إدارة بايدن في مواجهة إرث إدارة ترامب حول إيران

2021.05.27 | 07:25 دمشق

kk1.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعاد البيت الأبيض فتح المحادثات مع إيران من أجل التوصل لاتفاق جديد للإشراف على المشاريع النووية في إيران. أثارت هذه المفاوضات عداء المملكة العربية السعودية، والقلق من الانتقادات المتكررة من جو بايدن للمملكة، وسط جمود تام في القضية الفلسطينية، كذلك الملف السوري الساخن.

الإدارة الأميركية الجديدة وعلى لسان الرئيس الجديد للبيت الأبيض جو بايدن أكد أن أميركا قد "عادت" وأن بلاده مستعدة لحكم العالم، لا الابتعاد عنه. مستعدة لمواجهة خصومه لا لرفض أعدائه. وعلى استعداد للدفاع عن قيمها".

كان نجم تلفزيون الواقع الذي سبقه في البيت الأبيض قد وعد كمفاوض بارز من القطاع الخاص ستسمح له في حل جميع مشكلات العالم بطريقته الخاصة. لكن سجل دبلوماسيتها "التبادلية" خيب الآمال. بعد أربع سنوات من الفوضى فإن انتخابات 2020 تعود إلى مفهوم أكثر تقليدية. يتكون الفريق الجديد من قدامى المحاربين في إدارة باراك أوباما. وهكذا كان وزير الخارجية الجديد السيد أنونتي بلينكين. هكذا كان الحال أيضاً مع الموظفين الكبار مثل أفريل هينز، مديرة المخابرات الوطنية وجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي. كلهم كانوا يعملون مع إدارة أوباما.

الخطوط الرئيسية لسياسة الشرق الأدنى للإدارة الجديدة معروفة. ستعطي الأولوية للعودة إلى اتفاق فيينا بشأن الطاقة النووية الإيرانية، المبرم في 14 من تموز 2015، والذي ندد به دونالد ترامب بعد أقل من ثلاث سنوات بقليل، كما تم تعيين السيد روبرت مالي، أحد مهندسي "خطة العمل العالمية المشتركة" المعروفة اختصاراً باسمها المختصر،"jcpoA”، مبعوثاً خاصاً لإيران.

تهدف هذه الخطة لتنظيم النشاط النووي للجمهورية الإيرانية مقابل تخفيض تدريجي للعقوبات الدولية. يقين آخر: "إعادة تقويم "السياسة الأميركية تجاه العربية السعودية لن يكون الرضا عن هذا البلد مناسباً، وهذا ما لم يكن بدياً خلال حملته الانتخابية لجو بايدن حيث بدت السعودية فيها تلعب دور البطولة، السعودية التي طالما كانت تتوجس خطراً من تركيا، وبدا التقارب بين أنقرة والرياض وسط مراقبة أميركية لافتاً للنظر، إنها شركة المصالح التي لم تنجح باقي تفصيلات المقاربات الأخرى من دينية وتاريخية من تحقيقها.

هذا العداء لبايدن، كان يتحلى بضبط النفس الناتج عن المصالح الاستراتجية، ولكن مع إنهاء الدعم غير المشروط للحرب في اليمن، كما أعلن الرئيس الجديد أنه سيتواصل مباشرة مع الملك سلمان، وإنهاء العلاقات التي طالما كانت مميزة توحد بين القادة الأميركيين ومحمد بن سلمان، ولا سيما جاريد كوشنر، صهر ترامب؛ صدر تقرير للمخابرات المركزية (CIA)عن مسؤولية ولي العهد عن قتل الصحفي جمال خاشقجي، وتعرض ستة وسبعين سعودياً في حاشيته للعقوبات، دون سعي السلطات الأميركية لضم الجاني الرئيسي. الآن ستحاسب الرياض حينما تنتهك حقوق الإنسان بشكل واضح.

وفيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، فإن الإدارة الجديدة، التي ذكرت بأن التزامها بـ "أمن إسرائيل" كان "مقدساً"، ولن تعيد النظر في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، خاصة وقد كان مجلس الشيوخ قد أغلق هذا الالتزام برصيد 97 مقابل 3 أصوات. حتى إذا اعتبر فريق بايدن "حل الدولتين"، فإنه يعتبر هذا غير واقعي على المدى القصير، ومن الضروري في الوقت الحالي إقناع "المعسكرين" بتجنب الاستفزازات والإجراءات الأحادية التي من شأنها أن تعقد الأمور، أما بالنسبة للاتفاقيات المبرمة اعتباراً من 2020 بهدف تطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية (البحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب والسودان)، فإن إدارة بايدن لم تفشل في الترحيب بها. هذه سياسة الألغام الأميركية كما تسميها الاصطلاحات الفرنسية.

وللمفارقة؛ فإن اختيار مالي كمبعوث خاص لإيران، وهو المنصب الذي لا يتطلب تأكيداً من مجلس الشيوخ، قد أثار موجة من الانتقادات والتحذيرات، خاصة من المعسكر الجمهوري. إنه خبير جيد في المنطقة واللاعبين الرئيسين فيها، والرئيس لمجموعة الأزمات الدولية، وخبير مخضرم في إدارتي كلينتون وأوباما، لكن هذا كله لا يعفي "مالي" من انتقادات تطوله تحديداً لدورة في الاتفاق الدولي الذي يسعى لإحيائه.

هذه الاتفاقية التي تستمر في إلزام إيران والموقعين الآخرين (روسيا وفرنسا والصين والمملكة المتحدة) كأعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، بالإضافة لألمانيا، سيكون إحياؤها تحدياً أمام إدارة بايدن. سيكون استئناف القضية حيث ترك الفريق الديمقراطي السابق مستحيلاً.

حتى يومها الأخير، اتخذت إدارة ترامب، ولا سيما وزير الخارجية مايك بومبيو، قرارات مصممة لإنشاء حقل ألغام للرئيس الجديد وفريقه.

لقد غيرت سنوات ترامب العديدة، بعيداً عن تشكيل قوس دون عواقب، كلاً من السياق الجيوسياسي والإطار المؤسسي للسياسة الخارجية، كما تم تلخيصه في كتاب حديث لامتيار رابوفينش، الذي كان سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، ولذلك فإن الجهات غير العربية الإقليمية الفاعلة مثل إيران وتركيا وإسرائيل، تلعب أدوراً رئيسية. كما ولدت خللاً بيروقراطياً، وكذلك الدبلوماسية الشخصية والشبيهة بالأعمال لدى الرئيس الجمهوري السابق. 

خلقت الخطة البيروقراطية وشخصية الرئيس وخطة عمله للرئيس الجمهوري السابق، مما خلق كثيرا من المناطق الرمادية. 

يرى كل من محمد بن سلمان ونتنياهو أن التهديد الإيراني يشكل أولوية الأولويات، وأن التبادل التجاري طريق للتفاهم السياسي

قبل شهر من هذه الاتفاقية قرر دونالد ترامب الترشح للانتخابات الرئاسية التي تجري بالعام التالي، ولدى سؤاله عن خطة العمل المشتركة أجاب: "إيران تحصل على كل شيء ولا تخسر شيئاً". الرئيس المستقبلي يرى فيها "صفقة" واحدة أخرى، ولكنها لعبة محصلتها صفر. في هذا كان ترامب منسجماً مع الستة عشر من المرشحين الجمهوريين كجزء كبير من الطبقة السياسية، كما عارض الصفقة بعض كبار الديمقراطيين، مثل السيناتور ان نيويورك تشارلز شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ. 

