icon
التغطية الحية

خيارات تحرير الشام بعد اتفاق موسكو ومحاولاتها الحفاظ على وجودها

2020.04.29 | 14:42 دمشق

photo_2020-04-13_15-22-58.jpg
محاولات الجيش التركي لفض "اعتصام الكرامة" على الطريق الدولي M4 (تلفزيون سوريا)
تلفزيون سوريا - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

عاد ملف معبر هيئة تحرير الشام بين إدلب ومناطق سيطرة النظام إلى الواجهة يوم أمس، بعد 4 أيام من تبادل إطلاق النار بين القوات التركية والمعتصمين على الطريق الدولي M4، وعدول الهيئة عن قرارها في فتح معبر مع النظام في مدينة سراقب، فيما يبدو أنه استمرار للصراع الناعم بين تركيا وهيئة تحرير الشام التي باتت تواجه شح الخيارات بعد اتفاق موسكو، وأزمة داخلية بدأت تظهر بداياتها.

وأفاد مراسل تلفزيون سوريا بأن الأهالي قطعوا صباح أمس الطريق الواصل بين بلدتي معارة النعسان وميزناز شمالي مدينة إدلب، لمنع هيئة تحرير الشام من فتح معبر تجاري مع مناطق سيطرة النظام، وكان الجيش التركي قد رفع سواتر ترابية على مدخل البلدة لإعاقة مرور الشاحنات.

هذه التحركات التي سبقها لقاءات نظمتها حكومة الإنقاذ مع تجار في مناطق سيطرة المعارضة، لمنحهم منبراً إعلامياً يشتكون فيه من الضرر الكبير الذي لحق بهم جراء إغلاق المعابر.

ويفسر الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عباس شريفة في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، تغيير مكان المعبر من سراقب إلى معارة النعسان، بأنه تلميح لتركيا بإمكانية إجراء مقايضة تتيح للهيئة فتح معبر تجاري مقابل إنهاء "اعتصام الكرامة" على الطريق الدولي M4، والذي ما زال مستمراً رغم الاشتباكات التي أدت يوم الأحد الفائت إلى مقتل 3 عناصر من الشرطة التابعة لحكومة الإنقاذ واستهداف الهيئة آلية للجيش التركي بصاروخ م/د، وتدخل الدرون التركي بقصف مصادر نيران الهيئة.

وتسعى تحرير الشام في هذه المحاولة، رغم معرفتها بأن أحد أبرز أهداف فتح الطريقين الدوليين واتفاق موسكو هو حرمان الهيئة من واردات المعابر التي تقدر بملايين الدولارات، وخلق أزمة مالية داخل الهيئة ينتج عنها أزمات مرتبطة تتعلق بانفكاك المجموعات عنها والتحاقها بالجبهة الوطنية للتحرير التي تشهد عملية هيكلة في 6 ألوية من قبل القوات التركية.

وسبق أن تداول ناشطون محليون صوراً لعناصر من الجهاز الأمني في هيئة تحرير الشام، يشاركون في "اعتصام الكرامة"، وأكدوا أن حكومة الإنقاذ باعتبارها الذراع المدني للهيئة، هددت موظفيها وعناصر الشرطة بالفصل في حال لم تلتحق بالاعتصام الذي بدأ به أهالي المنطقة المهجرين الذين رفضوا اتفاق موسكو، لكن استغلته الهيئة ليكون ورقة ضاغطة على تركيا لمنع تسيير الدوريات المشتركة.

 

الجولاني أمام أزمة داخلية.. ما هي الخيارات؟

أعلن كل من القيادي في هيئة تحرير الشام جميل زينية (أبو مالك التلي) وبسام صهيوني رئيس مجلس الشورى العام التابع لتحرير الشام، استقالتهما في السابع من الشهر الجاري، ليسارع الجولاني إلى عقد اجتماع مع "التلي" الذي يعتبر من قيادات الصف الأول في الهيئة، ويصرح مسؤولو الإعلام في تحرير الشام بعدول "التلي" عن قراره دون تأكيد منه، وتصدر قرارات تعيينات وإعادة هيكلة شاملة للهيئة.

