icon
التغطية الحية

تفجيرات لم تهدأ ومجالس محلية تسعى للنهوض بعد عام على"نبع السلام"

2020.10.09 | 15:43 دمشق

20201009_2_44748667_58757721.jpg
مدينة تل أبيض شمالي الرقة (الأناضول)
إسطنبول - تيم الحاج
+A
حجم الخط
-A

عام مضى على العملية العسكرية التركية بمشاركة الجيش الوطني السوري، في منطقة شرق الفرات بسوريا، التي كانت تهدف وفق رغبة أنقرة إلى إبعاد "وحدات حماية الشعب" الكردية (العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية/قسد) عن الحدود التركية.

سرد تفصيلي.. "نبع السلام" بين البداية والنهاية

في 9 من تشرين الأول 2019، وعندما أيقنت تركيا أن أحداً لن يستمع إلى مطالبها بإخراج "الوحدات الكردية" من المنطقة، وإقامة منطقة آمنة هناك، بدأت القوات التركية بالهجوم البري على مدينتي تل أبيض بريف الرقة، ورأس العين بريف الحسكة.

جاء الهجوم بعد أن وجه المسؤولون الأتراك عدة نداءات إلى أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، بحكم الرعاية والدعم الذي تتلقاه "قسد" من هذه الدول، لكن أنقرة لم تجد من يلبي طموحاتها، فلم تصبر طويلاً، وبُعيد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الانسحاب من سوريا، مطلع تشرين الأول 2019، الذي فسرته "قسد" حينئذ، على أنه كضوء أخضر لتركيا، التي بدأت قواتها في التاسع من الشهر ذاته بالزحف نحو شرق الفرات.

في اليوم الخامس من العملية التي أطلقت عليها تركيا اسم "نبع السلام"، سيطرت قواتها والجيش الوطني السوري، على مدينتي تل أبيض ورأس العين، كما سيطرت على عشرات القرى بمحيط المدينتين، وظلت تركيا مستمرة بتوجيه الضربات إلى "الوحدات الكردية" سعياً للتوغل أكثر في شرق الفرات، والوصول إلى مدينة عين عيسى الاستراتيجية بريف الرقة والتي تُعد العاصمة الإدارية لـ "الإدارة الذاتية" لشمال شرقي سوريا.

كانت المعارك تجري في ظل بيانات رافضة من قبل دول عربية ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، إلا أن الأخيرة تدخلت في 17 تشرين الأول 2019، عبر نائب الرئيس، مايك بنس، الذي توجه إلى الرئيس التركي لإيقاف المعركة، وتمكن حينئذ، من الحصول على هدنة لمدة 120 ساعة، تُوقف خلالها تركيا الهجوم على "الوحدات" حتى تنسحب من المنطقة.

راقبت تركيا الساعات الـ 120، ولم تجد انسحاباً حقيقياً من "الوحدات الكردية"، واعتبرت أن واشنطن تعمل على كسب الوقت وإعادة سيناريو "اتفاق منبج"، وقررت استئناف المعركة، إلا أن اللحظات الأخيرة لهدنة مايك بنس، شهدت تدخلاً روسياً أوقف المعركة بشكل كامل.

تُرجم التدخل الروسي، فعلياً في 22 من تشرين الأول 2019، بعد مباحثات طويلة بين الرئيسين الروسي والتركي، أسفرت عن توقف عملية "نبع السلام"، بعد أن اتفق الجانبان، على انسحاب "الوحدات الكردية" من الشريط الحدودي لسوريا بشكل كامل، بعمق 30 كيلومتراً، خلال 150 ساعة، إضافة إلى سحب أسلحتها من منبج وتل رفعت، إضافة إلى تسيير دوريات تركية - وروسية مشتركة غرب وشرق منطقة عملية "نبع السلام" بعمق عشرة كيلومترات، باستثناء مدينة القامشلي.

الاتفاق الروسي- التركي، فتح المجال أمام قوات نظام الأسد وروسيا للدخول إلى مناطق شرق الفرات للمرة الأولى منذ عام 2012، ضمن تفاهمات مع "قسد".

