"أولادكم ليسوا لكم.."

2022.02.16 | 05:24 دمشق

58e36ad0c4618846438b4578.png
+A
حجم الخط
-A

نقلت بعض المواقع الإخبارية صوراً عن مظاهرة قام بها عدد من المهاجرين الجدد إلى السويد ضمت نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين وذلك للاحتجاج على قيام الدوائر الاجتماعية السويدية المعنية بحماية الطفل بسحب أطفالهم منهم. ومن خلال استعراض هذه الصور للمظاهرة، وقعت على صورة لسيدة تحمل علم مملكة السويد وقد أُلصِقَ عليه رمز الحركة النازية المتمثّل بالصليب المعقوف. وإن كانت صدمتي كبيرة بهذا الخلط العجائبي، فقد حاولت أن أتصور لوهلة حجم ردة فعل المواطن السويدي من جرّاء وقوع هذه الصورة بين أيديه.

ومن خلال المتابعة الحثيثة ومحاولة فهم طبيعة المنظمين لهذه التحركات الاحتجاجية والمستفيد الموضوعي منها، فقد تبين وجود ثلاث فئات على الأقل شاركت في هذا التعبير "الحر" عن الموقف من السياسات الحكومية السويدية تجاه طريقة معاملة اللاجئين لأطفالهم، فلذات أكبادهم.

الفئة الأولى هي عدد من الأهالي المعنيين، والذين يجب اعتبارهم ضحايا مثلهم مثل أولادهم وإن كانوا متهمين بإساءة معاملة الطفل أو بإهماله غذائياً وصحياً أو بفرض بعض التصرفات غير المقبولة في مجتمع اللجوء عليهم، فإنهم مغيبون عن الوعي بعِظَمِ ما اقترفته أيديهم أو معاملتهم، خصوصاً أنهم آتون من بلاد المقتلة والدمار والانتهاكات الجسدية والمعنوية الممنهجة. مما يترك هامشاً ضيقاً لفهم مدى خطورة التعامل القاسي مع الأبناء والبنات، خصوصاً أن ممارسته في بعض المجتمعات يمكن أن يُعدَّ من قبل بعضهم على أنه حسنٌ في التربية وعلوٌّ في حجم الاهتمام وحرص على الرعاية.

من خلال هذا الاستغلال "الخبيث" يستطيع هؤلاء التأكيد على صواب تحذيراتهم السابقة كما أنهم يدفعون بالأهالي "البسطاء" لتعميق الفجوة الثقافية والقانونية

أما الفئة الثانية، فهي مكونة غالباً من خليط يُحركه سوريون موالون من المهاجرين القدامى، وهم الغالبية في السويد، انتقلوا من تحريض الأجهزة الرسمية ضد اللاجئين والتحذير من خطرهم، إلى تحريض هؤلاء اللاجئين أنفسهم ضد الإجراءات القانونية التي تتخذ بحقهم إن هم أساؤوا معاملة أولادهم كما ينص عليه القانون السويدي الواضح والصريح، والذي يعتبر من أشد القوانين في الغرب الأوروبي التي تُعنى بالطفل من جوانب نفسية وجسدية. ومن خلال هذا الاستغلال "الخبيث" يستطيع هؤلاء التأكيد على صواب تحذيراتهم السابقة كما أنهم يدفعون بالأهالي "البسطاء" لتعميق الفجوة الثقافية والقانونية التي تفصلهم عن المجتمع المضيف.

وأخيراً، تُعتبر الفئة الثالثة هي الأكثر خطورة مع تماشيها مع فئة الموالين في السعي لاستغلال حماسة الضحايا من الأهل القادمين حديثاً، وهي فئة المجموعات الراديكالية التي زوّدت المتظاهرين بلوحات تحمل شعارات مسيئة لقضيتهم ـ إن وجدت ـ وتركز على "خطف أولاد المسلمين" وتشير الى اعتداءات جنسية يتعرضون لها في مراكز الإيواء أو لدى عائلات الاستقبال. كما أنها تتحدث عن تجارة أعضاء بشرية، أين؟ في السويد.

