آلام إدلب.. ضغط روسي باستهداف المدنيين

2021.07.25 | 06:54 دمشق

221875303_1983499128472499_5980852550872439347_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

من حق جميع المدنيين السوريين القاطنين بإدلب، الشعور بالقلق من جراء القصف المدفعي المتواصل من قبل قوات النظام، وعبر الطائرات الروسية جوا، حيث إنهم أرهقوا وتعبوا من حالة عدم الاستقرار والنزوح المتواصلة، ولم تعد لديهم القدرة لتقديم مزيد من الآلام أمام وحشية النظام وبدعم غير محدود من قبل روسيا، من حقهم التساؤل عن ماذا يحصل والمآلات التي تذهب إليها المنطقة، من جراء عدم التزام روسيا بالتعهدات والاتفاقيات الدولية الموقعة، وعدم قدرة تركيا على ردع روسيا من ممارسة هذه التجاوزات والانتهاكات، بالرغم من التغييرات الميدانية التي طرأت على المنطقة، وخلقت واقعا جديدا.

من المهم بداية الحديث عن روسيا التي بدأت تلجأ إلى أسلوب جديد في الخروقات والتعاطي الميداني مع إدلب، وفق الأهداف السابقة لها والتي لم تتغير، وهي محاولة الضغط على المدنيين لإجبارهم على النزوح، وتفريغ المنطقة بحجة عدم التزام تركيا والفصائل المعارضة بالاتفاقيات الموقعة، حيث إن تركيا في عملية درع الربيع، فرضت واقعا ميدانيا جديدا بانتشار عسكري واسع مكثف عبر عشرات المواقع العسكرية، واستهداف طائرات النظام وإسقاط عدد كبير منها سواء المروحية منها أو المقاتلات، ففرضت نوعا ما حظرا جويا على طيران النظام، ولهذا لجأت روسيا لدعم النظام وفق أسلوب وتكتيك جديد يعتمد على القصف من بعيد، أو عبر الجو بطائرات روسية، لأن موسكو تدرك تماما أن تركيا لا يمكن أن تستهدف طائراتها وتسقطها وفق الاعتبارات الدولية، فيما زودت النظام بمدافع تعمل على الليزر بحسب مصادر إعلامية، وهذا التكتيك لم يتبعه توقعات أن تكون هناك تحضيرات لعمليات عسكرية برية من قبل النظام والميليشيات الإرهابية التابعة لها، وهذا ما يضع المنطقة بحالة تشبه القنبلة الموقوتة، لا تدع المدنيين يعيشون براحة وهناء، ولا هي تلتزم بالاتفاقيات الموقعة والحفاظ على التهدئة.

لا يمكن لتركيا تطبيق هذه الاتفاقيات في ظل الظروف الحالية ضمن الاتفاق المؤقت، دون تحويل المنطقة إلى منطقة آمنة ووقف دائم لإطلاق النار

ويحق للمدنيين المقيمين في هذه المنطقة التعبير عن مخاوفهم مما يحصل ومعرفة الأسباب التي أدت لهذه الحالة، والأهداف الروسية من هذا الأسلوب الجديد، في الوقت الذي تم الحديث عن أسباب هذا الأسلوب فمن الضروري معرفة أهدافه، ومن المؤكد أن لروسيا عدة أهداف عبر الضغط هذا، من خلال استهداف المدنيين، فهي تريد بداية قضم مزيد من الأراضي وتفريغ جنوب الطريق الدولية حلب اللاذقية، وتذكر الضامن التركي بضرورة الالتزام بالاتفاقيات الموقعة بينهما، وإنشاء منطقة عازلة على الطريق الدولية إم 4 بمسافة 6 كم من الجانبين، وفتح الطرق الدولية للحركة التجارية، حيث إن هناك توافقات بين البلدين بهذا الشأن، ولكن لا يمكن لتركيا تطبيق هذه الاتفاقيات في ظل الظروف الحالية ضمن الاتفاق المؤقت، دون تحويل المنطقة إلى منطقة آمنة ووقف دائم لإطلاق النار تماما كما مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، فكيف لتركيا العمل على تطبيق الاتفاقيات وهناك تهديد لحياة المدنيين، وخروقات وقصف مستمر، كيف يمكن ترتيب الأوضاع الداخلية في المنطقة في ظل توترات مستمرة، وحالة من عدم الاستقرار، روسيا تعمل على خلق هذه الحالة من أجل توتر مستمر بالمنطقة وفرض حالة لا استقرار تؤدي بالضرورة لاحقا إلى تعمق الأزمة الإنسانية واستمرار النزوح واضطراب الأوضاع الداخلية وصولا لتحقيق الأهداف الموضوعة من قبلها.

