أن يكون القرداحي مدّاح المجازر وزيراً لإعلام لبنان

2021.10.30 | 05:14 دمشق

جورج قرداحي
+A
حجم الخط
-A

نعلم منذ مدة ليست بالقصيرة أن القرداحي ليس إعلاميًّا، كما نعلم الآن أنّه ليس وزيرَا.لا يمكن للّداخلين في دين الأسد وإيران أن يكونوا سوى قتلة. لا دور ممكنًا لهم خارج هذه الوظيفة الّتي تتطلّب تفرّغًا كاملًا يخترق كلّ شيء، من تعابير الوجه وحركة الجسد وصولًا إلى الألفاظ المستعملة وطريقة الكلام.

إنّه القاتل المحض. ما صدر عنه من تصريحات ليست سوى ما يفيض منه. وهل من المستغرب أن يمجّد القاتل دوره؟

تأييده لبشار الأسد والحوثيّين الذي أبداه في برنامج تلفزيونيّ لا يتخّذ صفة التّصريح الّذي يشي بإمكانيّة انفصال المرء عن ما يقوله، بل لم يكن سوى الذات القاتلة وهي تتمرى.

اختير هذا المخلوق ليلعب دور وزير الإعلام في حكومة لبنان بهدف دمغ كل ما يخرج عن البلد من تعابير بصبغة الشّراكة في المجزرة.

الإعلام القاتل هو المشروع والغاية. المجنّد الأسديّ برتبة وزير يتخصّص في لعب هذا الدّور من تمنيه لانقلاب عسكري مؤقت، إلى محاولاته المتكرّرة لزجر الإعلام، إلى الرّسالة المباشرة الّتي أطلقها في معرض دفاعه عن نفسه ضدّ الحملات العريضة الّتي تستنكر ما أدلى به، والّتي يعلن فيها صراحة أنّ المطالبة باستقالته تعني تفجير الحكومة.

الأسد أو نحرق الحكومة وأمن البلد واقتصاده. هذه هي الترجمة الفعليّة لما قاله القرداحي كوزير معتمدًا في نبرته المتعالية على قراءة قاصرة للتّحولات ومضامينها.

يعتقد المجنّد الأسديّ الخارج عن الزمن أنّ الأسد قد انتصر وأنّ انتصاره حاسم ونهائي، وتاليًا فإن السلطة في لبنان وسوريا ستسلّم إليه، ما يعني أنّه مرشح للعب دور وكيل المفوّض السّامي في لبنان.

ربما لم تتوافر للقاتل المتفرغ الفرصة لمتابعة مجريات لقاء بوتين وبينيت، والتي اتفق فيها الطرفان على تنظيم الغارات الإسرائيلية على إيران وميليشياتها واستثناء الأسد ورموزه من هذه الهجمات.

لا ضرورة أن يكون المرء محلّلاً إستراتيجيًّا ليعرف، إثر هذا المناخ، أنّ الأسد قد فقد كلّ تأثير أو خطورة، لدرجة أن استهدافه لم يعد مهمّا أو حاملا لأي دور إستراتيجي، وأنه قد بات خاضعًا لسلسلة من الوصايات تتحكم بها وتديرها روسيا لصالح مشروع تلميعه بوصفه واجهة لوصايتها على البلد.

يستتبع ذلك حكمًا تفسير عودة التّواصل بينه وبين بعض الدّول العربيّة الّتي كانت على عداء معه أنه استثمار في المشروع الرّوسيّ الّذي لا يمكن له أن يلعب فيه دورا حقيقيًّا، أو أن يتحرّك خارج الأطر المحدّدة الّتي يرسمها.

كل ما يمكن أن يفعله القرداحي هو مراكمة التّفاهة الشّائعة وتكرارها، وحتى أنّه غير قادر على خلق تفاهات خاصة وجديدة وأصليّة

 عاد التّواصل مع الأسد لأنه فقد كلّ قيمة ولأن الموضوع بات مجرد إجراء شكلي، لا يحمل معنى في ذاته، بل يدل على أمر آخر.

