أحزاب المعارضة التركية ولوثة العنصرية تجاه "السوريين"

2021.08.12 | 06:26 دمشق

images.jpeg
+A
حجم الخط
-A

يبدو واضحا تماما المنحى التصاعدي لحملات التحريض وخطاب الكراهية والمواقف العنصرية من بعض الساسة وقادة الأحزاب التركية المعارضة.. وواضح تماما أنها بدأت تأخذ زخما كبيرا حتى لا يكاد يمضي يوم واحد دون أن يتحفنا أحدهم بتصريح ينضح بالعنصرية والكراهية ضد السوريين بشكل لم تعد معه سياسة التجاهل التي تتبعها الحكومة تجاه ذلك تنفع في مواجهة هذا المد المرعب الذي ربما يقود في لحظة ما بفعل الشحن الإعلامي إلى مالا يحمد عقباه.

أطلق المايسترو كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري شارة البدء بتلك الحملة عندما أطلق تصريحات عن عزمه إذا ما تولى السلطة، ترحيل السوريين إلى بلادهم بعد أن يعقد صفقة مع نظام الأسد لتنطلق بعدها تصريحات من هنا وهناك أكثر عدائية وعنصرية في خطابها.

ورغم أن تركيا دولة ملجئة واستقبالها للاجئين يمثل قيمة مجتمعية راسخة ومحل تقدير، وبالرغم من وجود ملايين اللاجئين في تركيا من دول شتى كالبوسنة وكوسوفو وليبيا والعراق والصومال وأفغانستان ومصر واليمن إلا أن الحملات لاتتوجه إلا صوب اللاجئين السوريين، والخطاب والسلوك العنصريان لا ينصرفان إلا باتجاه السوريين وهو ما يضعنا أمام شارتي تعجب واستفهام.. لماذا السوريون؟!

التركي الذي يعيش أزمة اقتصادية وضيقا في سبل العيش لن يسعده بالتأكيد أن يسمع من حكومته أنها أنفقت على السوريين أربعين مليارا من الدولارات

الحقيقة أن سلبية الحكومة قبل الحملات الأخيرة وعدم تقديرها للأمور بحجمها الصحيح وعدم وضوح وقطعية خطابها للمجتمع التركي بشأن أوضاع السوريين القانونية وما يتلقونه من مساعدات ومن أين يتلقونه كل ذلك يمثل جزءا من المشكلة التي طفت على السطح الآن وطغت على خطاب بعض الساسة والصحفيين وأعضاء البرلمان ورؤساء البلديات.. فالتركي الذي يعيش أزمة اقتصادية وضيقا في سبل العيش لن يسعده بالتأكيد أن يسمع من حكومته أنها أنفقت على السوريين أربعين مليارا من الدولارات فهو بها أولى، يضاف لها ما يضخه العنصريون من مزاعم لا أصل لها حول تلقي السوريين معونات مالية من الحكومة وعدم دفع إيجارات لمنازلهم وغيرها من الأباطيل التي لا يصدقها عاقل.

لكن المسألة اليوم لم تعد ضعفاً وندرةً في إطلاق وترويج التوضيحات الحكومية للشعب التركي وعقد ملتقيات مباشرة من قبل كوادر الحزب الحاكم مع أطياف مختلفة من المجتمع التركي وهو أمر حيوي ومهم ليس فقط لمواجهة خطاب الكراهية وتصعيد الحملة الشعبوية من قبل الأحزاب المعارضة تجاه السوريين مع ما قد ينجم عن ذلك من احتكاكات وحوادث مفتعلة ضد السوريين لاقدّر الله لكن أيضا لأن المسألة صارت جزءا من حملة مبكرة للضغط على الحكومة لدفعها باتجاه انتخابات مبكرة تسعى لها المعارضة لأنها تريد استباق الموعد القانوني لتلك الانتخابات بالنظر لاستشعارها خطر انقسامات في جبهة تحالفاتها إذا ما بقيت الانتخابات على موعدها الدستوري والقانوني، خصوصا أن مؤشرات مثل تلك الانقسامات صارت بادية للمتابع للشأن السياسي التركي سواء داخل حزب الشعب الجمهوري نفسه أو بين هذا الحزب وبقية أحزاب تحالف المعارضة كحزب الجيد وحزب السعادة الذي صارت قياداته الشبابية أميل نحو الدخول في تحالف الجمهور الذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، كما أنه ليس واضحا تماما حتى الآن خيار انضمام أطراف أخرى (كحزب المستقبل الذي أسسه داوود أوغلو وزير الخارجية السابق، أو حزب الديمقراطية والتقدم الذي يقوده علي بابا جان وزير الاقتصاد التركي السابق ) لتحالف الأمة الذي يضم حزب الشعب الجمهوري وحزب "الجيد" وحزب الشعوب الديمقراطي الذي يرزح تحت وطأة المساءلة عما قيل بانتماء بعض أعضائه وقياداته إلى حزب PKK المصنف كحزب إرهابي في تركيا والعديد من دول العالم.