ومن الملفت أن هذه الخروقات تأتي في وقت شهد فيه الشهر الجاري عدة أحداث مهمة على الصعيد السوري، منها عقد اجتماع أستانا 16، وما نتج عنه من توافقات على استمرار التهدئة، تبعه تبني قرار في مجلس الأمن لتمديد الآلية الدولية لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى الداخل السوري عبر معبر باب الهوى لمدة 6 أشهر قابلة للتمديد 6 أشهر أخرى، وتلا ذلك اتصال هاتفي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جو بايدن، وكان الملف السوري حاضرا بينهما، كما أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالا هاتفيا قبل شهر مع بوتين، وبالتالي كانت هناك لقاءات دولية تشي بالتهدئة، لكن تداخل الملفات الدولية سواء الأوضاع في ليبيا وفي أذربيجان، واللقاءات التقنية الروسية الأميركية وغيرها من التطورات، بالتأكيد تلقي بظلالها على الأوضاع في إدلب، وتؤدي لحالة من عدم الاستقرار.

وتفيد بعض المصادر أن اللقاءات الأخيرة التي جرت بين الجانبين التركي والروسي شهدت بعض الخلافات المتعلقة بالتموضعات الجارية في إدلب، حيث إن تركيا وفصائل المعارضة ردت برفض المطالب الروسية، ولم تشهد تلك اللقاءات التي جرت استجابة تركية للمتطلبات الروسية بتغيرات في المواقع سواء لها أو لفصائل المعارضة، كما أن تمديد الآلية الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية تطالب موسكو خلالها أن تصل تلك المساعدات إلى مناطق النظام، عبر فتح معابر برية بين إدلب وهذه المناطق، وبالتالي يكون هناك دخول لهذه المساعدات من معبر باب الهوى باتجاه مناطق سيطرة النظام، وتخفيف الأزمة التي يعاني منها النظام في تلبية حاجات السوريين المقيمين في مناطق سيطرته، ووصلت الأوضاع فيه لحافة الانهيار في ظل استمرار الطوابير وتخفيض المخصصات من الخبز وما شابه ذلك، ولهذا تعتقد هذه المصادر أن روسيا تحاول عبر الضغط الميداني واستهداف المدنيين بالتذكير بتطبيق هذه التوافقات، وتحقيق مكاسب لصالح النظام على حساب أرواح المدنيين، وبالتالي فإن أهداف روسيا وأسباب تصعيدها يمكن تلخيصه بمحاولات الضغط على الضامن التركي والدول الغربية وأميركا من أجل فتح المعابر باتجاه النظام، وتطبيق الاتفاقيات الموقعة، وإجبار تركيا للجنوح إلى المفاوضات.

وبناء على الوضع السابق، تثار علامات الاستفهام على مدى قدرة تركيا على ردع الجانب الروسي من هذه الممارسات، وكيفية التعامل مع الخروقات الحاصلة، والتصدي للأسلوب الروسي الجديد هذا، حيث تعتبر تركيا الضامن في المنطقة ويعول عليها توفير الحماية للمدنيين بامتلاكها قوى عسكرية باتت قادرة على الردع وأخذ زمام المبادرة، ومن حق المدنيين معرفة ما يحصل وكيف يمكن التصدي للقصف الوحشي هذا، المستمر منذ أكثر من شهرين، ولهذا من المعروف أن تركيا تعمل على أكثر من مستوى للرد، وتدرك أن روسيا لا يمكنها أن تستمر لوضع يؤدي لانهيار الاتفاقيات ما يفتح الأبواب لعودة القتال في مختلف الجبهات.

يحق للمدنيين أن يطالبوا تركيا بحمايتهم والتحرك وفق ذلك، لأنها الدولة الضامنة والقادرة على إيصال صوت السوريين وحمايتهم أمام المحافل الدولية

المستوى الأول من قبل تركيا يكون عادة عبر تسجيل الخروقات وإبلاغ الجانب الروسي بها وتوثيقها، من خلال اللقاءات الميدانية العسكرية التي تجري بين قوات البلدين المسلحة، والمستوى الثاني عبر اللقاءات التي تجريها وزارة الخارجية على مستوى الخبراء، وصولا إلى مستويات أرفع، وربما التطورات الدولية التي حصلت خلال الشهر الجاري، فاجأت الجانب التركي بتكثيف الخروقات في ظل توقعها باستمرار التهدئة، بسبب اجتماع أستانا 16، والقرار الأممي الجديد خلال الشهر الجاري، والمستوى الثالث الذي تعمل عليه هو الرد عبر قصف مواقع قوات النظام بشكل مباشر، أو بشكل متزامن مع فصائل المعارضة، مع بقاء القوات التركية مستنفرة بشكل مستمر من أجل مراقبة أي حشودات بالمنطقة أو تحركات برية للرد عليها، والمستوى الرابع يتعلق بالتواصل الدولي من أجل حشد موقف موحد في مواجهة الهجمة الشرسة والخروقات من قبل النظام وروسيا، وبالتالي من المؤكد أن تركيا بعد أن قدمت عددا كبيرا من الشهداء وبعد أن تعهدت بحماية المدنيين لن تتخلى بأي شكل من الأشكال عن المدنيين، وفي الوقت نفسه يحق للمدنيين أن يطالبوا تركيا بحمايتهم والتحرك وفق ذلك، لأنها الدولة الضامنة والقادرة على إيصال صوت السوريين وحمايتهم أمام المحافل الدولية.