إدلب بمهب الخلافات الدولية ماذا عن حمايتها؟

2021.09.01 | 07:16 دمشق

thumbs_b_c_4c0bd1edf089721e64414722ff9ef81a.jpg
+A
حجم الخط
-A

يأمل السوريون في إدلب من سكان المنطقة والنازحين إليها بأن يهنؤوا بحياة مستقرة آمنة من دون ضغوط نفسية مستمرة عليهم، ونفض غبار المعارك والحروب التي آلمتهم منذ أكثر من 10 سنوات، ولم يزد على معاناة حرب النظام عليهم سوى تحول إدلب إلى مزاد وبازار دولي، وخاصة من قبل روسيا التي ترحل جميع الخلافات بينها وبين الدول المعنية إلى الساحة السورية وخاصة إدلب، وهو ما أدى إلى استمرار المخاوف وحالة التردد التي يعاني منها الشعب هناك ما بين قلق النزوح وصعوبة الحال، وعجز عن مواصلة الحياة، وانغلاق الطرق والأبواب المؤدية إلى الاستقرار.

ورغم جميع الاتفاقيات والاتصالات والحراك الدبلوماسي الدولي، ورغم المواقف التركية الواضحة حيال إدلب كونها ضامنا لمسار أستانا الذي قاد لمنطقة خفض التصعيد، وكونها الجارة التي ترعى المعارضة وتدعمهم، ورغم المواقف الغربية والدولية بدءا من الولايات المتحدة الأميركية ومرورا بأوروبا وانتهاء بالدول العربية، إلا أن إدلب لم تنعم بالاستقرار بعد، وما زالت الآلام السورية مستمرة في هذه المنطقة، جراء عمليات التصعيد التي تقوم بها قوات النظام وروسيا والميليشيات الطائفية الداعمة لها، خاصة أن روسيا هي التي باتت لها الكلمة في المنطقة، من خلال السيطرة على السماء، واستمرار حظر طيران النظام في المنطقة، فضلا عن القصف الذي تنفذه أسلحتها النوعية التي زودت بها النظام، وبالتالي روسيا هي المسؤولة عن التصعيد في المنطقة وعدم الالتزام بالاتفاقيات والتعهدات التي قدمت.

روسيا حولت بشكل فعلي الساحة السورية للمواجهة وتوجيه الرسائل في مختلف القضايا الدولية

ولمعرفة أسباب التصعيد الروسي في إدلب لا بد من متابعة التطورات الدولية الحاصلة في المنطقة والعالم، والموقف الروسي من الدول المعنية وعلى رأسها تركيا، لأن روسيا حولت بشكل فعلي الساحة السورية للمواجهة وتوجيه الرسائل في مختلف القضايا الدولية، وهو ما شهدناه خلال تطورات المعارك في ليبيا بين الأطراف المتصارعة هناك، والتصعيد الذي حصل بإدلب ومقاربة سيرت مقابلها، فضلا عما تبع ذلك من لقاءات دولية حول ليبيا وكانت تطورات اللقاءات تتبعها خروقات وانتهاكات دفع السوريون ثمنها، وكذا الأمر خلال معارك إقليم قره باغ التي انتصرت فيها أذربيجان على أرمينيا حليفة روسيا، وكذلك شهدنا عندها خروقات طالت فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا ومعترف بها من روسيا، وكذا الأمر في التقارب التركي مع الدول الغربية حيال ملفات مختلفة منها التطورات في أفغانستان وتشغيل مطار كابل والمواقف التركية المتناسقة مع حلف الشمال الأطلسي الناتو.

العوامل المذكورة أعلاه بالتأكيد ليست جميعها الأسباب التي أدت إلى حصول الخروقات، بل هناك عوامل داخلية ترتبط بالاتفاقيات الثنائية مع تركيا من فتح الطرق الدولية وخاصة حلب اللاذقية، وتأسيس منطقة عازلة حولها، وحل مشكلة التنظيمات الراديكالية بالمنطقة، فضلا عن تحميل الدول الغربية مسؤولية تردي الأوضاع لدى النظام نتيجة العقوبات الدولية، ومحاولات روسيا إنعاش مناطق النظام من خلال تمرير المساعدات لها عبر فتح معابر من إدلب إلى هذه المناطق، إضافة لاعتبار أن الدول الغربية تسيس موضوع عودة اللاجئين وملف إعادة الإعمار وصولا إلى عدم الاعتراف بانتخابات النظام الشكلية وفشل محاولات تعويمه، وهذه العوامل أضيف إليها موقف جديد يتمثل بانزعاج روسي من اعتراف تركي بمنصة القرم الدولية التي تعتبر روسيا محتلة لشبه الجزيرة الأوكرانية وتدعو لتحريرها بوسائل سلمية، مواقف أزعجت الجانب الروسي ودعت إلى إلغاء قمة كانت منتظرة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي الروسية قبل أيام، وتأجيلها لموعد لاحق بحسب ما أفادت مصادر، وكان ينتظر من هذه القمة أن تتناول الموضوع السوري وتقدم حلولا جذرية لها.

