أميركا ومسؤولية تعويم النظام السوري

2021.10.10 | 07:03 دمشق

kh.jpg
+A
حجم الخط
-A

تعويم النظام السوري بات على السكة، ولن يتأخر طويلا إذا استمرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في موقفها الرخو من المسألة السورية. وسيعاد الاعتبار للنظام من قبل الأنظمة العربية التي جمدت علاقتها به 2011، حينما تتأكد هذه الأنظمة أن واشنطن لن تتخذ مواقف صارمة، تمنعها من خطوات فعلية للانفتاح والتطبيع معه. ومن المؤكد حتى الآن أن ما يحول دون التطبيع بلا حدود مع النظام هو الموقف الأميركي، والعقوبات التي تم فرضها على النظام وداعميه بموجب "قانون قيصر". ويتضح اليوم من دون لبس أن غالبية الدول العربية، لم تجمد العلاقة مع النظام، وتقف عام 2011 مع حقوق الشعب السوري بالحرية والكرامة، بل وقفت ضد بشار الأسد، خوفا من الولايات المتحدة التي عبرت عن عدم رضاها من سلوك النظام، واستخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين. ولذا نرى هؤلاء الحكام يهرولون نحو بشار الأسد، كما فعلوا تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، وهم بذلك أكثر انسجاما مع أنفسهم وقناعاتهم، لأنهم في حقيقة الأمر كانوا ضد الثورة السورية وإن لم يعلنوا ذلك، والدولة الوحيدة التي عبرت عن موقفها، هي الإمارات التي قادت الثورة المضادة في المنطقة ككل، وساعدت نظام الأسد في العامين الأخيرين كي لا ينهار اقتصاديا.

مما جاء في نص نظام تأسيس "موك" فيما يتعلق بالعمليات العسكرية "عدم إقرار أو شن أية معركة أو عملية عسكرية إلا بموافقة من الغرفة عن طريق ممثلي الفصائل"

مخطئ من يظن أن أغلبية البلدان العربية لم يكن لها موقف صارم من النظام، وأنها تفتقر إلى رؤيا بعيدة المدى، بل بالعكس، كانت المواقف مدروسة بشكل جيد، وأدت الغرض المنشود، وهو عدم انتصار الثورة السورية، وإطاحة النظام، وجرى تقديم الدعم إلى العدد الأكبر من الفصائل العسكرية السورية من أجل هذا الهدف، وجرى وضع ضوابط تمنع على الثورة السورية أن تكون صاحبة قرارها المستقل، ولهذا تم تأسيس غرفتين للعمليات العسكرية، واحدة لإدارة الجبهة الجنوبية في الأردن، تحت اسم قيادة العمليات العسكرية "موك"، والثانية لإدارة بقية الجبهات في تركيا، تحت اسم مركز العمليات المشتركة "موم"، ومما جاء في نص نظام تأسيس "موك" فيما يتعلق بالعمليات العسكرية "عدم إقرار أو شن أية معركة أو عملية عسكرية إلا بموافقة من الغرفة عن طريق ممثلي الفصائل". ومن المعروف ان هذه الغرفة كانت تدار من قبل ضباط من أميركا، فرنسا، بريطانيا، الأردن، السعودية، وقطر.

وكان واضحا تبعية الدور العربي لأميركا في الغرفتين، وبمجرد أن قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في صيف 2017 وقف برامج تمويل المعارضة، حتى توقفت غرفة عمليات "الموك"، وقد كانت كثير من التخمينات تذهب في اتجاه أن ذلك سوف يدفع دول الخليج وتحديدا السعودية إلى ملء الفراغ الأميركي، ولكن ذلك لم يحدث، وبدا أنه أراح الرياض التي كانت تدعم فصائل تنفذ أجندتها مثلها مثل بقية أطراف التمويل، التي تحكمت بقرار الثورة السورية من خلال المال. وهذا هو سبب تدهور الجبهة الجنوبية التي سقطت في صيف 2018 بالتفاهم بين روسيا والأردن، بعد إخلاء مسؤولية أميركا وبقية الأطراف.

روسيا لن تكتفي بصفقة الغاز والكهرباء للبنان، بل تريد أن يكون ذلك مدخلا للتطبيع السياسي ولإعادة الإعمار

أهم خدمة تؤديها الولايات المتحدة لروسيا، هي أن تترك الموقف العربي الرسمي يسير معها نحو تعويم النظام، وهذا مؤشر خطير، لأن هذه الخطوة قد تقود إلى خطوات أكبر، وخصوصا وأن روسيا لن تكتفي بصفقة الغاز والكهرباء للبنان، بل تريد أن يكون ذلك مدخلا للتطبيع السياسي ولإعادة الإعمار، ومن إعادة إعمار البنى التحتية الخاصة بنقل الكهرباء والغاز للبنان سوف يتم الذهاب أبعد، نحو فتح ملفات ذات طبيعة استراتيجية. وستكون النتيجة إحياء نظام الأسد عن طريق المناورة، التي تقوم بها روسيا برضى إسرائيلي عربي وإيراني، وفق خارطة طريق طرحها ملك الأردن عبد الله الثاني على الرئيسي الأميركي والروسي، من بنودها انسحاب ميليشيات إيران والقوات التركية.