أميركا ما بعد ترامب.. غوص بمزيد من الانكفاء

2020.11.11 | 23:02 دمشق

خلال الفترة ما بين 2009 الى 2017 كان بايدن نائبا للرئيس أوباما AFP.png
+A
حجم الخط
-A

يفتح التعاطي الأميركي وخصوصاً من قبل دونالد ترامب مع نتائج الانتخابات الأميركية الأنظار على متغيرات أساسية وجوهرية تصيب النظام العالمي الذي تركزت مقوماته منذ ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. منذ العام 1990 تتحمل الولايات المتحدة الأميركية تكاليف الأمن العالمي. في السنوات الأخيرة ومنذ ولاية باراك أوباما وتنامي شعار أميركا أولاً معه ومع ترامب من بعده، بدأ يظهر الانكفاء الأميركي عن الملفات الخارجية والاهتمام أكثر بالداخل. هذا الداخل الذي يصاب باهتزازات كثيرة تصل إلى مرحلة الذهاب إلى دعاوى قضائية حول نتائج الانتخابات والتشكيك بها وتوجيه اتهامات التزوير ما يضرب النموذج الأميركي. إنه جزء يعبّر عن الانهيار الذي يصيب المرتكزات السياسية على الصعيد العالمي، وهو يتكامل مع نزعات الشخصنة، من الأوبامية إلى الترامبية، وربط الدول بأشخاص لا بمؤسسات. تبقى المؤسسات الأميركية أقوى وأفعل من الأشخاص، لكن كل هذه المفاهيم تهتز وتنحدر. من أساسيات تغيّر طبيعة النظام الذي ركزته واشنطن، أنها لم تعد مستعدة لتحمل تكاليف الأمن العالمي، منذ أيام أوباما إلى أيام ترامب، وحالياً بعد فوز جو بايدن.

سيكون العالم أمام مرحلة جديدة، عنوانها العودة إلى نظرية التكامل والشراكة الأطلسية بين أوروبا وأميركا، تقوم على الاعتماد على التوافق الدولي، وإعادة الاعتبار إلى المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية واتفاقية المناخ، وغيرها من المؤسسات، ولكن هذه كلها عناوين كبيرة لن يكون لها أي أفق عملاني وسط التغيير الجذري الجوهري الذي تعيشه طبيعة النظام العالمي والدولي، والذي أصبح في طور التغير الكامل، تغير سيظهر على المدى الطويل.

 لا يبدو أن الحل السوري سيكون قريباً، لأن بايدن يعتبر أن روسيا هي العدو الأساسي للولايات المتحدة الأميركية وهو يعتبر أن سوريا مستعمرة روسية ما يعني أن المزيد من الضغوط والعقوبات ستستمر وسيطول الحل السياسي.

سابقاً دعم بايدن تقرير بايكر هاملتون الذي يوصي بتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات، على قاعدة أن العراق لا يمكن أن يعود لما كان عليه سابقاً، هذه النزعة قد لا تمنع أن تنحو سوريا نفس المنحى العراقي في ظل وجود بايدن، وكذلك لبنان الذي تتنامى فيه نزعات الفيدرالية والدعوات لها. ستكون السياسة الخارجية الأميركية في حالة من الغيبوبة، مع تسجيل نقطة أساسية وهي عدم التعاون مع "الديكتاتوريين الأوغاد" كما يصفهم، وهذه ستنعكس على العلاقة مع كوريا الشمالية، الصين، تركيا، روسيا، والسعودية. لا يمكن إغفال التوجه الأميركي لتخفيض ميزانية الدفاع الأميركية، وفتح العالم على الدخول في مرحلة جديدة، ستنعكس سلباً على كل الحلفاء التاريخيين والتقليديين للولايات المتحدة الأميركية. وبحال تحقق ذلك ستعيد إيران إحياء مشروعها في منطقة الشرق الأوسط، وسينخفض منسوب الحديث عن تقليم أظافر إيران في المنطقة، وفكفكة ميليشياتها، مع استمرار فرض العقوبات عليها كما كان الحال في السابق.

 لا يبدو أن الحل السوري سيكون قريباً، لأن بايدن يعتبر أن روسيا هي العدو الأساسي للولايات المتحدة الأميركية وهو يعتبر أن سوريا مستعمرة روسية ما يعني أن المزيد من الضغوط والعقوبات ستستمر وسيطول الحل السياسي، كما تطول الأزمة الاقتصادية والمالية. في موازاة ذلك سيعزز بايدن سياسة الانسحاب من العراق وأفغانستان. لن تضع السياسة الأميركية نفسها في مواقع لم تكن موجودة فيها سابقاً، بمعنى أنها لن تعمل على زيادة عديد القوات العسكرية في سوريا، أو العراق، او أنها ستكون مستعدة لزيادة منسوب الحماية لناقلات النفط في مضيق هرمز وباب المندب.

 تتوقع إيران عودة المفاوضات، وهي ستذهب باتجاه اتفاق جديد خاصة أن طهران قد تخطت فروض الاتفاق وزادت من منسوب تخصيب اليورانيوم، كما أن إيران تخشى من عقد اتفاق مع الأميركيين ويتم الخروج منه بعد تغيير الإدارة لذلك لا بد من أخذ كلام خامنئي على محمل الجد بأنه لا يعني لإيران أي جهة تأتي على رأس الإدارة الأميركية. طبعاً بايدن هو من أكثر الذين يعلنون الخصومة لتركيا ودورها، ولكنه لن يكون قادراً على فعل شيء معها في أذربيجان، ولن يتمكن من الوقوف إلى جانب أرمينيا أو فرض عقوبات على تركيا خصوصاً بسبب العلاقات الروسية الأرمينية. وهذا سينعكس سلباً على الوضع في سوريا ولبنان بسبب النفوذ الروسي، وطابع المعركة السياسية سيكون بين روسيا وأميركا، ما لن يؤدي إلى إنتاج أي حلول.

اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية ستزداد، خصوصاً على وقع وضع جدول أولويات لدى الإدارة الجديدة، وهي مواجهة كورونا، الملفات التي لها علاقة بالتمييز العنصري، والعودة إلى اتفاقية المناخ، معالجة وضع الاقتصاد الأميركي، وتخفيض منسوب البطالة. لا يبدو واضحاً حتى الآن برنامج عمل خارجي لدى بايدن. وبحال استمر بايدن على نهج أوباما لن يكون هناك أي انعكاس كبير للسياسة الأميركية على الوضع العالمي، إنما سيزداد منسوب الانكفاء، فأوباما لم يقم بغير الاتفاق النووي، بينما لم يلتزم بالخط الأحمر الذي رسمه أمام النظام السوري في سوريا بعد استخدام السلاح الكيميائي، ولم يفعل شيئاً تجاه روسيا عند احتلالها للقرم.