إسرائيل والانسحاب الأميركي من أفغانستان

2021.08.31 | 06:23 دمشق

-1-17-1170x600.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ مدة طويلة وهناك تنظير أميركي للانسحاب من أفغانستان وكان هذا واضحا في الفترة الثانية لإدارة أوباما وفي فترة دونالد ترامب، ومع كل هذا الوقت من التخطيط والترتيب للانسحاب إلا أن الصورة التي رآها العالم لعملية سيطرة حركة طالبان وانهيار الحكومة والجيش الذي استثمرت فيه الولايات المتحدة لسنوات بمليارات الدولارات كانت صورة بائسة بالنسبة للقوة والهيمنة الأميركية.

وبالتأكيد كانت صورة الترك والتخلي عن الحلفاء حاضرة خاصة مع صور بعض الأفغان الذين كانوا يلوذون بالطائرات الأميركية المغادرة والذين سقط بعضهم عن الطائرات بشكل مأساوي.

ما من شك أن ما حدث أخاف حلفاء واشنطن في كل مكان حتى أولئك الذين يتعرضون لأخطار أقل مثل اليابان وبعض دول الناتو أما في أماكن مثل إسرائيل وتايوان فربما أصيبت بعض الدوائر بالرعب من مجرد التفكير في الحصول على مصير مشابه.

ما قاله بايدن عن ضعف إمكانات طالبان مقارنة بالدعم الذي تم تقديمه للجيش الأفغاني وللإسناد الجوي الذي كانت تفتقر له طالبان لهو رسالة واضحة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي

ومع أن الظروف تختلف في كل بيئة إلا أن عامل الانسحاب الأميركي بهذا الشكل جعل دوائر التفكير في هذه الأماكن تدرس بعمق مقدار الالتزام الأميركي الحقيقي باستثمار الموارد الكافية لدعم الحلفاء والدفاع عنهم فضلا عن الضعف الاستخباري الذي على الأقل بدا في الظاهر موجودا في توقع توقيت وشكل سيطرة طالبان على كامل أفغانستان، بالإضافة إلى ضعف التنسيق مع "أقرب الحلفاء" والذين يتوقع أن يتضرروا من موجات اللاجئين الأفغان مثل تركيا وباكستان.

إن انتهاء الاحتلال الأميركي لأفغانستان بعد 20 عاما وبالنظر إلى ما قاله بايدن عن ضعف إمكانات طالبان مقارنة بالدعم الذي تم تقديمه للجيش الأفغاني وللإسناد الجوي الذي كانت تفتقر له طالبان لهو رسالة واضحة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي أن الاحتلال لا يدوم وأنه مهما بلغت القوة المحتلة فإن صمود أصحاب الأرض وتجلي إرادتهم هو العامل الأساس في تحقيق مطالبهم.

يوجد لواشنطن حسابات كثيرة أدت في محصلتها لهذا القرار ولهذا الشكل الذي أثبت أن القوة الأميركية لم تعد كالسابق وهذا من شأنه أن يقلق الأصدقاء ويجعل الخصوم أكثر جرأة في محاولة لاختبار مدى تراجع القوة الأميركية. وربما يخلق واقعا أكثر فوضوية يعج بالفرص والتحديات.

وإزاء قلق حلفاءها فقد كانت التصريحات التي أطلقتها واشنطن لطمأنتهم أيضا دليلا على القلق الكبير الذي حصل لدى هؤلاء الحلفاء ولعل من أبرز الأمثلة هنا ما قاله مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إنَّ "التزاماتنا تجاه حلفائنا وشركائنا مقدسة، ولطالما كانت كذلك. نؤمن بأنَّ التزامنا تجاه تايوان وإسرائيل يظل قوياً مثلما كان في أي وقتٍ مضى".

بالنسبة لإسرائيل فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي نيفتالي بينيت الذي يزور واشنطن للقاء بايدن سيعرض عليه رسالتين أساسيتين إحداهما كما رجحت بعض المصادر الإسرائيلية قلق تل أبيب من الانسحاب الأميركي من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على البلاد. وبالطبع فإن الملف الأساسي الذي يقلق إسرائيل ملف العودة للاتفاق النووي مع إيران في عام 2015 والذي تم الانسحاب منه في عام 2018. وسيكون الأمر مزعجا أكثر إذا استفادت إيران من الانسحاب الأميركي من أفغانستان ومن انسحاب محتمل في العراق.

كما تخشى إسرائيل بشكل كبير من انعكاس "انتصار طالبان" على المقاومة الفلسطينية من حيث زيادة الإصرار على خيار المقاومة ومن خلال تعلم الدروس من عملية التفاوض –التي تحتاج لدراسة معمقة- ولكن على الأقل بدت فيها طالبان قوية وثابتة وذكية.

بمعنى آخر فإن إسرائيل تخشى من انعكاس الانسحاب الأميركي من أفغانستان بشكل تستفيد منه إيران، كما تخشى من انعكاسات ذلك على المقاومة الفلسطينية وكل هذا محوره التراجع الأميركي المتزايد الذي لطالما كان ركيزة أساسية في الأمن الإسرائيلي.

ما زالت الأوضاع في أفغانستان قيد التفاعل ولعل هذا يجعل البعض يجادل حول فكرة الانتصار فضلا عن فكرة الغموض حول الاتفاق مع الولايات المتحدة. ولكن الأمر الذي لا يجادل فيه هو القلق الكبير المتنامي في إسرائيل.

الدعوات للاستعداد لسيناريو تخفض فيه واشنطن دعمها لإسرائيل لتوجه مواردها لمجالات أخرى أمر يصيب إسرائيل وبقية حلفاء واشنطن التقليدييين بالهلع

مع أن البعض يحاول إخفاء القلق من خلال إظهار الاستثناء في العلاقات الأميركية الإسرائيلية بالإضافة إلى الادعاء أن هناك قوة إسرائيلية ذاتية تكفي للدفاع عن نفسها مقابل أي تهديد محتمل فإن الدعوات للاستعداد لسيناريو تخفض فيه واشنطن دعمها لإسرائيل لتوجه مواردها لمجالات أخرى أمر يصيب إسرائيل وبقية حلفاء واشنطن التقليديين بالهلع ولذلك من المتوقع أن نرى في المدى القريب محاولات لإعادة التموضع وتحالفات جديدة تحسبا لهذا المستقبل. لا يعني هذا أننا نقول إن هذا أمر بات على الأبواب ولكن القلق المتنامي يمكن أن يكون عامل توتير وإرباك لكل الحسابات وبالتالي له ما بعده إذا تمت الاستفادة منه في مواجهة الاحتلال.