أدوات التأثير على الرأي العام

2022.01.25 | 06:13 دمشق

156206653386534721.jpg
+A
حجم الخط
-A

في ظل تصاعد خطاب العنصرية والكراهية في العالم من جراء التطورات الدولية الحاصلة بمختلف المستويات، بات السوريون من دون شك يعانون في الدول التي يقيمون فيها من هذه الظاهرة، لتشكل هذه الحالة مصدر قلق لهم في مكان إقامتهم ولجوئهم، خاصة أن تيارات كراهية الأجانب والعنصرية تصاعدت في السنوات الأخيرة، مع صعود الأحزاب القومية واليمينية المتطرفة من الناحية السياسية، وعقب التوترات المختلفة الإقليمية والدولية والمحلية، وتبع ذلك آثار نفسية وتبعات اقتصادية واجتماعية خلفتها جائحة كورونا من تغير في نمط الحياة والعمل، وتأخر في عجلة الاقتصاد بكثير من الدول، واضطرار أعداد كبيرة من الناس بمختلف دول العالم للجلوس في منازلهم تنفيذا للإغلاق الشامل، ولم تؤدِّ عودة الحياة لطبيعتها إلى تحسن اقتصادي سريع، بل ارتفعت معدلات التضخم عالميا، وظهرت مشكلات في سلاسل التوريد الدولية، ما انعكس على الأسعار وارتفاعها، فضلا عن ارتفاع أسعار الطاقة وتأثيراتها على ارتفاع أسعار مختلف أنواع السلع والمنتجات، ما حمل الدول أعباء كبيرة، ومنها الدول التي يقطنها السوريون.

التطورات السابقة أدت إلى ارتفاع نسبة الكراهية والعنصرية في المجتمعات المضيفة، وخاصة في البلدان التي شهدت التقلبات الاقتصادية بشكل شديد ومضطرب، ما أدى إلى تزايد الحوادث الموجهة تجاه السوريين كما نشهده في تركيا حيث شهدنا خلال فترة قصيرة عدة عمليات استهدفت سوريين وأدت إلى وفاة بعضهم وإصابات أخرى، في أحداث مؤلمة ومحزنة وتستدعي متابعة ومحاسبة للفاعلين منعا من حصول حوادث مماثلة، وإن كانت لكل حادثة حالة مختلفة بخلفياتها وأبعادها، لكن الجامع والمؤكد أن هناك خطابا عنصريا في المجتمع يحتاج لمواجهة متعددة الأوجه، فحادثة الهجوم بالفأس على منزل السوريين في منطقة "بيرم باشا" بإسطنبول على سبيل المثال مرتبطة برفع أجرة المنزل، ويمكن أن تقع الحادثة بين مواطنين أتراك أيضا، وبالفعل تتم بسبب نسب التضخم العالية، لكن هذا الهجوم وإن كانت حيثياته اقتصادية، فقد بدا واضحا فيها وجود آثار العنصرية أيضا، وهذه الجزئية من هذه الحادثة هي التي تعتبر من أخطر الأمور التي يجب الانتباه لها، وهي موضوع تأثير العامل الاقتصادي في المجتمع، بتطور حالة العنصرية بحق السوريين، في فترة مناخ سياسي متوتر ومضطرب يسبق الانتخابات العامة والرئاسية المنتظرة العام المقبل.

ولتحليل هذه الظاهرة لا يحتاج الأمر لكثير من الأبحاث والتدقيق والتمحيص، فإضافة للتطورات السابقة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والتطورات الدولية، ونقص المعلومات الواصلة إلى المواطنين الأتراك رسميا حول التطورات في سوريا، والسياسات الجارية على الصعيد الإقليمي والدولي، والأوضاع الميدانية، إلا أن أبرز عامل في حصول هذه الظاهرة، هو الوصول إلى المواطن التركي وتأثيرها عليه، مع تمكن المعارضة والجهات المناوئة للحكومة من الوصول للمواطن التركي وإيصال صورة خاطئة لهم عن السوريين وأوضاعهم، عقب ضخ إعلامي ممنهج وموجه يستغل نقاط ضعف المواطن البسيط من أجل التأثير عليه، وخلق حالة الرأي العامة بحق السوريين، باستخدام أدوات منها الإعلام التقليدي، ووسائل التواصل الاجتماعي، عبر مؤثرات بصرية وتضليل المعلومات، وسرد أوهام وأكاذيب بحق السوريين، وفي ظل عدم كفاية الأدوات المتوفرة للرد على هذه الأكاذيب والمعلومات المضللة، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي التركي، وفي ظل عدم وجود إعلام سوري ناطق بالتركية موجه بذكاء إلى المجتمع التركي، فإن هذه التأثيرات ستتواصل وستتقعد أكثر في ظل المناخ السياسي الحالي في تركيا، ومعروف أن هناك أحزابا سياسية تشكلت على أساس عنصري مستغلة نجاح تأليب المواطن التركي، ولا خطاب لهذه الأحزاب سوى العنصرية الموجهة ضد السوريين، في محاولة للتوسل بأساليب جديدة لتحقيق الشعبية على حساب العنصرية.