أمام هذا الموقف غير الأخلاقي والذي ينافي الأعراف والقيم الدولية ولا يراعي حقوق الإنسان والأطفال والنساء، وحتى الحيوانات التي لا تسلم من بطش وخروقات النظام والحليف الروسي، هل يجوز أن يترك مصير الملايين في هذه المنطقة أسيرة المزاج الروسي الذي يستهدف المدنيين في أي وقت يشاء من أجل تصفية الحسابات؟ ألا يجب أن يرقى الوضع في إدلب إلى مستوى يتجاوب معه المجتمع الدولي؟ وإذا ما كانت الدول الغربية تخشى فقط مما يحصل من موجة نزوح ولجوء باتجاهها أليس من الواجب إيجاد حل جذري لمسألة عدم الاستقرار في إدلب؟ أليس من صالح الدول الغربية أن يواصل السوريون حياتهم بشكل طبيعي في المنطقة لتتحسن أوضاعهم ويستمروا بحياتهم؟

من المؤكد أن لدى المجتمع الدولي أدوات وآليات من أجل إيجاد حل للوضع القائم في إدلب، وترك تركيا وحدها في هذه المنطقة لتقارع روسيا ليس مقاربة صحيحة، لأن روسيا ترفض تحويل إدلب لمنطقة آمنة تشهد وقف إطلاق نار شامل أسوة ببقية المناطق مثل درع الفرات وغصن الزيتون، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، نرى أن المناطق الآمنة بحد ذاتها ليست آمنة حتى الآن بالشكل النهائي رغم التوافقات الثنائية التركية الروسية، وشهدنا مؤخرا الهجمات على عفرين من مناطق سيطرة النظام عبر قوات سوريا الديمقراطية، وهذا التنظيم لا يمكن أن ينفذ هجومه من دون موافقة روسية، وبالتالي مقاربة ترك تركيا منفردة أمام روسيا في إدلب تعتبر مقاربة دولية خاطئة، بل على العكس يجعل روسيا تستفرد بالموقف وتتعنت فيه، وتشبك بقية الملفات أيضا بالصراع الدائر إقليميا ودوليا إضافة للصراع المحلي السوري.

من هذه النقطة، يجب على المجتمع الدولي بعد هذا الفشل في منطقة إدلب، البحث عن بدائل وخيارات أخرى، ولديه الآليات للتنفيذ وإجبار روسيا للرضوخ في حال كانت هناك النوايا الصادقة، عبر قرارات تتخذ مع بقاء الوضع الميداني الحالي أي بالانتشار التركي العسكري الضامن للمنطقة من خلال فرض حماية دولية على هذه المنطقة، تشمل حظر الطيران ووقف إطلاق النار، ومنع موجات النزوح، وتقديم الدعم الجوي للوجود الميداني في تركيا، وهناك القانون الدولي لحقوق الإنسان وحماية الطفل والمرأة، واتفاقيات جنيف وكثر من المسوغات القانونية التي يمكن اللجوء إليها وفرض هذه الحالة، والمنطقة شهدت قبل عقود هذه الحالة في عدد من الدول، وعندما كانت هناك إرادة دولية كانت هناك إمكانية لمثل هذه المواقف التي تساهم بحماية أرواح المدنيين.

فرض الحماية الدولية يجنب إراقة مزيد من الدماء في المنطقة، يوفر الأمان للسوريين النازحين، يمنع نزوحهم مجددا ويوفر عودتهم لمناطق نزوحهم، ويحيد إدلب عن التجاذبات السياسية

إن فرض الحماية الدولية على المدنيين في إدلب هو إجراء مؤقت لحين إتمام إجراءات الانتقال السياسي في البلاد القائم على الحل الدولي المتوافق عليه وفق القرار 2254، عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي من النظام والمعارضة، يتولى كامل الصلاحيات ويعمل على إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتمهيد البيئة الآمنة لإقرار الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، فرض الحماية الدولية يجنب إراقة مزيد من الدماء في المنطقة، يوفر الأمان للسوريين النازحين، يمنع نزوحهم مجددا ويوفر عودتهم لمناطق نزوحهم، ويحيد إدلب عن التجاذبات السياسية، ويمنع استخدام إدلب كورقة من قبل روسيا وأي دولة لتكون ساحة تصفيات حسابات، ويجب على المعارضة الدفع بهذا الاتجاه بعد فشل كل التعهدات والاتفاقيات والعمل مع تركيا في هذا الإطار، واستغلال الشهر المقبل الذي يشهد اجتماعات الأمم المتحدة، للدفع بهذا الاتجاه وإجراء لقاءات مع الدول المعنية والمؤثرة وتشكيل لوبي مؤثر يدفع بدعم المواقف السورية الوطنية الساعية لحماية السوريين ومنع إراقة دمائهم.