المشهد في "نبع السلام".. مدن تملؤها الملغمات

منذ الأيام الأولى لسيطرة الجيش الوطني السوري والجيش التركي على مناطق عملية "نبع السلام في الرقة والحسكة، لم تهدأ الملغمات التي تنفجر بين المدنيين في تلك المناطق، حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

تحمل تركيا "قسد" المسؤولية وراء هذه التفجيرات، وتقول إن الهدف من ورائها الانتقام من المدنيين، في حين تعمل الأخيرة جاهدة لنفي التهمة عن نفسها، مع كل تفجير يستهدف المنطقة، ويودي بحياة المدنيين.

وعلى الرغم من أن الوحدات التركية المسلّحة تقول إنها تعمل على اتخاذ تدابير أمنيّة مِن البر باستخدام الكلاب المُدّربة ومِن الجو باستخدام الدرونات (طائرات بدون طيّار)، وذلك لـ منع محاولات تسلل "الإرهابيين" ووصول الملغمات، إلا أن التفجيرات استمرت بالوقوع واستمرت في حصد الأرواح.

وبات من الصعب حصر عدد التفجيرات التي هزت رأس العين وتل أبيض، لكن إذا ما نظرنا إلى خريطة توزع هذه التفجيرات، خلال عام مضى، نجد أن مدينة رأس العين وريفها تتصدر عدد تلك التفجيرات، حتى أنها باتت على موعد أسبوعي معها.

موقع تلفزيون سوريا طرح في وقت سابق، أسئلة عدة على الناطق باسم الجيش الوطني السوري الرائد يوسف حمود، حول إجراءاتهم لضبط الأمن في مناطق نفوذهم، إلى جانب نقل مخاوف السكان من ازدياد تفجير الملغمات.

وقال حمود إنهم يقومون بحملات أمنية متكررة لتنظيفها، وفق وصفه، من الأطراف التي يؤدي وجودها في المنطقة إلى حدوث خلل أمني، ينعكس على الواقع الأمني للمنطقة ككل، مشيراً إلى أنهم يدعمون عمل الشرطة المدنية والعسكرية والقضاء، مستدركاً أن الجيش الوطني قام بتقليل عدد حواجزه ضمن المدن، وأن معظم الحواجز الموجودة حالياً هي مشتركة بين الشرطة المدنية والعسكرية.

ولفت حمود إلى أن هذه الحواجز المشتركة كشفت خللاً في توزيع المهام، لكون الجهاز الأمني لكلا الطرفين بعيداً عن عمل الآخر، مشيراً إلى أن هذا الخلل كان قبل أشهر، وتم تداركه لاحقاً بالتنسيق مع الجيش الوطني.

ولم يستبعد حمود وجود ثغرات أمنية في مناطق شمالي وشمال شرقي سوريا، عبر وصول ملغمات إلى مواقع تمركز الجيش الوطني، وقال إن العمل جار على تلافيها، عبر التنسيق مع الجانب التركي الذي يزودهم بالمعلومات الاستخباراتية، وقال إن الشرطة العسكرية والشرطة المدنية تمكنت من إلقاء القبض على عدة ملغمات قبل تفجيرها، بفضل المعلومات الاستخباراتية.

وركز حمود على أنهم يعملون على إنهاء حالة الخلل في توزيع المهام بين المؤسسات الأمنية في المنطقة، لأنها وفق تأكيده، لها دور كبير في إحداث ثغرات أمنية، يتم منها تسلل ملغمات إلى مواقع المدنيين والجيش الوطني.

اقرأ أيضاً: مناطق الجيش الوطني تملؤها الملغمات.. من يضبط بوصلة الأمن؟

 

مجالس محلية تحاول النهوض

تدعم السلطات التركية، المجالس المحلية، التي تأسست في تل أبيض ورأس العين، حيث تقوم هذه المجالس بتقديم الخدمات لأهالي المنطقة، لمحاولة التسريع في عودة الحياة إلى طبيعتها وعودة المدنيين إلى منازلهم.

وتشارك تلك المجالس، في توفير الاستقرار والأمن في المنطقة، وذلك بالقيام بأعمال إصدار بطاقات الهوية المحلية واستخراج رخص القيادة ولوحات المركبات لأهالي المنطقة.