وأعلنت الهيئة في الـ 16 من الشهر الجاري تشكيل 3 ألوية جديدة "لواء طلحة بن عبيد الله" بقيادة المدعو "أبو حفص بنش"، "لواء الزبير بن العوام" بقيادة المدعو "أبو محمد شورى" و"لواء علي بن أبي طالب" بقيادة المدعو "أبو بكر مهين"، وقالت إن هذه الخطوة "تنسجم مع تحضيرات القوى الثورية في الساحة لاستحقاقات المرحلة القادمة".

وعُيّن "أبو إبراهيم عندان" مسؤولاً عن الطرق بعد أن كان قائد قطاع حلب، وأُقيل أبو خالد الشامي من منصب المتحدث باسم الجناح العسكري وأصبح مسؤولاً عن المطبخ العسكري.

وأوضح الصحفي السوري عقيل حسين في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، بأن قيادة الهيئة عيّنت أبو بكر مهين المقرب من أبو مالك قائداً للواء علي بن ابي طالب المُستحدث، وذلك بعد إيصال "التلي" رسائل واضحة أنه لم يعد يقبل بإقصائه وتهميشه وقصر المراكز القيادية والحيوية على المقربين من الجولاني وأبو ماريا القحطاني.

أما أبو حفص بنش، قائد لواء "طلحة بن عبيد الله"، فهو أحد مسؤولي الملف الاقتصادي في الهيئة إلى جانب أبو عبد الرحمن الزربة، كما تجمعه بالجولاني علاقة مصاهرة.

وأوضح عقيل حسين بأن إعادة الهيكلة والتعيينات الجديدة، سببها استشعار الجولاني وفريقه القيادي لخطورة الوضع الحالي، وتزايد الساخطين على سياسات القيادة الحالية في إدارة الهيئة، ويأمل الجولاني أن تساعد هذه الخطوات على احتواء الأزمة الداخلية ومعالجة أزمة الفساد الإداري والمالي والترهل العسكري داخل تحرير الشام.

واستبعد الصحفي السوري المتابع لملف التنظيمات الجهادية في سوريا، أن تكون هذه التحركات الداخلية في الهيئة، مرتبطة مباشرة بحسابات مستقبل علاقة التنظيم بتركيا.

تحركات الجولاني وقيادة الهيئة المتسارعة بعد اتفاق موسكو في الخامس من آذار الفائت، تسعى إلى عدم ترك انطباع بتزعزع أركان الهيئة وكذلك ضبط البيت الداخلي للتنظيم لمواجهة "استحقاقات المرحلة القادمة" بحسب تعبير مكتب العلاقات الإعلامية في الهيئة.

ومن غير المستبعد أن يرحّل الجولاني مشكلات بيته الداخلي، وأيضاً أن يحقق مكسباً سياسياً يحافظ على وجوده ضمن "إدلب القادمة"، وذلك عبر تنفيذه مهمة القضاء على التنظيمات الأصغر والأكثر تطرفاً والمتهمة بالوقوف وراء التفجير الذي أودى بحياة 3 جنود أتراك في الـ 20 من آذار الفائت قرب بلدة محمبل بجبل الزاوية.

وتوجهت أصابع الاتهام إلى الفصائل المنضوية في غرفة عمليات "وحرض المؤمنين"، وعلى رأسها تنظيم حراس الدين التابع لتنظيم القاعدة، وسبق الهجوم على الدورية التركية في محمبل، تسجيل بثته حسابات مناصرة لتنظيمي حراس الدين وأنصار التوحيد، يظهر عناصر من التنظيمين على الطريق الدولي M4، هددوا فيه القوات التركية والروسية، وتلا البيان عنصر من حراس الدين ينحدر من بلدة حاس التي انسحب منها قبل سيطرة النظام عليها بساعات، بحسب مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا.

ويرى الصحفي عقيل حسين أن تحرير الشام "أثبتت باستمرار براغماتية بلا حدود"، ولا يستبعد أن تقدم الهيئة على تفكيك هذه الفصائل الأكثر تشدداً "مقابل مكسب سياسي مُغرٍ، مثل أن يتم رفعها من لوائح الإرهاب أو أن تحظى بعلاقات طبيعية مع المحيط الإقليمي ليعترف بها".

