لم يبق للأسد إلا إسرائيل

2020.09.17 | 00:53 دمشق

asrayyl_walasd.jpg
+A
حجم الخط
-A

يقول الفيلسوف الألماني نيتشه إن ثمة أوقاتاً تأتي يكون فيها المرء على رأس الجبل ليرى كل الاتجاهات، وفيما بعد يعبر الجبل فلا يرى غير نهايته. دول وتنظيمات كثيرة قطعت الجبل ولم يعد أمامها سوى النظر إلى تلك النهاية والتي ستكرس متغيرات سياسية واستراتيجية جديدة في منطقة الشرق الأوسط.

والمقصود في قوله هنا، هو حالة الذروة التي وصل إليها مثلاً المشروع الإيراني في المنطقة العربية، وتوابعه خصوصاً النظام في سوريا وبشار الأسد الذي وصل إلى رأس جبل على ركام سوريا وجثث شعبها. لكنها حالياً دخل في مسار انحداري بتخطيه الجبل ولم يعد لديه إلا النظر إلى نهاية مسيرته، ونهاية حقبة من الادعاءات الكاذبة التي راهن عليها ليحافظ على وجوده بالرهان على تناقضات متعددة، حماية إسرائيل وتوفير أمنها، دعاية مواجهة الإرهاب، تحالف الأقليات، الانخراط بالمشروع الإيراني الذي أدّى إلى تهجير سوريا وتمزيقها والتمهيد لإعلان صفقة القرن التي تقضم حق الفلسطينيين.

كل هذه الأوراق استنفدت من قبل بشار الأسد، المشروع الإيراني كله أصبح على مشرحة العالم كله، لن تكون إيران قادرة على الصمود والاستمرار في عملية تصدير الثورة، الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دمشق كانت مفصلية، بعض المعلومات تتحدث عن نصيحة روسية إلى بشار الأسد بالانحناء أمام العاصفة الأميركية، وتقديم تنازلات حقيقية لا تتعلق في اللجنة الدستورية وتعديل الدستور، بل تتعلق بنقطتين أساسيتين، النقطة الأولى مطالبة إيران بسحب عناصرها ومستشاريها العسكريين من سوريا وذلك سينسحب على حلفائها أيضاً بما فيهم حزب الله، الذي يجري عمليات انسحاب من الشمال السوري ومن الجنوب أيضاً باتجاه دمشق ومحيطها والحدود اللبنانية السورية.

أما النقطة الثانية التي طلبها لافروف من الأسد، هي استعادة مسار المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة مع إسرائيل، في ظل تعبيد طريق التطبيع العربي الإسرائيلي وعقد الاتفاقيات، والتي لا تتعارض مع الروس ولا مع سياستهم. على قاعدة أن أغلب دول الطوق تتجه إلى اتفاقيات مع إسرائيل، فيما تبقى سوريا ولبنان دون أي اتفاق، وهناك ضغوط كبيرة على لبنان لترسيم الحدود والتي ستعني بشكل أو بآخر اعترافاً رسمياً بإسرائيل وحدودها، وعليه لا بد أن تكون سوريا على نفس الخطّ أيضاً. واللافت حتى الآن أنه لم يصدر عن سوريا أي موقف تعليقاً على التطبيع الإماراتي والبحريني مع إسرائيل.

هناك من يشبّه اتفاقيات التطبيع الخليجية الإسرائيلية، بأزمة الصواريخ الكوبية مع فارق تشكل صورة جديدة تشير إلى وضع غواصة تحوي 12 رأساً نووياً في الخليج العربي وعلى مسافة قريبة من إيران. في رد والتفاف على كل المساعي الإيرانية التي عملت على خلق حدود مع إسرائيل عبر حزب الله بأسلحة تقليدية وصواريخ دقيقة. بينما اليوم إسرائيل تعد لجبهة مع إيران عبر الخليج بأسلحة نووية هذه المرة إلى جانب الأسلحة التقليدية.

 
لا ينفصل ذلك عن انسحاب الأميركيين من العراق الذي لن يخدم إيران لأن مبرر طهران في العراق هي مواجهة تنظيم داعش والوجود الأميركي

لا ينفصل ذلك عن انسحاب الأميركيين من العراق الذي لن يخدم إيران لأن مبرر طهران في العراق هي مواجهة تنظيم داعش والوجود الأميركي، هذه الذرائع ستنتهي، في المقابل لم تعد طهران قادرة على الصمود وتحمل المزيد من التكاليف. انتهى العراق من النفوذ الإيراني، ولم تعد العصبية الشيعية قادرة على الفعل بعد التظاهرات في المناطق الشيعية، وثانياً الذهاب إلى تحالف مع مصر والأردن ما يعني تعزيز الصلة العربية للعراق، والتي تعني الكثير للعراقيين من كل الطوائف. كان الأميركيون سابقاً يريدون احتواء العراق وإيران في نفس الوقت، اليوم هناك محاولة لاحتواء تركيا وإيران معاً.
 
حتى المقربين من بايدن يقولون إنه لن يكون تكملة لولاية باراك أوباما، أكثر من يخشى بايدن هي تركيا لأنه يتخذ مواقف قاسية جداً ضدها، خاصة أن هناك مساعي لاستنزاف تركيا في سوريا والعراق، وعدم وجود أي حليف لها في هذه المرحلة، لا الأوروبيين ولا الروس ولا العرب. لذلك هذه الظروف كلها تحتم على الأتراك الاستمرار بالعلاقة الجيدة مع روسيا وإيران، من دون إغفال خشية تركية من البقاء وحيدة والدخول في مواجهة جديدة مع الأعداء التاريخيين أي الروس والإيرانيين. وسط كل هذه التطورات الدولية، تبقى تركيا قادرة على الإمساك بأوراق عديدة من البحر الأسود إلى المتوسط، والحفاظ على العلاقة بالأميركيين وحلف الناتو، في حين إيران لن يكون لديها أي حليف ما لم تغير من سياستها وتقدّم تنازلات حقيقية وجدية، وكما ستكون إيران وحيدة، سيكون الأسد قد ترك وحيداً معلقاً على شجرة، لا أحد لديه إلا إسرائيل.