وافتتحت تركيا فروعاً متنقلة لمؤسسة البريد التركية (PTT ) في تل أبيض في 24 كانون أول 2019، ورأس العين، في 3 كانون ثاني 2020.
وتواصل منظمات المساعدات التركية، بالتعاون مع رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ (AFAD)التركية ، وهيئة الإغاثة الإنسانية (İHH) ووحدة تنسيق الدعم السورية بشانلي أورفا(SUDKOM) تقديم الدعم لسكان المنطقة، ووفق وكالة "الأناضول"، التي أضافت أن رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ، و"وحدة تنسيق الدعم السورية"، قدمت مساعدات لـتل أبيض ورأس العين، تقدر بـ 42 ألف سلة غذائية، و90 ألف وجبة غذائية، و160 ألف سرير، و5 آلاف لعبة، و11 ألف عبوة تنظيف، إضافة إلى تطعيم 250 ألف رأس غنم، و3300 رأس ماشية، بلقاح الحمى القلاعية والطاعون.

المياه ومحصول الحبوب.. عنوانان ميزا المنطقة خلال العام

شغلت أزمة انقطاع المياه عن محافظة الحسكة حيزاً  كبيراً في الإعلام خلال الشهرين الفائتين، إذ اتهمت "الإدارة الذاتية" تركيا بقطع المياه عن نحو مليون شخص في الحسكة، في حين رد المجلس المحلي في رأس العين بالنفي، وأكد في وقت سابق، لموقع تلفزين سوريا، أن المياه قطعت عن الحسكة بسبب قيام "قسد" بقطع التيار الكهربائي عن رأس العين.

وتشكل "محطة علوك" الموجودة في رأس العين، المصدر الوحيد لمياه الشرب لنحو مليون شخص من سكان مناطق شمال شرقي سوريا، لكن آبار "علوك" تتغذى من خط خاص من محطة تحويل الكهرباء في الدرباسية شمال شرقي الحسكة (تحت سيطرة الإدارة الذاتية)، إذ تحتاج المضخات (عددها 12) إلى الكهرباء لدفع المياه إلى الحسكة، وهو ما يلقي باللوم على "الإدارة الذاتية" التي تقطع التيار بشكل دوري عن رأس العين، وفي المرات التي شهدت هذه الأزمة تصاعداً تدخلت روسيا عند تركيا، كي تعيد المياه، وفق مصادر محلية.

أما على صعيد محصول الحبوب في رأس العين وتل أبيض، فقد توصل مكتب الزراعة التابع لوزارة الزراعة التركية  (TMO)، إلى اتفاق مع المجالس المحلية كي يقوم بشراء المحصول، وأعلنت تركيا منتصف العام الجاري أنها ستشتري الحبوب من مدينتي تل أبيض ورأس العين بسعر لا يقل عن سعر السوق، مؤكدةً أن عملية الشراء تتم على أساس "الطوعية لا الإجبار، حيث لن يُجبر أي مزارع على بيع محصوله، ولن يُسمح أن تتم عمليات البيع بسعر أقل من سعره في السوق".

20201001_2_44613374_58540162_0.jpg

ومطلع تشرين الأول الحالي، بدأ مكتب الزراعة التابع لوزارة الزراعة التركية  (TMO)بشراء مادتي القمح والشعير من منطقة رأس العين شمالي سوريا.

ولاية شانلي أورفا قالت، إن "المكتب قام بشراء 54 طناً كدفعة أولى من الشعير، وتم نقله إلى الأراضي التركية عبر معبر رأس العين الحدودي مع سوريا".

وفي أيلول الفائت، رفع مكتب الزراعة التابع لوزارة الزراعة التركي (TMO)، السعر الذي كان قد حدده سابقاً لشراء الحبوب من المزارعين في المنطقة، حيث حدد مبلغ 1700 ليرة تركية للطن الواحد من القمح القاسي من الدرجة الأولى، و1600 للقمح الطري من الدرجة الأولى، و1250 ليرة للشعير، بعد أن كان قد حدده بسعر 1000 ليرة تركية لطن الشعير و1300 لطن القمح.

وكانت مجموعة من الحصّادات الزراعية التركية دخلت وفي أيار الفائت، إلى منطقة "نبع السلام"، وبدأت بحصاد المحاصيل بعد التعاقد مع المزارعين.