أزمة لبنان مع الخليج.. الحزب يحاصر الجميع والغرب حريص على الحكومة

2021.11.10 | 05:01 دمشق

2186486.jpeg
+A
حجم الخط
-A

مع تشدد الموقف السعودي بعد الأزمة المفتوحة، يبدو أنّ لبنان قد دخل في مرحلة طويلة من الانتظار الصعب لجلاء الغيمة الخليجية عن أجوائه، وعودة العلاقات بين لبنان والسعودية وسائر دول الخليج إلى سابق عهدها. ومع التصلّب السياسي الداخلي والافتراق الحاد في مقاربة الأزمات، دخلت حكومة "معاً للإنقاذ" في وضع مربك لا تُحسد عليه.

 إذ بات من الصّعب عليها أن تجتمع في القريب العاجل، لوقوعها بين فكّي كماشة يضغطان عليها بقساوة شديدة، الأول من الباب القضائي وما يتصل بالخلاف حول التحقيق العدلي بانفجار مرفأ بيروت، والموقف من المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، والثاني من الأزمة الخطيرة الآخذة في التصاعد أكثر بين لبنان ودول الخليج.

ولا ينفصل السياق اللبناني وفق الزميل منير الربيع عن السياق العام في المنطقة ككل. رفضُ حزب الله استقالة قرداحي هو أمر مهم جداً بالنسبة إلى محور الممانعة، الذي يسعى دوماً إلى "التوجه شرقاً". والمقصود بالشرق بالنسبة إلى الحزب هو الانخراط أكثر في مشروع إيران والعلاقة مع سوريا، والعراق. أي الابتعاد عن دول الخليج. وصيغة التوجه شرقاً أيضاً، لا تعني إحلال القطيعة مع الغرب.

بل السعي للذهاب نحوه أكثر، وبناء علاقة جديّة على قاعدة براغماتية وفق تقاطع المصالح وتقاسم النفوذ فآخر الشهر ستعود المفاوضات الإيرانية الأميركية حول البرنامج النووي. وكل سياسة إيران الشرقية وبناء تحالفات مع روسيا والصين وتعزيز مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، غايتها العودة إلى نسج العلاقة مع الغرب من موقع قوي وندّي.

يرفض حزب الله استقالة قرداحي وإعطاء أي تنازل للسعودية. فهو يعتبر أن التنازل الأول سيجرّ تنازلات أكثر

في المقابل، تأتي الخطوات التصعيدية السعودية كجانب من سياسة جديدة تجاه لبنان، تندرج في سياق المعركة على تحديد الخيارات: مع وضد. ولأن المعركة كذلك يرفض حزب الله استقالة قرداحي وإعطاء أي تنازل للسعودية. فهو يعتبر أن التنازل الأول سيجرّ تنازلات أكثر. وسينتظر اللبنانيون المفاوضات الإيرانية الأميركية، أمّا العلاقة السعودية الأميركية فهي في أسوأ أيامها، انطلاقاً من الغضب الأميركي بسبب رفض السعودية رفع منسوب الإنتاج النفطي لتخفيض الأسعار، وانعكاس هذا الغضب على كثير من القرارات السياسية.

في حين يجري المسؤولون الفرنسيّون وعلى أعلى المستويات اتصالات مكثفة من أجل معالجة الأزمة اللبنانية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وقد أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّ بلاده تبدي اهتماماً كبيراً بمعالجة هذه الأزمة التي تركت انعكاسات سلبيّة على الأوضاع في لبنان وعلى العلاقات اللبنانية - الخليجية.

ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يقود اتصالات مع المسؤولين في السعودية والإمارات لبحث طبيعة الأزمة وأسبابها وكيفيّة معالجتها. وحتى الآن لا توجد مطالب محدّدة أو خارطة طريق نهائية للوصول إلى حلول سريعة. والمطلوب هو تخفيف أجواء التوتّر.

ويجب على المسؤولين اللبنانيين التعاطي بإيجابيّة مع هذه الجهود من أجل الوصول إلى حلول سريعة، مع إدراك المسؤولين الفرنسيين أنّ للأزمة أبعاداً إقليمية لها علاقة بدور إيران وحزب الله في المنطقة، لكن في الوقت نفسه يجب التركيز على ضرورة الحفاظ على العلاقات القوية بين لبنان ودول الخليج والدول العربية.

بالمقابل لا يخفي المتابعون لتداعيات الأزمة المفتوحة بين لبنان والخليج قلقهم من إمكان أن تضيف المملكة عقوبات إضافية تستهدف اللبنانيين، وإن كانت الاتصالات الدولية قد ضمنت وقفها عند هذه الحدود حتى اللحظة. ولكن ذلك قد لا يكون مضموناً فأي تطور سلبي على الساحة اللبنانية يمكن أن يستفز الدول الخليجية ويمكن أن يقود إلى مثل هذه الإجراءات القاسية.