ويمكن اعتبار أن اليمين السويدي المتطرف والعنصري، هو المستفيد الأكبر من هذا التصعيد غير المستند إلى أية أدلة منطقية، بل على العكس، فهو يُظهر الأهالي وكأنهم متفقون ومتكاتفون للدفاع عن "ثقافة" مجتمعية مُسيئة للطفل وعن عنفٍ مترسّخ في الطبيعة البشرية لهؤلاء القادمين من بلاد الحروب والمآسي. ومع اقتراب موعد الانتخابات في البلاد، تستغل الأحزاب العصرية ورقة المهاجرين كما هي الحال في مختلف الدول الأوروبية. فنظرية "الإحلال الكبير" التي هرف بها اليمين المتطرف الفرنسي، تجد لها صدى في خطابات الأحزاب الأوروبية الشقيقة والتي ستقفز على هذه المناسبة لتُثبت إعلامياً بأن تحذيرها من الأجانب لا يستند فقط ـ وكما هو مؤكد ـ إلى عنصرية بنيوية ورهاب من الإسلام، بل أيضاً فإن هذا التحذير مرتبط بالخوف المبرر من عادات وتقاليد إساءة معاملة الأطفال "المنتشرة" لدى الأجانب وخاصة المسلمين منهم.

وبعيداً عن بعض التصرفات الساذجة والاستغلال الخبيث والإفادة المسيئة التي تحيط بهذه القضية، فإن التضامن الذي أبداه بعضهم من المراقبين البعيدين عن المشهد والمحمّلين بتصورات مسبقة عن المجتمعات الغربية باعتبارها معادية بالفطرة للإسلام خصوصاً وللأجانب عموماً، يُعمّق من الإساءة إلى قضية شائكة يتقاطع من خلالها الثقافي بالسياسي. قضية يعتمد حلّها أساساً على عملية التوعية بالقوانين المحلية. حيث من غير الممكن أن تستنبط دول الاستقبال قوانينَ متغيرة بتغير منابت المهاجرين إليها الثقافية. وهنا يبرز الدور المهم والرئيسي للمجتمع المدني المحلي والذي يمكن أن يساهم ضمنه أفراد واعون من المجموعة المهاجرة الجديدة للمساعدة في نشر الثقافة القانونية كالتمهيد للاندماج التدريجي دون الانصهار.

من الضروري تشجيع الانتقال في العلاقة بين الآباء والبنين ـ الضحايا ـ من مفهوم الملكية إلى مفهوم الحب والتشاركية، فأولادكم ليسوا لكم، هم أولاد الحياة

الدول الأوروبية تتشدد في سياسات الهجرة بشكل تدريجي، وأحزاب اليمين المتطرف تعزّز من حظوظها في زيادة حضورها النيابي وفي إمكانية وصولها في بعض الدول إلى مركز القرار الأول عبر الانتخابات الديمقراطية. كما أن المشكلات السياسية والأمنية والمناخية تتفاقم في دول الجنوب عموماً وفي الدول العربية خصوصاً، مما يزيد من احتمالات اللجوء إلى دول الشمال الغنية. وإن استمرت عملية الاستغلال الخبيث التي يتعرض لها بعضهم من المهاجرين مرةً من القوى الظلامية ومرة من القوى الموالية للأنظمة الشمولية، فسيكون أداؤها السلبي هو الوقود اللازم والكافي لتحريك عجلة العنصرية ومعاداة الأجانب والرّهاب من الإسلام، مما سينعكس حتماً في المدى المتوسط، على ظروف الحياة الجديدة.

وفي الختام، من الضروري تشجيع الانتقال في العلاقة بين الآباء والبنين ـ الضحايا ـ من مفهوم الملكية إلى مفهوم الحب والتشاركية، فأولادكم ليسوا لكم، هم أولاد الحياة.