن فرّ سكانها منها، ثم نهب مكوناتها، حتى تغدو غير قابلة للسكن مرة أخرى، وليصبح قطاع الإسكان هو الأشد تضرراً في البلاد. 

كما أن الدولة تحتاج إلى عمران فإن إعادة الإعمار تحتاج إلى دولة

وكما أن الدولة تحتاج إلى عمران، فإن إعادة الإعمار تحتاج إلى دولة، ذلك المفهوم الذي عجز نظام الأسد عن بلوغه رغم هيمنته على سوريا لنحو نصف قرن، وذلك لأن هذا النظام في جوهره هو عصابة، لا تتفكك وحسب إذا ما تخلت عن صفتها هذه لصالح مفهوم الدولة، بل يلقى بقادتها وأفرادها في السجون. 

والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة في هذا المضمار، هو من سيدفع تكاليف إعادة الاعمار، التي تبلغ وفق بعض التقديرات نحو ألف مليار دولار؟ وهو مبلغ خيالي، يسيل له لعاب بوتين وخامنئي، وسيشكل اقتطاع بعضه لصالحهما استثماراً خيالياً لهما، إذا لم تتعد مساهمة روسيا أكثر من أربعة مليارات في عملية تدمير سوريا، بينما تكلف الخامنئي نحو ٣٥ ملياراً. 

إنها صفقة القرن إذن، ولهذا يجهد الروس والإيرانيون أنفسهم في محاولة إقناع أوروبا ودول الخليج بأن الاستقرار قد استتب في سوريا، وإن إعادة اللاجئين يجب أن تبدأ، وأن الأموال يجب أن تتدفق. 

يتعامل الغرب والخليج العربي حتى الآن مع المطالب الروسية على أساس أن ورقة أموال إعادة الاعمار هي ما سيرغم الروس والإيرانيين على تقديم بعض التنازلات فيما يخص الانتقال السياسي، وما عليهم سوى أن يتمسكوا بموقف الرفض والامتناع لإجبار بوتين على الانصياع لإملاءاتهم، لكن مخططهم هذا سيبوء بالفشل غالباً. فبوتين لن يقبل بأن يكون عرضة لسياسة العصا والجزرة، وكرجل مخابرات ومافيوزي عتيق، فإنه سيلجأ إلى سياسة المسدس مقابل حافظة النقود.

فالقنبلة السورية بكل ما تنطوي عليه من مخاطر متفجرة في قبضته: الإرهاب العابر للحدود، الجماعات العقائدية المقاتلة من كل صنف ولون، اللاجئون، خطوط التجارة والنفط، عدم الاستقرار الإقليمي والدولي، مجاورة اسرائيل.. الى آخر ما هنالك من أنواع القلق التي يمكن أن تثير الفزع في أفئدة قادة الدول الغنيّة، ويدفعها لتقديم الأتاوات بصيغة إعادة إعمار. وتحت كافة الاحتمالات، فإن العنف والفساد سيتصاعدان، واللاجئون سيزدادون عدداً وابتعاداً، والمتشددون ستتضاعف أعدادهم ونقمتهم، والعمران سيزداد تآكلاً، وسيؤخذ الشعب السوري مرة أخرى كرهينة يُهدد بقتلها إن لم تدفع الفديّة المطلوبة. 

نظام الأسد سيحصد عملية إعادة الإعمار كعملية إعادة اعتبار

أما نظام الأسد الذي لا يؤدي أي وظيفة من وظائف الدولة، بما فيها احتكار العنف الذي كان يمارسه يوماً، بعد أن فرخ مئات الوحوش التي تسعى للتشبه به، فإنه سيحصد عملية إعادة الإعمار كعملية إعادة اعتبار، وترميم، لقواه المتهالكة.

إن إعادة الإعمار التي قد تجري، رغم صعوبة تخيل ذلك، ستكون منطلقاً لدورة جديدة من العنف، وإعادة تأهيل لاقتصاد الحرب السائد حالياً. ومادامت البلاد محتلّة، ومفتقرة إلى الدولة التي تقوم بوظيفة العدل والأمن الإنساني الشامل، فإنها تحتاج لعملية إعادة إعمار مختلفة تماماً، تبدأ بترحيل أنقاض نظام الأسد، سبب الدمار الحالي، وإخراج المحتلين الذين يديرونه من وراء الستار، وبدء الطور البناء من الثورة، الذي لا يكون إلا بمساهمة كل السوريين ولمصلحتهم جميعا.