طوال حملته الانتخابية لم يفوت ترامب مناسبة إلا حاول من خلالها إفشال دبلوماسية أوباما، ترامب قال آنذاك: "العالم كله يضحك علينا"، لذلك كانت خطة العمل الشاملة المشتركة من صميم وعود المرشح الجمهوري. بمجرد انتخابه، واصل ترامب مهاجمته، لم ينتظر طويلاً حيث فشلت إيران في التزاماتها ولم تحترمها ويبدو أن إيران تعبت من الحرب الاقتصادية ضدها، ولكنها تبحث بطرق ماكرة دبلوماسية عن أفضل الحلول الممكنة التي لا تبدو فيها متذوقة طعم الهزيمة المرة.

نتيجة ما سلف ذكره تراجع ترامب في 8 مايو 2018 الانسحاب من المعاهدة والرجوع للعقوبات الفورية، وهي الطريقة الوحيدة لتقليم أظفار إيران النووية. ظلت المعاهدة سارية بالنسبة لباقي الموقعين، ولكنها معلقة بخيط رفيع، وإيران خرقت الاتفاقية بعد انسحاب الولايات المتحدة إلى أبعد بكثير فيما يخص تخصيب اليورانيوم المتفق عليه بالمعاهدة.

كان رهان ترامب نجم تلفزيون الواقع صائباً، حيث يبدو من الاستحالة بمكان أن تتوقف إيران عن عنترياتها دون عقوبات صارمة.

لوهلة يبدو ترامب مفاوضاً بارزاً كما يسوق صفاته كمفاوض بارز. في المعسكر الجمهوري كان هناك عدد من صقور الجمهوريين معارضين للانسحاب من الاتفاقية، بما في ذلك السيد جون بولتون، الذي كان مستشاراً للأمن القومي. 

النزاعات وعدم الاستقرار وإيديولوجيات طائفية.. كان لا بد للرئيس ترامب أن يشارك اللعبة في المنطقة من خلال نشر قواته بمناطق سيطرة حزب العمال الكردستاني الكردي، ولفت نظر إيران إلى ضبط حزب الله تمويلاً ولوجستياً، ولكن لا حياة لمن تنادي، ناهيك عن قيامها بالدعم غير المشروط للنظام السوري في حربه ضد شعبه.

في عام 2020 انعدمت الثقة في إيران، فترامب اختار فرض عقاب قاسٍ عليها، واغتالت طائرة بلا طيار قاسم سليماني، وانتهت مع عالم الفيزياء محسن فخري زاده، أحد أهم الناشطين في البرنامج النووي الإيراني.

لقد أدت العقوبات بكل أنواعها، إضافة إلى جائحة كوفيد، إلى ركوع إيران على ركبتيها.

انقسم القادة الإيرانيون عقب وصول بايدن للبيت الأبيض، إذ يميل "المعتدلون" مثل روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، وهم يعتبرون أنهم قدموا بادرة تهدئة بعدم طلب المساعدة المالية من الولايات المتحدة الأميركية، ولكنهم يتعرضون لضغوط من الراديكاليين، الذين يتهمونهم بالسذاجة، إن لم تكن الخيانة.

ويستشهد الطرف الراديكالي في إيران بالمثال الأميركي إزاء الأكراد، حلفاء واشنطن الذين تخلت عنهم، بأنه لا يمكن الثقة بالإدارة الأميركية. علاوة على ذلك؛ لماذا يتم توقيع مبادرة يمكن للإدارة الجديدة التملص منها؟

في النهاية يبدو أن المفاوضات تجري في الكواليس لاتخاذ قرارات وتصميم الرقصات السياسية و"التسلل" من الراديكاليين، هكذا يبدو المشهد. بناء على حقائق ووقائع، فإن السياسة الأميركية بالضغط الأقسى ولدت نتيجة مبهرة، حيث تبدو إيران جاثية على ركبتها، وتهرول إلى طاولة المفاوضات، في حين يأخذ البيت الأبيض ترف أخذ الوقت الأقصى لتبدو إيران موافقة على كل الشروط، التي إن لم تف بها فإن النار ستندلع داخل إيران ولا يمكن أن ينجو منها نظام المرشد.