الأمر نفسه ينطبق على توكيل القرداحي بمهمة وزير الإعلام في لبنان، فهو لم يكن ليحصل هلى هذا المنصب إلا لأنّه قد بات شيئا آخر لا تربطه أي صلة بالإعلام.

كل ما يمكن أن يفعله القرداحي هو مراكمة التّفاهة الشّائعة وتكرارها، وحتى أنّه غير قادر على خلق تفاهات خاصة وجديدة وأصليّة.الأزمة مع السّعوديّة موجودة قبل تصريحاته الفارغة ولم يصنعها لأنّه أعجز عن ذلك.

كل ما يستطيع فعله هو وضعها في الواجهة من جديد وتغذيتها.إنه خادم التّفاهة وليس صاحبها وسيّدها.

ردة الفعل المطالبة باستقالته لا معنى لها، لأنّها تفترض أنّه  يحمل صفة فعليّة، وأن منصب وزير الإعلام الّذي سمّاه الأسد يمكن أن ينتج حيثيّة ما، يمكن النقاش معها وحولها.

فكرة تدجين الإعلام اللبناني كانت وما زالت حلما عميقًا يراود كلّ من يرغب في القضاء التّام على البلد وتطويعه. نجح التناغم الإيرانيّ الأسديّ في ذلك إلى حد كبير عبر خلق شبكات إعلاميّة تكرر خطابه، إضافة إلى حملات قمع واعتداءات طالت كثيرا من الإعلاميين.

ولكن في موازاة ذلك كلّه نشأ خطاب عام يرفض هذه الهيمنة ولا يقيم وزنًا لمرجعياتها وشخصياتها ويحاربها عبر التّتفيه والسّخرية.

الاعتراض الذي جوبه به القرداحي من الإعلام الخارج على سلطات إيران وحلفائها، ومن المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يتعلق، كما يحاول كثيرون ربطه، بموقف فئة من اللّبنانيّين من السّعودية، ولكنّه اعتراض يسائل ويسفه الموقع الّذي ينطلق منه القرداحي والّذي يفترض أنه كائن يستطيع أن يفتح نقاشا أو يطلق رأيا.

إنه ليس صاحب خطاب ولا ناطق باسمه، ولا يملك صوتًا ولا صورة.

 قال الازدراء العارم الّذي جوبه به القرداحي إنّه ليس موجودا في ذاته ولا يملك كيانا، ولا يعدو كونه صدى لمجزرة لم يكن فاعلا أصليًّا فيها بل مجرد مطبّل ومدّاح لفاعليها.

وعليه فإنّ التّعامل مع ما جاء به هذا الشخص في السّياسة وعبر الوسائل الدبلوماسيّة قد يؤدي وظيفة عسكيّة، لأنّه يمنحه حق الخصوم في الاحترام، وهو ليس خصما بل مجرد ظل للظلال.

مسار النقاش والاستياء والغضب واستدعاء السفراء يعطل آليّة الاحتقار العام، ويتيح المجال أمام التفاوض والنّقاش، ما من شأنه تحويل ما أدلى به إلى وجهة نظر في حين أنه صدى لجريمة موصوفة وصافية ومكتملة الأركان.

 المطالبة باستقالته اعتراف به يخطئ الهدف. لقد سماه بشار الأسد وتشكّلت الحكومة الّتي كرسته وزيرا بجهود ماكرون ورئيسي، فهل يمكن لعاقل أن يبحث عند أيّ من أركانها عن شيء يقع خارج أصلها؟

القرداحي لم يفعل شيئا في الأساس وهو حتى لم يطلق فعلًا أيّ تصريح.

لقد عكس أصله وحسب، ومن كانت المجزرة أصله هل يتوقع أن يعكس غير الدماء والجثث؟

القرداحي صورة مصيرنا في الزمان الأسديّ الإيرانيّ وقد ظهرت بوضوح، لا يجب أن يترك مجالا للشك في شكل وطبيعة القادم من الأيام وعناوينها.