آلية إنتاج الجرائم في سوريا

2022.01.18 | 06:36 دمشق

0_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

الملاحظ في الآونة الأخيرة ارتفاع ملحوظ في معدلات الجريمة في مجمل المناطق السورية، وخاصة تلك الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، وهو ما يعكس الحالة المزرية التي آلت إليها أوضاع البلاد على الصعد جميعها.

وسجلت مناطق سيطرة النظام مع نهاية عام 2021 وبداية العام الجاري، ما يزيد على 10 جرائم قتل كانت معظمها ضد نساء قتلن على يد أحد أقاربهن من الدرجة الأولى، مثل جريمة مقتل آيات الرفاعي في دمشق على يد زوجها، ︎وقتل حسن خضور في طرطوس على يد زوجته وأبنائه، وقتل الأختين وئام ومريام مسعود في السويداء على يد والدهما، وقتل أب وزوج بنته في درعا على أيدي بناته، وقتل وحرق فتاة على يد أخيها القاصر في ريف دمشق، وغير ذلك.

الإحصائيات الصادرة عن مراكز دولية تعنى بهذا الشأن تشير إلى أن سوريا باتت تحتل مركزا متقدما على مستوى العالم في معدلات الجريمة

ورغم زعم وزير الشؤون الاجتماعية والعمل لدى النظام محمد سيف الدين بأن نسبة الجريمة في البلاد، هي ذاتها ما قبل عام 2011، مبررا الحديث عن الجرائم هذه الأيام بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ونقلها أخبار الجرائم خلافا للوضع السابق، فإن الإحصائيات الصادرة عن مراكز دولية تعنى بهذا الشأن تشير إلى أن سوريا باتت تحتل مركزا متقدما على مستوى العالم في معدلات الجريمة، حيث تصدرت الدول العربية بارتفاع معدل الجريمة، واحتلت المرتبة التاسعة عالميا، للعام 2021، وذلك بحسب موقع "Numbeo Crime Index" المتخصص بمؤشرات الجريمة في العالم.

ولعل ما يفسر جزئيا هذا التطور "إنجاز" آخر حققته البلاد تحت قيادة هذا النظام، وهو احتلالها المركز الأول على مستوى العالم في إنتاج حبوب "الكبتاغون" المخدرة، وفق ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية في أيار مايو الماضي نقلا عن تقرير لمنظمة "مركز التحليل والبحوث التشغيلية"، حيث بلغت صادرت الكبتاغون من سوريا، وفق التقرير ما لا يقل عن 3.46 مليارات دولار في عام 2020.

وإذا أضفنا تفشي المخدرات، مع زيادة معدلات الفقر إلى درجة غير مسبوقة حيث تصدرت سوريا أيضا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم بنسبة 82.5%، وفقًا لبيانات موقع "World By Map" العالمي، في شباط فبراير الماضي، فإننا سوف نحصل ولا شك على بيئة مواتية جدا لارتكاب الجرائم، خاصة مع انتشار السلاح بيد فئات كثيرة تتبع في غالبيتها لقوات النظام وميليشياته والمسلحين الموالين له، فضلا عن غياب سلطة القانون، وانشغال أجهزة النظام المعنية بأمور أخرى غير ذات صلة بتوفير الأمن للمواطنين.

إذن، نحن أمام نتيجة منطقية لاجتماع كل هذه العوامل في بلد أنهكته الحرب، وهدمت كثيراً من بنيانه الاجتماعي، وشتت أسره، ما ولّد حالة عميقة من التفكك الاجتماعي والانهيار الأسري، وتراجع القيم والروادع الأخلاقية والدينية التي عادة ما تشكل عاصمًا أخلاقيًا للمجتمعات في حال غياب سلطة القانون كما هو الحال في سوريا اليوم.

ولعل التوقف لبرهة عند التصريح الذي أدلى به زاهر حجو مدير هيئة الطب الشرعي لوسائل إعلام محلية بأن عدد ضحايا جرائم القتل في البلاد بلغ العام الماضي 414 ضحية، قتل غالبيتهم (297) نتيجة طلق ناري، يوضح أن الفاعلين هم من الموالين للنظام؛ لأنه لا يمكن لغير الموالين حمل السلاح في مناطق سيطرة النظام، ما يفسر أيضًا سهولة وسرعة اللجوء لاستخدام السلاح من قبل هؤلاء، نتيجة انغماسهم في عمليات القتل خلال الحرب واستسهالهم إطلاق النار من جهة، واعتقادهم أنهم بمأمن من المحاسبة من جهة أخرى.

والواقع يقول إن المؤسسات المسؤولة عن حماية المواطنين هي نفسها ضالعة في استخدام العنف غير المبرر ضد هؤلاء المواطنين، وهي تاليًا غير مؤهلة وظيفيًا وأخلاقيًا لمحاسبة المجرمين الذين هم من طينتها، ويتناسلون من أحشائها، ويترعرعون في أحضانها.

الطابع العام للجرائم في سوريا، ليس سلوكًا فرديًا شاذًا كما يحاول النظام تصوير الأمر، بل نتيجة منطقية لحالة التردي الشامل التي آلت إليها البلاد بعد 10 سنوات من الحرب والفقر والفوضى والتفكك وغياب سلطة القانون

ومع ازدهار البيئة الحاضنة السياسية والاقتصادية لتفشي ونمو الجريمة، تأتي العوامل والاضطرابات النفسية الناتجة عن الحرب وعن التدهور الاقتصادي والمعيشي، والتفكك المجتمعي، كتحصيل حاصل، بما فيها حالات الانتحار بسبب عجز صاحبها عن التكيف مع الأوضاع القاهرة التي يعيشها، فتعصف به حالة الاضطراب، وتفقده توازنه وقدرته على التصرف السليم.

ومن هنا، فإن الطابع العام للجرائم في سوريا، ليس سلوكًا فرديًا شاذًا كما يحاول النظام تصوير الأمر، بل نتيجة منطقية لحالة التردي الشامل التي آلت إليها البلاد بعد 10 سنوات من الحرب والفقر والفوضى والتفكك وغياب سلطة القانون وانتشار السلاح بأيدي ميليشيات وأفراد موالين للنظام غالبيتهم من أصحاب السوابق الإجرامية أو ممن انخرطوا في عمليات القتل والقمع لصالح النظام خلال السنوات الماضية، وهو ما يجعل الوضع مواتيًا لزيادة أكبر في معدلات الجريمة في المستقبل المنظور.