ولشرح الأمر بشكل مبسط يمكن الحديث عن الحالة السائدة في مدينة إسطنبول على سبيل المثال، المدينة الكبيرة التي تحتضن عددا كبيرا من المواطنين من مختلف الولايات، وجاليات أجنبية زادت في الفترة الأخيرة بشكل كبير، هذا الوجود البشري المكثف في هذه المدينة الكبيرة، تفرض الحياة فيها ظروف عمل لا تعتبر سهلة، من ساعات طويلة للدوام الاعتيادي، يرافق ذلك ساعات طويلة من المواصلات الصعبة، وازدحامات مرورية لا تنتهي، والمواصلات العامة في المدينة باتت تئن كثيرا بالعاملين الذين ينتقلون يوميا بين شطري المدينة، وبالتالي فإن صعوبة هذه الحالة والساعات الطويلة من العمل والمواصلات والعناء، تولد حالة نفسية تجعل أي إنسان لديه معاناة، يسعى للبحث عن مساحة من أجل ترحيل معاناته وألمه، ومع لجوء هؤلاء خلال رحلتهم اليومية هذه وفي ساعات المساء إلى منصات التواصل الاجتماعي، فإنهم يجدون خطابات موجهة وأكاذيب وتضليلا إعلاميا يقل نظيره، من مثل أن السوريين هم من يخطفون لقمة المواطنين، ويحصلون على المساعدات ومعفون من الضرائب، ويدخلون الجامعات من دون امتحانات، ومع قلة المحتوى لمواجهة هذه الأكاذيب، فإن هذه المعلومات المضللة للأسف تلقى قبولا لدى هؤلاء، وتجعلهم يرحلون مشكلاتهم إلى هذه المساحة السورية، ومع تزايد الاضطراب الاقتصادي وتبدل الظروف المحلية والدولية، والحديث الإعلامي عن توقف الحرب في سوريا من دون أن يتم الحديث عن حقيقة المواقف الدولية حول مستجدات العملية السياسية والأوضاع الميدانية، فمن الطبيعي أن يتساءل هؤلاء مع تصديقهم الأكاذيب، لماذا لا يعود السوريون إلى بلادهم؟ إنه مثال ونموذج مبسط لواقع تصاعد الخطاب العنصري.

وبناء على النموذج والمثال السابق، والحديث عن الأكاذيب والتضليل الموجه، كيف كانت تتم مواجهة هذا الضخ الإعلامي الموجه؟ كانت تتم عبر تصريحات رسمية محددة ومقتضبة، كان الرد عليها يتم عبر بعض وسائل الإعلام التركي بشكل خجول، وكانت هناك جهود فردية من قبل مواطنين أتراك متعاطفين مع السوريين، ومحاولات من سوريين ناطقين باللغة التركية عبر صفحات ومنشورات محدودة، في ظل غياب كامل للمؤسسات والمنظمات ووسائل الإعلام السورية الناطقة بالتركية والموجهة للرأي العام التركي، فالمؤسسات السورية المتمثلة بالمعارضة اكتفت بممارسة العمل الصحفي ولقاءات مع المؤسسات التركية الرسمية سياسيا ولحل مشكلات متعلقة بتنظيم وجود السوريين في تركيا، ومنظمات المجتمع المدني من جمعيات ومنابر ومنصات وطاولات تعمل أيضا على الجانب الإنساني ولحل مشكلة تنظيم وجود السوريين في تركيا ومتابعة الحالات الإنسانية، ووسائل الإعلام ومراكز الدراسات توجه نتاجها للرأي العام السوري باللغة العربية فقط، في ظل شبه انعدام أي جهود في منصات التواصل الاجتماعي، وغياب أي خطاب إعلامي احترافي محايد باللغة التركية.

وبناء على ما سبق من الواضح أن ثمة جهودا مطلوبة لمواجهة الخطاب العنصري الموجه ضد السوريين، وعلى عدة مستويات، على المستوى الرسمي والإعلامي التركي، ثمة جهود توعية مطلوبة لتفنيد الأكاذيب ودحضها، وعلى الصعيد السوري وهو ما يمكن علينا القيام به، فعلى المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني أن تعمل بشكل مكثف لعقد حوارات وندوات ولقاءات مع الجانب التركي، نظرا لتأثير منظمات المجتمع المدني التركية في الرأي العام التركي، كما يجب الحرص على استخدام أي مساحة سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الإعلام أو عبر منصاتهم الخاصة، والجهد الأكبر يقع على عاتق وسائل الإعلام السورية من أجل تخصيص جزء من إنتاجها لمخاطبة الرأي العام التركي، بخطاب احترافي موجه مدروس يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جيد، والمؤثرات البصرية المختلفة لتقديم محتوى يستهدف المواطن التركي، وكما استطاعت المعارضة توصيل خطابها للمواطن البسيط يمكن لهذه الوسائل الوصول للمواطن التركي أيضا بالمعلومة الصحيحة، وليس من الخطأ الاعتماد على كوادر تركية احترافية في هذا الصدد ما دام من يعد الأجندة في هذه الوسائل هم سوريون وهدفهم واضح بالوصول إلى حالة من تحييد السوريين من التطورات والاستقطاب السياسي الموجود في البلاد، وحالة استضافة تلفزيون سوريا لكاتبة تركية معروفة وكتابتها مقالا عن الزيارة حالة إيجابية يحتاج لتعميمها وتوسيعها بشكل أكبر من خلال لقاءات مستمرة تجعل قادة الرأي أيضا يلعبون دورهم المهم في التأثير على الرأي العام التركي.