ولا ينسى السعوديون بعد ما تركته القلاقل الداخلية التي عاشتها بعض دولهم منذ سنوات عدة سبقت حرب اليمن، منها تلك التي شهدتها مدينة القصيم في المنطقة الشرقية من السعودية إلى الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين، حيث انتشرت الشبكات الإرهابية والمالية الداعمة للحزب التي كشفتها هذه الدول في فترات متفاوتة قبل أن تبدأ بفرض عقوبات طالت مكونات وشخصيات خليجية وأخرى لبنانية ما زال بعضهم في السجون وأُبعِد آخرون إلى لبنان.

وعليه فإن سيناريوهات عديدة يجري التداول فيها بين المستويات السياسية، وتتقاطع عند نقطة جوهرية، وهي أنّ ارتدادات القطيعة السعودية مع لبنان شديدة الصعوبة عليه اقتصادياً ومالياً، وخصوصاً في ظل الحديث عن دفعات متتالية من الإجراءات القاسية. ويذهب المحللون إلى مجموعة سيناريوهات متوقعة:

أولها أن يستجيب وزير الإعلام لتمنيات رئيس الحكومة ويبادر إلى تقديم استقالته. إذ إنّ من شأن ذلك أن يجعل رئيس الحكومة يتنفس الصعداء، ويسهّل مهمته الصعبة في إعادة ترتيب العلاقات اللبنانية مع السعودية ودول الخليج.

أو أن يتمسك وزير الإعلام بموقفه الرافض للاستقالة، وأن يكون كبش فداء مجانياً في هذه الأزمة، ما قد يكون سبباً لدفع رئيس الحكومة إلى الاستقالة. مع أنّ هذا الاحتمال ضعيف حتى الآن، وخصوصاً في ظل النصائح الدولية التي أُسديت بتجنب اللجوء إلى هذا الخيار.

أمّا الأخير هو إبقاء الحال على ما هو عليه، من عضّ للأصابع، في انتظار من يصرخ أولاً. والمؤكد في هذا السياق، أنّ لبنان سيكون الخاسر، إذ إنه بدأ الصراخ من الآن، ولا يحتمل أي إجراءات تصعّب أزمته الخانقة أكثر فأكثر في ظل حديث عن اعتكاف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في لبنان أو في الخارج.

 بالتوازي فإن أجواء مقربة من ميقاتي تقول إنه لا تبدو أيّةُ إشارة خفية تنبئ أنه ذاهب إلى الاستقالة لأنه سمع من الأميركيين والفرنسيين والقطريين والمصريين أنهم يرفضون خياراً كهذا ، أما حزب الله فلا يوحي حتى الآن أنه يودّ فرط عقدها، في حين أن الاستقالة ليست مطلبَ السعودية وأن خياراً كهذا لن يساهم في معالجة الأزمة مع الخليجيين ولا سيّما أنّ الدول الغربية المعنيّة بالملفّ اللبناني، أي باريس وواشنطن يرفضان هذا الطرح كلٌّ من موقعه ومصالحه وهما مع قطر ومصر يعتقدان أن بديل الحكومة سيكون الفوضى وعدم الاستقرار وهذا السياق غير مطلوب لا دولياً ولا إقليمياً.

الذهاب إلى استقالة الحكومة لا يعني أنّ البديل حاضر، لذا فإن الغرب يتمسك بهذه الحكومة بأي ثمن لتنفيذ المطلوب منها لهذه المرحلة

وأمام هذه الأزمة المتفجرة بكل أبعادها الإقليمية والدولية، سيكون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمام مجموعة خيارات. ولكن ثمة فرصة أمامه يمكنه انتهازها في حال استمر على قراره بعدم الاستقالة. فهو يرى أن الاستقالة لن تعود إليه بأي عائد سياسي، لا بل ستخرجه من السلطة من دون تحصيل أي مقابل إيجابي من دول الخليج والسعودية تحديداً. كما يعتبر أن بقاء الحكومة أفضل من أي أمر آخر.

لذا فالذهاب إلى استقالة الحكومة لا يعني أنّ البديل حاضر، لذا فإن الغرب يتمسك بهذه الحكومة بأي ثمن لتنفيذ المطلوب منها لهذه المرحلة، والمطلوب منها أقلّه إمرار التفاوض مع صندوق النقد ومعالجة ملف الطاقة وصولاً إلى الانتخابات. ويأتي هذا التمسك بالحكومة أيضاً انطلاقاً من أنّ الخارج لا يريد الفوضى أو أي اشتباك عسكري في لبنان. 

لكنّ الدول، وتحديداً الغربية منها، أصيبت بنكسات بسبب الأزمات في لبنان، وهي لا يمكنها المساعدة في كلّ شيء. وعلى سبيل المثال، حاولت باريس وواشنطن حضّ السعودية على دعم لبنان، قبل الأزمة الأخيرة، ولم تفلحا، لذا فالمهمة صعبة وشاقة وغير معلومة النتائج.