وأكد أن الهيئة هي الأكثر قدرة على استئصال هذه الجماعات التي لا تخفي عداءها الشديد لتحرير الشام، وبعضها يكفّر الهيئة، إلا أنها تفضل استمرار وجود هذه الجماعات كورقة مساومة مع تركيا والدول الفاعلة في الملف السوري، بحيث تبقي على الحاجة إليها قائمة من خلال التأكيد على أنها الوحيدة القادرة على تفكيك هذه الجماعات بالشكل الذي لا يمكن لبقية الفصائل المتحالفة مع تركيا فعله.

وفي حال أقدمت تحرير الشام على هذه الخطوة سواء باتفاق ما مع تركيا أو ببادرة منها لإظهار أنها الجسم الوحيد القادر على ضبط المنطقة أمنياً وإدارياً، فإنها ستواجه تحديات ما بعد ذلك مثل العمليات الانتقامية من خلايا هذه التنظيمات ضد عناصر الهيئة، وإصرار تركيا على اجتثاث الهيئة، لأنه لا يمكن أن يتم تأمين الطريقين الدوليين إلا بالقضاء الكامل على أي تنظيم يغرد خارج السرب التركي في إدلب، فلا يمكن حماية الطريق الدولي M4 تحديداً من أي هجمات عليه بحكم التضاريس التي تساعد على ذلك.

 

الجيش التركي في إدلب يستعد لكل الاحتمالات

بعد تثبيت 5 نقاط في محيط مدينة سراقب، وقاعدة كبيرة في معسكر المسطومة المجاور، بدأ الجيش التركي بالانتشار على جوانب الطريق الدولي M4 في منتصف شباط الفائت عندما أنشأ نقطة مراقبة في مفرق بلدة النيرب ونقطة في بلدة قميناس التي تقع بين النيرب ومدينة إدلب.

وفي الـ 26 من شباط الفائت تمركز الجيش التركي في جبل الأربعين الذي يكشف الطريق الدولي M4 من مدينة سراقب وحتى مدينة أريحا، وكذلك الطريق M5 من خان السبل حتى شمال مدينة سراقب.

وبعد اتفاق موسكو، تمركز الجيش التركي في بلدة بسنقول المطلة على الطريق M4 غربي مدينة أريحا بحوالي 10 كم، ومن ثم تمركز في تل خطاب قرب بلدة المشيرفة غربي نقطة بسنقول بـ 10 كم أيضاً.

وبدأ الجيش التركي بإنشاء نقاطه في منطقة جسر الشغور غربي إدلب في يومي 22 و23 آذار الفائت في بلدات المشيرفة وفريكة والزعينية وبداما والناجية، ومن ثم تمركز الجيش التركي في الخامس والسادس من الشهر الجاري في بلدتي بكسريا والبرناص. وتبعد هذه النقاط عن بعضها بعضاً مسافات لا تتجاوز الـ 3 كم في أكثر تقدير.

وتقع جميع النقاط الجديدة هذه، شمالي الطريق M4 باستثناء نقطتين جنوبه، هما جنقرة وتل أعور الواقعتين في أقصى سهل الغاب من شمال غرب حماة.

أما في جبل الزاوية فما زال الجيش التركي موجوداً في نقاطه في بلدات شنان واحسم وبسامس ومعربليت، في حين أخلى نقاطه في البارة وبليون.

ويبدو أن تركيا تتجهز لكل الاحتمالات، ففي حال مارست موسكو الضغط عليها لفتح الطريق M4 فهي جاهزة بنقاطها وعتادها لحماية الدوريات المشتركة من أي هجوم محتمل، وذلك في حال عدم التوصل لتفاهم مع هيئة تحرير الشام.

وأشار المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية الدكتور علي باكير، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن تركيا تفضل تجنب المواجهة التي ستدفع بمزيد من المدنيين إلى حدودها، "ولا يوجد أدنى شك بقدرة الجيش التركي على تنفيذ عملية عسكرية لكن سيكون هنالك ثمن لذلك".

وأكد على أن هذه الجماعات تدّعي حماية الأهالي، وإن لم تلتزم بما تم الاتفاق عليه فإنها تخاطر بتعريض المدنيين السوريين لنيران الأسد وروسيا وإيران مجدداً.