إرهاب الدولة يتطلب تحركات أكثر من الإدانة

2021.05.16 | 06:30 دمشق

520217185321772.jpg
+A
حجم الخط
-A

يتابع العالم كله اليوم الانتهاكات الإسرائيلية في القدس وفي جميع الأراضي الفلسطينية وتحديدا الاقتحامات الفظيعة وترويع المصلين الآمنين في المسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان المقدس. وكذلك نتابع أيضا مع ذلك محاولات سرقة بيوت الفلسطينيين وإخراجهم منها من أجل أن يسكن فيها المستوطنون اليهود الذين جاؤوا من دول مختلفة إلى فلسطين. والذي تسبب في غضب فلسطيني رافض للاعتداءات الإسرائيلية امتد لجميع المدن الفلسطينية. وهذا الغضب الفلسطيني هو غضب تراكم بعد سلسلة طويلة من الاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية لكن العنجهية والتهجم على المصلين في المسجد الأقصى كان له دور كبير في إشعال الغضب.

في البداية هناك حدثان ساهما في تأجيج الموجة الأخيرة من الاعتداءات الفلسطينية أولا محاولة إخلاء الفلسطينيين من بيوتهم في منطقة حي الشيخ جراح بالقدس من أجل أن يسكن مكانهم مستوطنون يهود قادمون من دول مختلفة من العالم.

يقف وراء هذين الحدثين أيضا رغبة نتنياهو في إرضاء المتشددين اليهود من أجل أن يحصل على دعمهم ويبقى رئيسا للحكومة

أما الحدث الثاني فهو محاولة اقتحام ساحات المسجد الأقصى  وتهيئة المكان من قبل جنود الاحتلال وخاصة في منطقة باب العمود كي يتمكن اليهود المتشددون من دخول ساحات المسجد الأقصى وإقامة احتفالاتهم فيه في يوم 10 مايو والذي يوافق 28 رمضان وهو من الأيام المقدسة للمسلمين في شهر رمضان.

ويقف وراء هذين الحدثين أيضا رغبة نتنياهو في إرضاء المتشددين اليهود من أجل أن يحصل على دعمهم ويبقى رئيسا للحكومة، ولذلك وفر الحماية لاعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين.

فيما يتعلق ببيوت الفلسطينيين في منطقة الشيخ جراح في القدس، فحكايتها كما هو معروف أن المنظمات الإسرائيلية المتشددة (وبالمناسبة كل الإسرائيليين متشددون فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين) تحاول منذ مدة طويلة إخراج 38 عائلة فلسطينية سكنت في حي الشيخ جراح عام 1965 عندما كان تحت الإدارة الأردنية وكانت هذه العائلات قد طردت من منازلها عام 1948 من قبل العصابات الصهيونية. مع العلم أنه يوجد قانون في إسرائيل اسمه (قانون أملاك الغائبين لعام 1950) لا يسمح للفلسطينيين الذين فقدوا ممتلكاتهم في عام 1948 باستعادتها، ويسمح بنقل الأصول إلى حوزة الدولة".

ولذلك بعد حرمان هذه العائلات من بيوتها في عام 1948 سكنت في حي الشيخ جراح في القدس والذي لم يكن حينها تحت السيطرة الإسرائيلية لأن مدينة القدس احتلت عام 1967.

بعد أعوام قليلة بدأت المنظمات الصهيونية في توزيع الأراضي الفلسطينية على المستوطنين القادمين من دول أوروبية ولم تكتف بذلك بل بقيت حكومة الاحتلال كلما سنحت لها الفرصة تعمل على تهجير الفلسطينيين لتصادر ممتلكاتهم وبكل أدوات الضغط مثل تضييق الحياة عليهم وفرض الضرائب العالية ومنع إعادة إعمار البيوت أو توسيعها. وقد بدأ كفاح هذه العائلات منذ عام 1972 في المحاكم الإسرائيلية عندما زعمت لجنة طائفة السفارديم، ولجنة كنيست إسرائيل (لجنة اليهود الأشكناز) إنهما كانتا تمتلكان الأرض التي أقيمت عليها المنازل في العام 1885.

وحتى عام 1991 لم تستطع المحاكم الإسرائيلية إثبات ملكية الأراضي للمنظمات الصهيونية، وقد قام المواطن الفلسطيني سليمان درويش حجازي مستندا إلى وثائق الطابو العثماني، التي تم جلبها من تركيا، في العام 1997 بتقديم دعوى إلى المحكمة المركزية الإسرائيلية، أكد فيها ملكيته للأرض المقامة عليها المنازل في الشيخ جراح. ولكن المحكمة رفضت قبول المستندات. وتم إخلاء إحدى العائلات في عام 2008 وخلال شهر رمضان الجاري جرت محاولات لإخلاء بقية العائلات بالقوة.