وبالتالي فإن تصاعد هذا الخطاب الشعبوي تجاه السوريين والرغبة في استثماره انتخابيا وكذلك محاولة استثمار الأوضاع الاقتصادية التي تأثرت بجائحة كورونا قبل أن يعاود الاقتصاد التركي مسار التعافي، في الدعوة لانتخابات مبكرة ليس إلا تعبيرا عن رغبة في شد عصب المعارضة واستثمار التحالف الحالي الذي لم ينفرط عقده بعد بين أحزاب المعارضة أملا في إسقاط الحكومة الحالية والحلول محلها.. ولعل انطلاق هاشتاغات جديدة قبل أيام بهذا المعنى مترافقة من الحرائق الكبرى التي اجتاحت مناطق واسعة من تركيا تشي أن هذه المعارضة مستعدة لاغتنام حتى الكوارث المتأتية عن الطبيعة وتوظيفها في صراعها الانتخابي ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم لأنها تدرك أن انتظار المواعيد الدستورية للانتخابات التركية عام 2023 سيفقدها أي أمل بتحقيق النتائج التي تسعى إليها، فتحالفها الهش غير قادر على الصمود حتى ذلك التاريخ وستكون خلال الوقت المتبقي للموعد الانتخابي أكثر عرضة للانقسامات الذاتية في أحزابها والموضوعية بين تلك الأحزاب.

هذا الصراخ والهراء حول ترحيل السوريين ليس سوى جعجعة للاستثمار السياسي والانتخابي أكثر مما هو رؤية واقعية لحل قضية سياسية وقانونية وإنسانية

السوريون في كل هذا الكرنفال تسعى المعارضة التركية لجعلهم مكسر عصاها، ومادة لشد عصب جمهورها وهي تدرك قبل غيرها أنها – حتى لو وصلت السلطة – لن يكون بمقدورها طرد السوريين بالبساطة التي تروجها فيها لجمهورها القطيعي.. فالسوريون هنا حالة قانونية يتعين التعاطي معها من هذا المنظور، وهي تدرك أيضا أنها لن تستطيع ترحيل السوريين قسرا إلى بلدهم ما لم يحصل هناك تطور يتعلق بحل سياسي شامل يقبل به السوريون جميعا يجعل من عودة السوريين لبلدهم عودة طوعية وكريمة وآمنة، وهذا الحل المنتظر ليس صناعة تركية خالصة بل هو حل دولي متكامل تمثل تركيا جزءا صغيرا منه.. وبالتالي فهذا الصراخ والهراء حول ترحيل السوريين ليس سوى جعجعة للاستثمار السياسي والانتخابي أكثر مما هو رؤية واقعية لحل قضية سياسية وقانونية وإنسانية، لكنه بالتأكيد يخلق فجوة بين السوريين والمجتمع التركي لن يكون من اليسير جسرها.

في جميع الأحوال هذا لا يعني أن يبقى السوريون في حالة استلاب، وتلقي الضربات تحت الحزام، بل صار لزاما عليهم العمل على مستويين، أولهما إطلاق حملة علاقات عامة مع المجتمع التركي من خلال منظماتهم وتجمعاتهم ووسائل إعلامهم التي يمكن لها تطوير برامج تخاطب الجمهور التركي عبر منصة تويتر وهي الأكثر شعبية واستخدامها في تركيا برسائل ناطقة بالتركية لدحض خطاب المعارضة التركية المتهافت والمليء بالأكاذيب خصوصا أن القنوات التركية في معظمها تتبنى خطاب المعارضة وتروج له ولا تفسح في المجال لوجهة النظر الأخرى... وثانيهما تكثيف التعاون مع المؤسسات الحقوقية التركية لمواجهة خطاب الكراهية والسلوك العنصري ضد السوريين قضائيا، فهذا الجموح العنصري لن توقفه أو تحد منه سوى الأحكام القضائية التي تضع حدا لهذا النباح العنصري.