أجندة السياسة الداخلية والخارجية التركية لعام 2020

2020.01.17 | 17:29 دمشق

2019-09-16t164354z_1045627562_rc1524ac0b60_rtrmadp_3_syria-security-summit.jpg
+A
حجم الخط
-A

كانت أجندة السياسة الخارجية التركية في عام 2019 كثيفة للغاية ولا يتوقع أن تكون الأجندة في عام 2020 أقل كثافة من العام المنصرم، ولعل المتابعين يذكرون على الأقل ما اختتمت به تركيا عام 2019 في ربعه الأخير حيث شهد أكتوبر 2019 عملية نبع السلام في شمال سوريا والتي هدفت لطرد وحدات بي واي دي من مناطق شرق الفرات ويمكن القول أنها تحققت جزئيا، وقد لاقت تركيا معارضة أوروبية وعربية كبيرة وتحولا في الموقف الأمريكي، كما وقعت تركيا مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية تعتبر الأولى مدخلا لإحباط مخططات دول شرق المتوسط لترتيبات الطاقة في المنطقة من دون تركيا، في حين كان الثاني مقدمة لوجود عسكري تركي في طرابلس.

وحتى أجندة السياسة الداخلية التركية لم تكن خفيفة فقد خسر حزب العدالة والتنمية 2 من البلديات الكبرى هما أنقرة وإسطنبول ولم يستطع برغم كل محاولاته الفوز في الثالثة وهي بلدية إزمير مما أضاء كل مؤشرات التحذير أمام مستقبل الحزب ووضعه في الانتخابات المقبلة التي من المتوقع أن تجرى في 2023. كما أن رئيس الحزب الأسبق أحمد داود أوغلو ووزير الخارجية الأسبق عن الحزب علي باباجان قد شرعا في تأسيس أحزابهما الخاصة وفيما تجسد حزب داود أوغلو على الأرض تحت اسم حزب المستقبل فإن حزب باباجان لازال قيد الإنشاء!

من المنتظر أن تستمر تركيا في ممارسة نفس السياسة في سوريا في العام 2020 لكن بتوقعات أقل في ظل نية روسيا ونظام الأسد السيطرة على إدلب تدريجياً

ولعل بروز باباجان الخبير الاقتصادي والوزير الذي كان الاقتصاد التركي في فترة عمله وزيرا للاقتصاد يقدم أرقاما صاعدة قد جاء بعد تعرض تركيا لهجمات اقتصادية في 2018 أدت إلى أزمة واضحة في العملة التركية ولكن خبراء الاقتصاد في تركيا يشيرون إلى عام 2019 إلى أنه كان عاما بذلت فيه جهود كبيرة من الدولة للتعافي من الهجمات الاقتصادية ولتحقيق أرقام نمو أفضل وهم راضون عن الأرقام التي تحققت في 2019 ويرون أن الاستمرار على هذا النهج في 2020 سوف يحدث لتركيا ارتياحا كبيرا في المجال الاقتصادي.

لعل من أهم ما شهده صيف العام 2019 هو وصول أول مجموعة من أجزاء منظومة "إس-400" الروسية إلى مطار عسكري في أنقرة وهي الصفقة التي سببت توترا أمريكيا تركيا فرضت بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على تركيا كان أبرزها إخراج تركيا من برنامج إنتاج طائرات إف 35 وحرمان تركيا من الطائرة. وفي هذا السياق فإن المتوقع أن تستمر هذه القضية حاضرة في العام 2020 ولكن تركيا ستعمل قدر الإمكان على إدارة الأزمة بطريقة لا تتسبب في قطع العلاقات.

من المعلوم أيضا أن العام 2020 وشهر نوفمبر تحديدا سيكون عام الانتخابات الأمريكية ومن المعلوم أن ترمب مر في 2019 بأزمة العزل ولكنه يتجه للانتخابات وهو يشير إلى نفسه بأنه يحمل العديد من الإنجازات لعل ما يتعلق بالشرق الأوسط منها سحبه للقوات من سوريا واغتياله لسليماني والبغدادي. وبالنسبة لتركيا وعلاقاتها مع الديمقراطيين فإن الواضح أن التعامل بين أردوغان وترامب قد وصل إلى درجات مقبولة من التفاهم والتواصل أفضل من أي بديل مطروح حاليا.

من المنتظر أن تستمر تركيا في ممارسة نفس السياسة في سوريا في العام 2020 لكن بتوقعات أقل في ظل نية روسيا ونظام الأسد السيطرة على إدلب تدريجياً، ستعمل تركيا غالبا على منع حدوث أزمة إنسانية جديدة في إدلب وستحاول التوصل لذلك مع الأطراف المعنية وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي الذي يركز اهتمامه على قضية اللاجئين.

من ناحية أخرى تواجه تركيا في العام 2020 قضية خطيرة وهي احتمالات انهيارات الاستقرار على حدودها الجنوبية مع العراق بعد اندلاع المظاهرات واستقالة الحكومة

على الأغلب سيكون شرق المتوسط وليبيا هو العمل الرئيسي لجهاز السياسة الخارجية في تركيا من مناورات دبلوماسية وعسكرية ومع أطراف أكثر عددا وبقناعة أنه من دون القوة العسكرية في الميدان فإن المناورات الدبلوماسية لن تجدي كثيرا.

من ناحية أخرى تواجه تركيا في العام 2020 قضية خطيرة وهي احتمالات انهيارات الاستقرار على حدودها الجنوبية مع العراق بعد اندلاع المظاهرات واستقالة الحكومة وأخيرا اغتيال سليماني وقادة الحشد الشعبي ومطالبة البرلمان العراقي بخروج القوات الأمريكية وهو أمر قد يسهل من عودة داعش ومن منح حزب العمال الكردستاني هوامش حركة أكبر.

ما زال هناك وقت على الانتخابات التركية القادمة وعلى الأغلب سوف يكون حزب العدالة والتنمية مرتاحا داخليا ما لم تقم المعارضة التركية باللجوء لاستقطابات بمعارضتها لمشاريع الحكومة التركية، وهذه سوف يتعامل معها الحزب بمرونة على الأرجح ولكن السياسة الخارجية لتركيا ستبقى منهمكة في المناطق المحيطة بتركيا في ظل انقضاض روسيا على كل فراغات المنطقة وفي ظل التوتر الأمريكي الإيراني في الخليج والسعي الإسرائيلي لاستغلاله وعدم الاستقرار المستمر من ليبيا إلى سوريا والعراق.