أما بالنسبة لأحداث المسجد الأقصى فهي أيضا ليست جديدة فقد حاول الاحتلال قبل عامين وضع بوابات إلكترونية على أبواب المسجد الأقصى وحاول تقسيم المسجد الأقصى مكانيا وزمانيا لكي يدخل إليه المستوطنون اليهود وهذه المرة حاول إخلاء ساحة المسجد ليدخل اليهود إلى ساحة ثالث أقدس الأماكن في الدين الإسلامي بشكل استفزازي ومن خلال الاعتداء على المصلين بالقوة.

تتميز هذه المرة بأن الاعتداءات الإسرائيلية تحدث على البث المباشر لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بكل اللغات، وقد رأى العالم ذلك المستوطن الذي سرق بيت السيدة الفلسطينية وهو يقول لها بكل غطرسة لقد سرقت منزلك ولو لم أسرقه لكان سرقه يهودي آخر".

وهذا يثبت للعالم أن إسرائيل لم تعد تستطيع تخفي جرائمها المتواصلة منذ عام 1948. نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين وفي ظل ثورة الاتصالات وإسرائيل تريد سرقة 28 منزلا من منازل الفلسطينيين التي يعيشون فيها في منطقة الشيخ جراح بالقدس منذ العام 1956.

لقد سرقت إسرائيل أراضي شعب كامل خلال 70 عاما من الصراع، ولم تشبع وتريد أن تسرق المزيد، فهل تكون هذه البيوت في الشيخ جراح نهاية لهذا الظلم وتقلب الطاولة على إسرائيل التي تبدو أضعف ما يكون حاليا. فهي لا تستطيع أن تسّوق روايتها أمام العالم. بالرغم من كل المساندة من اللوبي الصهيوني في معظم وسائل الإعلام العالمية فإن الكذب الصهيوني والخداع الصهيوني لم يعد ينطلي على أحد.

إن كل احتلال لديه مأزق لا يستطيع الهرب منه، وهو أن الاحتلال مبني على الظلم المتصاعد ودائما يعمل على تغطية جرائمه بمزيد من الجرائم، ولكن المأزق هنا أن تزايد الجرائم يراكم الغضب والاستياء والشعور بالظلم لدى الذين يتعرضون للظلم مما يجعل ردة فعلهم أقوى مما يتوقع الاحتلال.

ولهذا السبب رأينا وقفة الفلسطينيين القوية في المسجد الأقصى للدفاع عن شرفهم وعن مقدساتهم ورأينا المقاومة في غزة كيف تدافع بكل إمكانياتها التي تعتبر شرعية وفق القانون الدولي لأن أي شعب تحت الاحتلال من حقه أن يقاوم الاحتلال بشتى السبل المتاحة.

لقد عرّض الاحتلال من خلال زيادة اعتداءاته على الفلسطينيين أمن كيانه للخطر، فقد أدت ردة الفعل في القدس إلى إشعال شرارة انتفاضة فلسطينية تمتد حاليا إلى عدة مدن، حتى في داخل إسرائيل ولم تكن هذه المدن قد شهدت أي نوع من الفوضى أو المظاهرات منذ عقود.

كما ردت المقاومة في غزة بقوة على الاعتداءات أكثر من أي وقت مضي لأن الاعتداءات هذه المرة كبيرة ولا يمكن السكوت عليها.

لقد قام الفلسطينيون رجالا ونساء، كبارا وشبابا بكل ما يتوجب عليهم. وقد دفعوا ضريبة كبيرة من دمائهم وممتلكاتهم وهم لن يتراجعوا عن هذا الطريق. والدور المطلوب الآن هو من كل من يساند الحرية في العالم أن يدعم صمود الشعب الفلسطيني وأن يدعم مقاومته للاحتلال.

إن القدس اليوم عنوان إنساني يمكن أن يجمع حوله كل من يرنو إلى الاستقرار العالمي والإقليمي

لقد عودتنا التجربة وعلمنا التاريخ أن دولة الاحتلال لا تهتم بالإدانات ولا تهتم بالقوانين الدولية وتتجاهلها، ولذلك فإن المطلوب هو إجراءات أكبر من الإدانة والشجب. لابد من وجود محاسبة لدولة الاحتلال على ما تقوم به.

أخيرا إن القدس اليوم عنوان إنساني يمكن أن يجمع حوله كل من يرنو إلى الاستقرار العالمي والإقليمي ولهذا يجب أن يكون ما يحدث في القدس والمسجد الأقصى محفزا على الوحدة بين دول المنطقة ومعرفة من هو العدو الحقيقي للإنسانية وللحضارة. على الدول التي هرولت للتطبيع مع دولة الاحتلال أن تتراجع عن هذه الخطوات المؤسفة وأن تعمل دول المنطقة معا على عزل دولة الاحتلال ونزع شرعيتها وأن تسعى بجد إلى محاسبتها عن إقدامها على أي اعتداء. وقد كشف الفلسطينيون في الحقيقة عن عجز وكذب دولة الاحتلال فبنيتها الأمنية هشة وبنيتها الاجتماعية هشة، كما أنها دولة إرهاب وليست دولة ديمقراطية كما تصور الدبلوماسية العامة لها.